وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

هل ستكون السيطرة على منطقة الهلال النفطي في ليبيا المسمار الأخير في نعش حكومة الوفاق الوطني الليبية؟

مقاتلون موالون لحكومة
مقاتلون موالون لحكومة طرابلس يستعدون للهجوم اثناء المعركة مع تنظيم الدولة في سرت، ليبيا, 20 سبتمر 2016. Photo Manu Brabo

في الحادي عشر من سبتمبر 2016، سيطرت قوات الجيش الوطني الليبي الموالية للخليفة حفتر، وهو جنرالٌ منشق ومعارضٌ لحكومة الوحدة الوطنية الليبية في طرابلس، على ما يُسمى بـ”الهلال النفطي” في بلدة أجدابيا. وفي غضون ساعات، تمكنت القوات أيضاً من السيطرة على محطات النفط الرئيسية في المنطقة؛ راس لانوف والسدرة. وبعد أربعٍ وعشرين ساعة، سيطرت أيضاً على الزويتينة، وبعد يومٍ من ذلك، على مرسى البريقة. غيّر هذا الحدث مسار الحرب الأهلية الليبية، التي اندلعت بعد إطاحة الثورة بمعمر القذافي عام 2011، مما مكنّ حفتر، وبالتالي حكومة طبرق المنافسة، من السيطرة على أكثر من نصف إنتاج ليبيا من النفط.

وقع الهجوم عشية عيد الأضحى، عندما ينضم غالبية المسلمين إلى أسرهم ويأخذون قسطاً من الراحة. وبشكلٍ عام، يُعتبر العيد وقتاً للسِلم حيث يميل الجنود ليكونوا أقل يقظة. والأهم من ذلك، أن الهجوم وقع أثناء انشغال كتائب البنيان المرصوص الموالية لحكومة طرابلس والتي تمتاز بقوتها، بمعركة تحرير مدينة سرت من تنظيم الدولة الإسلامية “داعش.” فالقتال مستمرٌ منذ شهور، مما ترك كتائب البنيان المرصوص، التي عانت من مئات الضحايا، ضعيفة ومستنزفة.

وعلاوة على ذلك، كانت قوات حفتر تقاتل تحالفاً من المليشيات الإسلامية في مدينة بنغازي، كما شنت سلسلة من الهجمات ضد القوى الإسلامية في المدينة. الهجوم الذي بدأ عند الفجر، أخذ الجميع على حين غرة، حيث تُفيد التقارير أيضاً، حصول حفتر على دعمٍ مصري.

ومع تقدم قواته، واجهوا مقاومةً تكاد لا تُذكر من قِبل حرس المنشآت النفطية، ميليشيات إبراهيم الجضران. فقد نصبّ الأخير نفسه سيد الهلال النفطي في أجدابيا عام 2012، وانتقل من كونه قائداً لوحدة محلية عينته الحكومة المركزية في طرابلس، إلى اتحادي يُطالب بحكمٍ ذاتي. ومع ذلك، عندما شن حفتر هجومه، تشتت ميليشيا الجضران. في واقع الأمر، يُزعم أن قادة القبائل من قواته وقعوا اتفاقاً سرياً مع حفتر، طالبين من أبنائهم التخلي عن الجضران بمجرد تقدّم قوات الجيش الوطني الليبي؛ خيانةٌ كلفت الزعيم الفدرالي مقعده.

لم يُعثر على أي أثرٍ للجضران عندما هاجمت قوات الجيش الوطني الليبي وموطنوا أجدابيا قصره. فقد ترددت شائعاتٌ عن فراره أثناء الهجوم. وفي نفس اليوم الذي تم فيه الاستيلاء على محطات النفط، أعلن حفتر أنها ستُعاد إلى المؤسسة الوطنية للنفط. المؤسسة، التي يتم تشغيلها من طرابلس، واحدة من المؤسسات القليلة التي لم تتأثر بالانقسام السياسي في ليبيا. ومع ذلك، يُنظر إليها باعتبارها أقرب إلى حكومة الوفاق الوطني المدعومة من قِبل الأمم المتحدة، وبالتالي، يرتاب مجلس النواب الليبي في طبرق وحفتر من هذا الأمر. فقد جاء إعلانه هذا مفاجأةً تماماً كحال هجومه المباغت.

وهكذا، في حين أدانت طرابلس، بدايةً، الهجوم، اضطرت فيما بعد إلى تهذيب رد فعلها. وعلاوة على ذلك، رحب مدير المؤسسة الوطنية للنفط بخطوة حفتر، وسافر بعد يومين من ذلك إلى أجدابيا. وقال خلال مؤتمرٍ صحفي أن شركته ستستأنف تصدير النفط من هذه المحطات بأسرع وقتٍ ممكن. فيما ندد المجتمع الدولي، بقيادة الأمم المتحدة، بهذه الخطوة، فقد عقد مارتن كوبلر، رئيس بعثة الدعم التابعة للامم المتحدة في ليبيا، صفقة مع الجضران في يوليو 2016، يُتيح من خلالها للمؤسسة الوطنية للنفط استخدام النفط في منطقة الهلال النفطي. ومن خلال قبول الصفقة، دخل الجضران اللعبة السياسية، ليحصل بذلك على اعترافٍ من الحكومة الرسمية والمجتمع الدولي. لم يكن ذلك اتفاقاً مثالياً، إلا أنه أهون الشرين: سيبقى النفط في أيدي الجضران بدلاً من وقوعه في يد حفتر، وسيتقاسم الجضران العائدات مع حكومة طرابلس.

لذا عندما سيطرت قوات الجيش الليبي على محطات النفط، خرجت العملية الهشة التي تم الاتفاق عليها قبل أشهرٍ فحسب عن مسارها، مما زاد من تعقيد الوضع المعقد بالفعل. في الحقيقة، بالإضافة إلى التقسيم الفعلي الحاصل في ليبيا بين حكومة طرابلس وحكومة طبرق، والتطور المستمر في المدن- الدول المتمتعة بحكمٍ شبه ذاتي مثل الزنتان ومصراته، نشب خلافٌ قانوني. ففي أغسطس 2016، صوّت مجلس النواب الليبي في طبرق ضد حكومة الوفاق الوطني. كان هذا التصويت جزءاً من اتفاق الصخيرات، الذي وقع في عام 2015، والذي جلب حكومة الوفاق الوطني برئاسة رئيس الوزراء فايز السراج إلى السلطة. ومع ذلك، كان من المتوقع أن يصوّت مجلس النواب لصالح حكومة الوفاق الوطني، لا أن يحجب الثقة عنها.

وفي حين يبدو تسليم الهلال النفطي للمؤسسة الوطنية للنفط صريحاً، لا ينبغي النظر إليه باعتباره فعلاً خيراً من طرف حفتر. فقوات الأخير ستحافظ على أمن المحطات، بصورةٍ رسمية، لتجنب هجومٍ مضادٍ من قوات الجضران، الذي قام بأول محاولةٍ فاشلةٍ للرد بعد أسبوع. ولكن يكمن السبب الحقيقي لرغبة حفتر بالبقاء في أجدابيا بالقوة التي يحملها المنصب الجديد: فقد بات اليوم الرجل الذي يوجه تدفق النفط في ليبيا، مما يسمح بتسيير أعمال المؤسسة الوطنية للنفط، وبالتالي، الاقتصاد الليبي.

وعلاوة على ذلك، منح هذا المنصب شعبية حفتر دفعةً قوية. فالبنسبة لشخصٍ يطمح لأن يُصبح سيسي مصر في ليبيا، فإن السيطرة على محطات النفط فألٌ حسن. وبما لا يُثير الدهشة، تمت ترقيته إلى رتبة مُشير من قِبل رئيس مجلس النواب، عقيلة صالح، بعد أيامٍ قليلة فقط من انتصاره ذاك.

أمنّ حفتر مكانةً له اليوم في المرحلة السياسية الإنتقالية في ليبيا، ولربما تتحقق مطالبه- بأن يصبح قائد جيشٍ ليبي موّحد جديد في ظل حكومة مركزية وإبعاد أيدي المدنيين عن الجيش- في المفاوضات السياسية المستقبلية. وبناءً على ذلك، فإنّ مصير حكومة الوفاق الوطني، وبالتالي وحدة وسلام ليبيا، يبدو غامضاً على نحوٍ متزايد.