وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

مشرعون كويتيون: الفساد يُغرق البلاد

Specials- corruption kuwait
رئيس الوزراء الكويتي الشيخ جابر مبارك الصباح (يمين) يلقي خطاباً خلال جلسة البرلمان، في مجلس الأمة في مدينة الكويت في 27 نوفمبر 2018. Photo AFP

قال البرلماني الكويتي عبد الكريم الكندري في نوفمبر 2018 إن “الفساد ما يُغرق البلاد وليس الأمطار،” في إشارةٍ منه إلى الأمطار الغزيرة التي هطلت آنذاك، مما تسبب بفيضاناتٍ شديدة في جميع أنحاء دول الخليج.

فقد تعرضت أنظمة التصريف للإغلاق بسبب الافتقار إلى الصيانة، ونتيجةً لذلك، غُمرت الشوارع بالمياه وباتت القيادة شبه مستحيلة في ظل الأضرار التي لحقت بالأسفلت. وبحسب الكندري، ما كان هذا سيحدث إن لم يكن هناك فساد.

يتعلق الأمر برمته بمزيج مادة القطران، إذ يُزعم أن شركات الإنشاءات الموكل لها تعبيد الطرقات استخدمت على مر السنين مزيجاً أرخص من المتفق عليه واحتفظت بالأموال التي تم ادخارها. في حين أن مفتشي الحكومة يغضون الطرف، أو كما وصف الأمر أحد المعلقين على إحدى المدونات: “مقاول+ فساد= مزيج رخيص.”

هذا ليس سوى مثالٍ واحد من العديد من الأمثلة، فهناك أيضاً قضية اختلاس إسبانية شهيرة حصلت في التسعينيات عندما “اختفى” ما بين 500 مليون دولار ومليار دولار تحت “إشراف” اثنين من الموظفين البارزين في مكتب الاستثمار الكويتي في لندن. وهناك استاد جابر الأحمد الدولي بسعة 60 ألف متفرج، والذي تم الانتهاء منه في عام 2007، إلا أنه لا يستخدم إلا في بعض المناسبات بسبب “أخطاء” حصلت أثناء تشييده (تماثل قصته قصة شوارع البلاد). وهناك اختلاسٌ بنحو 13 مليون دولار من قبل مدير شركة نفط الكويت.

لا يتوقف الأمر عند هذا الحد. هل أنتم شركة أجنبية ترغب في الاستثمار في الكويت؟ عليكم مواجهة دفع “عمولة التوكيل” لأحد الكيانات المحلية مما سيتيح لكم الدخول إلى الوزارة المعنية. هل أنت الشخص المسؤول في الوزارة عن شراء أثاث مكتبي جديد؟ عليك اختيار المورد الذي يقدم أكبر رشوة.

في عام 2018، احتلت الكويت المرتبة 78 من أصل 180على مؤشر الشفافية، وهي أدنى دولة خليجية بعد البحرين. الفساد جزءٌ من الحياة اليومية وهو موجودٌ بجميع أشكاله: الرشوة والمحسوبية والاختلاس وإساءة استخدام المنصب وما إلى ذلك. وعلى الرغم من الإجماع بضرورة القضاء على الفساد، إلا أن الجميع أيضاً عالقون في شباكه.

كما أنه لا يظهر جلياً في عالم الأعمال التجارية فحسب، فالواسطة- التي تترجم تقريباً إلى التمتع بعلاقاتٍ أو تأثير- هي “الحل السحري” الذي يمكنه حل أي مشكلة تقريباً. وكما كتب المدون Secret Dubai، فإنه يمكن القول أن الواسطة “أكثر أشكال العملات قيمةً في معظم أنحاء الشرق الأوسط، وأكثر فاعلية بكثير من الرشاوى وبالتأكيد أكثر فعالية من اتباع الإجراءات القانونية الواجبة.” تمهد الواسطة الطريق إلى وظيفةٍ جيدة أو الحصول على الترقية، ومثلاً، يكون تجديد التراخيص أو الحصول عليها أسهل بكثير إذا كنت تعرف شخصاً (الذي يعرف شخصاً آخر) في الوزارة. هل توجد عليك غرامات مرورية مزعجة؟ اتصل بأحد أقاربك في إدارة المرور لجعلها تختفي.

هذا الفساد المتفشي جعل من الصعب على الكويت جذب المستثمرين الأجانب، إذ تحتل الكويت المرتبة 54 من أصل 140 في تقرير التنافسية العالمية الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي 2018، وهو أدنى تصنيف بين دول مجلس التعاون الخليجي، حيث يلعب الفساد دوراً مهماً (وإن لم يكن الوحيد) في ذلك.

تم بذل محاولاتٍ لمعالجة المشكلة، مثل سن قوانين (جنائية) وإنشاء سلطة لمكافحة الفساد مؤخراً. تصل القضايا إلى المحاكم بين الحين والآخر، ويتم إدانة الأفراد من حينٍ لآخر، ويبقى أن نرى ما إذا كان هؤلاء هم “الرؤوس الكبيرة،” ويبقى أن نرى أيضاً ما إذا كان المشرعون سيتعاملون مع الشفافية، الجانب – الوقائي – الآخر من الفساد.

يكفل الدستور الكويتي الحق في الحصول على المعلومات، لكن لم يتم إصدار تشريعٍ داعم حتى الآن. على العكس تماماً، ففي عام 2007، دعت جمعية الشفافية الكويتية إلى مشروع قانون لتطبيق الشفافية، ولكن في عام 2015، تم حل مجلس الإدارة بعد اتهامه من قبل بعض أعضاء البرلمان بالمبالغة بمستوى الفساد في الكويت.

المسألة الأخرى هي ما إذا كان يمكن معالجة الفساد بالوسائل القانونية فقط، إذ من السهل نسبياُ تعقب الاختلاس أو الرشوة، المنتشرة على نطاقٍ واسع، والتحقيق فيهم ومعاقبة مرتكبيهم. وبالتأكيد، يمكن هذا إذا ما تم إنفاذ القانون على محمل الجد. وأيضاً، هذه قضية أخرى مثيرة للقلق، ذلك أن العلاقات الأسرية والقبلية الوثيقة لا تضمن دائماً تنفيذ القوانين بفعالية.

يرتبط هذا ارتباطاً وثيقاً بالواسطة، التي ربما يكون القضاء عليها أكثر جوانب الفساد صعوبة. فعلى الرغم من أن أصولها النبيلة ومزاياها إن صح القول، إلا أن الواسطة تؤدي في النهاية إلى تعطيل المجتمع والاقتصاد. جوهرياً، هذا يعني أنه لا يهم ما تعرفه ولكن من تعرفه.

ينتج عن هذا حرمان أشخاص مؤهلين من وظائف يستحقونها بدرجةٍ أكبر، في انتهاكٍ للقانون ودون أي عقاب لأن الواسطة تضمن ذلك وفي ظل عدم مساواةٍ بين أولئك ممن يملكون الواسطة وأولئك الذين لا يملكونها. وفي نهاية المطاف، يمكن أن يضر ذلك بالكويت أكثر من السرقة من خزائن الدولة.

إن وجود أشخاص غير مناسبين في مناصب مهمة يجعل ممارسة الأعمال التجارية غير جذابة للمستثمرين، الذين يفضل الكثير منهم استثمار أموالهم في مشاريع خارج الكويت. وعلاوةً على ذلك، إما أن ينتهي الأمر بخيبة أمل الشباب المحليين وقبولهم بوظائف حكومية يسيرة أو يغادرون البلاد، مما يتسبب في هجرة الأدمغة والمال. على الأقل هذا الجزء من نظام التصريف لا يزال يعمل.