يرى خبراء عدة أن الأشهر القليلة الماضية من عام 2015 شكلت أسوأ فترة مر بها نظام الرئيس بشار الأسد منذ اندلاع الصراع في سوريا في العام 2011. ففي شهر مارس الماضي، تمكنت فصائل معارضة معتدلة تتلقى الدعم من الولايات المتحدة والأردن من السيطرة على مدينة بصرى الشام الأثرية في محافظة درعا الجنوبية بعد قتال دام خمسة أيام. وبعد أقل من شهر واحد على ذلك، في أبريل 2015، سقطت مدينة جسر الشغور الاستراتيجية في الشمال السوري بيد ما بات يعرف اليوم بجيش الفتح، وهو ائتلاف يضم عدداً من القوى المعارضة الإسلامية، من بينها جبهة النصرة المرتبطة بالقاعدة. وبعد أسابيع قليلة واصل جيش الفتح تقدمه ليسيطر على كامل مدينة إدلب المجاورة.
ورغم استمرار قصف قوات التحالف لمواقع تنظيم الدولة الإسلامية، لا يزال التنظيم مستمراً بتوسعه على حساب مناطق سيطرة النظام، ففي شهر مارس الماضي، قام التنظيم بانتزاع مدينة تدمر الأثرية من قبضة القوات الحكومية، وهي المدينة المتموضعة على نحو استراتيجي على الطريق الواصل بين دمشق ومدينة دير الزور المتنازع عليها.
حتى في قلب المناطق الواقعة تحت سيطرة النظام، تمكنت فصائل المعارضة من اغتيال عدد من كبار ضباط النظام. في حين أشار تقرير لصحيفة الشرق الأوسط، وهي صحيفة سعودية مقرها لندن وذات صلة بالعائلة المالكة السعودية، في شهر مايو الماضي إلى أن روسيا التي تعتبر أكبر داعمي نظام الأسد، قد شرعت بسحب عدد من كبار موظفيها من سوريا، وأن موسكو كانت قد توقفت عن إرسال شحنات الأسلحة إلى النظام. ومع ذلك، لم يتم تأكيد ذلك من خلال مصادر مستقلة. ولا يخفى على المار في شوارع المدن الخاضعة لسيطرة النظام تلك الإعلانات الكبيرة التي تحث الناس على الالتحاق بالجيش، وهو أمر يمكن قراءته على أنه محاولة لتعويض خسائر النظام العسكرية التي يبدو أنها في ازدياد.
وفي أبريل 2015، ووفقاً لسفير الولايات المتحدة السابق إلى سورية روبرت فورد فإنه لا يمكن اليوم استبعاد انهيار النظام السوري، إذ قال فورد في مادة نشرها معهد الشرق الأوسط أن الانشقاقات والانتكاسات والنقص في عدد المقاتلين تشكل جميعها “علامات على ضعف نظام الأسد،” وأضاف أنه “ربما نشهد حالياً بداية نهاية النظام.”
ويرى الخبير في الشؤون السياسية السورية مهند فياض أن “التطورات التي شهدتها الأشهر الثلاثة الأخيرة تنم عن أن الأسد اليوم أضعف من أي وقت مضى” ويضيف: “ربما حان الوقت للتفكير في سوريا ما بعد الأسد.”
لكن ثلة أخرى من المحللين تحمل وجهة نظر ربما أكثر “واقعية” فحسب الباحث السياسي مصطفى الملاح “هذه ليست المرة الأولى التي يبدو فيها أن الأسد يخضع لضغوط هائلة، فقد مرت أوقات في العام الماضي (2014) وقبله ظن فيها كثيرون أن النظام شارف على السقوط، وأنه كان سيسقط في غضون أسابيع، إلا أنه نجى إلى يومنا هذا.”
ويستبعد الملاح أن تتخلى طهران، الحليف المالي والعسكري لدمشق، عن الأسد بهذه السهولة. وكدليل على ذلك، يشير إلى تصريحات عدد من القادة الإيرانيين، خاصة التصريح الذي أدلى به قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني في أوائل شهر يونيو الحالي، حين قال إن “العالم سوف يُفاجأ بما نقوم بالتحضير له مع القيادة العسكرية السورية للأيام القادمة”. وبالفعل، تشير تقارير صحفية إلى إرسال إيران خمسة عشر ألف جندي إيراني وعراقي وأفغاني إلى سورية، وذلك لمساعدة الأسد على التماسك في المناطق الخاضعة لسيطرته، وربما محاولة استرجاع مناطق أخرى.
ويعتقد الملاح أنه ما لم تكن مكاسب المعارضة السورية تحصل في دمشق، فإنها تبقى ذات أهمية ثانوية، ويبقى سقوط الأسد ليس قريباً. “خسارة السيطرة على مناطق في أقصى الشمال أو أقصى الجنوب تختلف كلياً عن خسارة مناطق في العاصمة،” يقول الملاح. “طالما يحكم الأسد قبضته على دمشق كمعقل له ولقواته، فإنه من المبكر الحديث عن سقوطه”.
ويشك الملاح في أن الغرب وبعض القوى الإقليمية سوف تسمح بسقوط كلي للأسد في الوقت الراهن، حيث أن القوى الوحيدة القادرة على ملء الفراغ السلطوي الذي سينشأ بعد الأسد هي إما جبهة النصرة أو تنظيم الدولة الإسلامية. “معظم الانتصارات التي حققتها القوى المعارضة للأسد في الفترة الأخيرة كانت على يد جبهة النصرة وتنظيم الدولة ومجموعات إسلامية متطرفة أخرى” يقول الملاح. “في حال سقط الأسد اليوم، فإن هذه القوى هي الأقدر من حيث القوة على تولي زمام الأمور، والغرب يدرك ذلك إلى جانب القوى الإقليمية، ولا أظن أنهم يرغبون في حصوله.”
في حقيقة الأمر، تشير تقارير صحفية إلى أن الولايات المتحدة قد أوعزت إلى قوات المعارضة السورية التي تدربها في تركيا بأن تقوم بقتال تنظيم الدولة حصرياً، دون التعرض لقوات الأسد. وتضيف تلك التقارير إلى أن عدداً من المتدربين قرروا الانسحاب من برنامج التدريب بعد تلقيهم هذه التوجيهات.
ويبدو أن إدارة الرئيس أوباما لا تزال إلى اليوم تركز على التوصل إلى حل سياسي للأزمة في سوريا وتغيير النظام فيها، وفي نفس الوقت فإن الإدارة لم تتمكن حتى الآن من إيجاد قوة معتدلة مناهضة للأسد تشكل شريكاً للولايات المتحدة على الأرض وبديلاً لحكومة الأسد في حال سقوطه، ويعتبر ذلك سبباً آخر لاستبعاد سقوط الأسد حالياً من جانب كثير من الخبراء.
من الواضح أن الحرب السورية غدت للكثير من أطرافها، عبارة عن صراع من أجل البقاء، ولا يبدو أن أيا من تلك الأطراف سوف يستسلم دون القتال حتى الرمق الأخير، وفي خضم ذلك النزاع، يبقى أمر واحد يتفق عليه الجميع، ألا وهو أن الشعب السوري من المدنيين سيبقى الخاسر الأكبر في ذلك الصراع، إذ سيواصل اقتصاد البلاد تدهوره ملقياً المزيد من الأعباء على السوريين، كما أن فاتورة الدم ستواصل ارتفاعها مع احتدام الاقتتال.
ويقول الملاح “من المنطقي القول أن الأسد يبدو اليوم أقرب إلى نهايته مما كان عليه قبل عام، لكن هذا لا يعني أن سقوطه أصبح وشيكاً”.