هيمن البشير على سياسة البلاد لثلاثة عقود منذ أن وصل إلى السلطة في انقلابٍ عسكري دبرته الجبهة الإسلامية القومية (حركة الاخوان المسلمين السودانية) على الحكومة المنتخبة ديموقراطياً. تعدّ فترة حكمه الذي استمرت 30 عاماً أطول فترة حكمٍ لزعيم في التاريخ المعروف المدون للسودان.
وكان قد اعلن حزب المؤتمر الوطني الحاكم في السودان في اغسطس 2018 عن استعداده لترشيح الرئيس عمر البشير لولايةٍ رئاسية جديدة في قد الانتخابات الرئاسية التي ستجري عام 2020 وتعديل الدستور الذي يحدد الولاية الرئاسية بخمس سنوات ولا يسمح للرئيس بأكثر من فترتين. لكن هذه الجهود فشلت.
خلال هذه الفترة الطويلة أظهر العميد عمر حسن البشير، الذي رقى نفسه لرتبة الفريق صبيحة يوم الانقلاب ثم إلى مشير فيما بعد، قدرة فائقة في الحفاظ على كرسيه واقصاء منافسيه ومعارضيه واستغلال توازنات القوى داخل السلطة وخارجها واللعب على جميع الحبال. كما اظهر مهارة في المراوغة والافلات من الازمات والمآزق الكثيرة التي أحاطت بفترة حكمه مثل نشوب حرب أهلية في دارفور عام 2003 وانفصال جنوب السودان عام 2011، واستخراج واستثمار البترول الذي يعد من إنجازاته القليلة.
واليوم، يستعد الرئيس البشير للتقدم لدورة رئاسية جديدة يمكن اعتبارها السابعة بحساب السنوات، مخلفاً وعده عام 2010 بأنه لن يترشح لانتخابات 2015 ثم تأكيده في 2015 انه لن يترشح عام 2020.
مجلس الثورة
تولى عمر البشير السلطة عام 1989 باسم رئيس مجلس قيادة ثورة الإنقاذ الوطني الذي كان يضم خمسة عشر عضواً جميهم من ضباط الجيش واحتفظ البشير لنفسه بمنصب وزير الدفاع. مارس مجلس قيادة الثورة السلطة التشريعية والتنفيذية مع مجلس وزاري مختلط من العسكريين والمدنيين بمساندة خفية وقوية من قيادات الحركة الإسلامية السودانية التي انكرت صلتها بالانقلاب العسكري في بادئ الامر بالرغم من انها كانت تتحكم فعلياً في توجهات النظام بقيادة العراب حسن الترابي.
في أكتوبر 1993 تم حل مجلس قيادة الثورة، وقام المجلس التشريعي المعين الذي كان يرأسه احد أعضاء مجلس قيادة الثورة بتعيين عمر البشير رئيساً للجمهورية والجنرال الزبير محمد صالح نائباً له، فيما اعتبر اضعافاً كبيراً لسلطة العسكريين وتدعيماً لنفوذ الإسلاميين في الحكم لكن المعادلة تغيرت فيما بعد.
بحثاً عن شرعية شعبية ودستورية أجريت انتخابات رئاسية وبرلمانية في العام 1996 فاز فيها البشير بنسبة 75% من الأصوات دون منافسة جدية فيما قاطعت أحزاب المعارضة، التي كانت محظورة فعلياً، تلك الانتخابات وانتخب زعيم الحركة الإسلامية وعراب النظام الدكتور الشيخ حسن الترابي رئيساَ للبرلمان.
الانقسام السياسي
بدأت نذر الخلافات والصراع على السلطة بين البشير والترابي منذ وقتٍ مبكر لكنها تفاقمت خاصةً بعد وفاة اللواء الزبير صالح نائب رئيس الجمهورية، الذي كان يلعب دوراً مهماً في ضبط العلاقة بين الطرفين، والذي قُتل في حادث سقوط طائرة عسكرية، غير مبرر، في جنوب السودان في 1998.
في ديسمبر 1999 بدأت ما يسميه الإسلاميون في السودان بـ “المفاصلة” بمحاولة الترابي الحد من سلطة البشير واجراء تعديلٍ دستوري يسمح بالانتخاب المباشر لولاة الولايات بدلاً من تعيينهم بواسطة رئيس الجمهورية. وانتهت المفاصلة بحل البرلمان الذي كان يرأسه الترابي بعد أن انحاز معظم أنصاره وتلاميذه للرئيس البشير في معركة كسر العظام التي استمرت لأعوام. ولم يتورع البشير عن اعتقال وسجن شيخ الحركة الإسلامية لفترات طويلة عدة مرات.
فقد تساءل كثيرون عن أسباب تخلي أتباع الترابي المخلصين عن زعيمهم التاريخي.وتقول بعض الروايات أن انحياز مساعدي الترابي، خاصة نائب رئيس الجمهورية آنذاك علي عثمان طه احد تلاميذ الترابي المقربين، كان بسبب رغبتهم في حماية انفسهم بعد أن تورطوا، من خلف ظهر شيخهم، في محاولة اغتيال الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك في أديس أبابا في يونيو 1995. وبالإضافة إلى ذلك، لم يكونوا مستعدين للتخلي عن المناصب ذات النفوذ التي مكنتهم من جني الملايين من المال العام، وفقاً للاتهامات التي أطلقها الترابي لاحقاً.
سلام الجنوب وانفصاله
في عام 2000، اُعيد انتخاب البشير رئيساً للجمهورية طليق اليد مستفرداً بالسلطة وقد تخفف من ثقل الإسلاميين دون ان يستبعدهم مستنداً على ولاء الجيش وأجهزة الامن له. وتوجه بعدها لشاغله الاكثر أهمية وهي الحرب الاهلية في الجنوب التي ساق اليها آلاف الشبان الذين قتلوا هناك تحت شعارات إسلامية جهادية صاخبة دون تحقيق النصر العسكري الحاسم الذي كان يعد به. وتصاعدت الضغوط المحلية والعالمية الداعية لحل سلمي متفاوض عليه حتى تم التوصل لاتفاقية السلام الشامل في التاسع من يناير عام 2005. واضطر البشير مرة أخرى للقبول باقتسام السلطة مع الحركة الشعبية لتحرير السودان بزعامة العقيد جون قرنق وهو خصم سياسي وأيديولوجي محنك يحظى بدعم وطني ودولي وطيد. ومع ذلك، ضمن الدستور الانتقالي لسنة 2005 خمس سنوات أخرى للرئيس البشير في مقعده دون انتخابات وتولى جون قرنق منصب النائب الأول لرئيس الجمهورية لكنه سرعان ما قضى نحبه في 30 يونيو 2005 في حادث سقوط طائرة عامودية مرةً أخرى. واعيد انتخاب الرئيس البشير رئيساً عام 2010 بعد انسحابٍ غامض لمنافسه ياسر عرمان مرشح الحركة الشعبية لتحرير السودان.
تبخرت وعود العمل المشترك لوحدة جاذبة بين حكومة البشير والحركة الشعبية لتحرير السودان وقضيا خمس سنوات من المماحكة ووضع العصي في دواليب بعضها حتى انفصل الجنوب باستفتاء جهير في 9 يوليو 2011. فمن النادر في التاريخ الحديث أن احتفظ رئيس بمنصبه بعد انفصال جزء من البلاد بسبب سياساته، إلا ان البشير نجح في ذلك أيضاً.
أول رئيس مطلوب جنائياً
من أصعب وأعقد ما يواجه الرئيس البشير من عقبات، العزلة الدولية الصارمة التي فرضت عليه منذ صدور قرار المدعي العام لدى المحكمة الجنائية الدولية لويس مورينو أوكامبو، في لاهاي عام 2008، بإحالته على المحكمة وصدور مذكرة توقيف بحقه بتهم تتعلق بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في الحرب الاهلية في دارفور. تم الترحيب بقرار الاتهام في المناطق المضطربة في السودان وبين جماعات المعارضة. ومع ذلك، لم يتمكن قادة المعارضة في العاصمة الخرطوم من دعم قرار المحكمة الجنائية الدولية علانية. كان الترابي فحسب من تجرأ على مطالبة البشير بتسليم نفسه إلى المحكمة الجنائية الدولية، مما أسفر عن قضائه عدة أشهر في السجن.
نتيجةً لذلك القرار، لم تطأ قدم البشير أرض أي دولةٍ غربية، بيد أنه كان حراً في السفر إلى باقي دول العالم، بما فيها غالبية الدول الافريقية ودول الشرق الأوسط، وإيران، والصين وروسيا. وعلاوةً على ذلك، صدرت عشرات القرارات الأممية الأخرى ضد السودان وفرضت أمريكا عقوباتٍ اقتصادية كلفت البلاد 50 مليار دولار حسب مصادر سودانية.
مناورٌ بارع
عرف البشير دائماً كيف يستغل خصومات من حوله للتلاعب بهم وتصفية حساباته، فعلى سبيل المثال، استعان بنائب الرئيس وقتها، على عثمان طه، لإقصاء الترابي. كما استعان بنائب الرئيس الحالي الجنرال بكري حسن صالح، العسكري الوحيد الذي بقى معه من الانقلابين، لاستبعاد على عثمان ورجل النظام القوي نافع علي نافع وتهميشهما بعد ان تركهما يتصارعان لبعض الوقت.
ولم يعرف عنه رأفة قط بخصومه جماعاتٍ وأفراد، فقد نفذ حكم الإعدام الفوري على 28 ضابطاً من القوات المسلحة بعد ساعاتٍ قليلة من فشل محاولة انقلابية في ابريل 1990. وشهد عهده ابشع أنواع التنكيل بالمعتقلين السياسيين في بيوت الاشباح. واعتقل وسجن مدير جهاز الامن الوطني الجنرال صلاح قوش الذي عاونه في التخلص من الترابي في ابريل 2012 قبل أن يعيده رئيساً لجهاز الامن عام في فبراير 2018. كما قتلت أجهزة امنه العشرات من المتظاهرين السلميين الشباب في شوارع الخرطوم خلال مظاهرات استغرقت اقل من أسبوع في سبتمبر 2013. وأمر البشير بقصف قرى دارفور وقتل مئات الالاف منهم ممن لتمردهم على سلطته وفعل ذلك لاحقاً في منطقة جبال النوبة.
كما أن البشير لم يتوان أيضاً من تقديم الرشاوى السخية لرجاله وأنصاره وسمح لهم بالإثراء بالفساد والصفقات المشبوهة وشراء ممتلكات القطاع العام التي تمت خصخصتها بأبخس الاثمان.
حتى في العلاقات الخارجية اتخذ البشير نفس النهج البراغماتي المراوغ وحاول ونجح أحياناً في اللعب على حبال متقاطعة. فقد أيّد بدايةً غزو صدام حسين للكويت وتحالف مع ايران، وفتح موانئ السودان لسفنها الحربية واقام مجمعاً للصناعات الحربية بدعم إيراني. ثم طرد الإيرانيين من الخرطوم ليتحالف مع السعودية والامارات ويرسل الجيش السوداني للمشاركة في حرب اليمن مقابل مساعداتٍ مالية. لكنه لا يزال يغازل محور قطر– تركيا المناوئ للسعوديين، ويحتفظ بعلاقاتٍ دافئة مع تركيا. وتحالف مع الارتريين ضد أثيوبيا في بداية عهده ليبدل موقفه فيما بعد حليفاً لأثيوبيا ضد ارتريا.
سيرة الرئيس
ولد عمر حسن احمد البشير في يناير 1940 في قرية حوش بانقا، 180 كيلومتراً شمالي الخرطوم وينتمي لقبيلة الجعليين الكبيرة وهو الثاني بين اثنى عشر اخاً واختاً، وكان والده يعمل في وظيفة كتابية صغيرة في شركة في الخرطوم وقد قتل شقيقه الأصغر عثمان في حرب الجنوب اثناء رئاسته وتدور الكثير الشائعات حول الثروات الطائلة التي جمعها اشقائه بعد توليه الرئاسة.
تخرج البشير من الكلية الحربية السودانية عام 1967 ثم نال ماجستير العلوم العسكرية بكلية القادة والأركان عام 1981، ثم ماجستير العلوم العسكرية من ماليزيا في عام 1983. عمل في الإمارات العربية المتحدة لبعض الوقت في الثمانينيات. عمل في الكثير من وحدات الجيش في مختلف انحاء البلاد وشارك في حرب الجنوب وحقق انتصاراً مهماً حيث استولت قوة بقيادته على قاعدة للحركة الشعبية لتحرير السودان في منطقة ميوم في جنوب السودان عام 1988، حيث كانت هذه أول مرة يظهر فيها في الاعلام السوداني. توطدت علاقته بالحركة الإسلامية خلال الثمانينيات لكن لم يتم ضمه للحلقة العسكرية الانقلابية إلا قبل أيام قليلة من تنفيذ الانقلاب.
الرئيس البشير متزوج من امرأتين، الاولي ابنة عمه السيدة فاطمة خالد التي تزوجها في بداية السبعينيات ثم تزوج السيدة وداد بابكر في مارس 2002 وهي ارملة العقيد إبراهيم شمس الدين عضو مجلس قيادة ثورة الإنقاذ الذي لقى مصرعه عام 2001. ولم يرزق البشير بذرية من زوجتيه.