بعد أيامٍ قليلة فحسب على تنصيبه رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية، واجه دونالد ترامب أول فشلٍ ذريعٍ له في اليمن. فخلال غارةٍ على قاعدةٍ مزعومة لتنظيم القاعدة في 29 يناير 2017، التي لربما كانت ملطخةً بالدم منذ البداية، أسفرت عن مقتل جندي من البحرية الأمريكية، فضلاً عن 8 مدنيين يمنيين، على الأقل، من بينهم فتاة في الثامنة من العمر تحمل الجنسية الأمريكية.
لن يكون هذا الفشل الذريع هو الأخير الذي سيتعرض له الرئيس الأمريكي الجديد أيضاً، فلطالما كان اليمن عش دبابيرٍ بالنسبة للدخلاء ممن حاولوا التدخل في شؤون البلاد. واليوم، لا بد أن السعوديين يعرفون هذا حق معرفةٍ أيضاً، فبعد ما يقرب من عامين من شن المملكة العربية السعودية “عاصفة الحزم،” في عام 2015، ضد المتمردين الحوثيين وحلفائهم (بما في ذلك الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح، الذي أطيح به في انقلابٍ عام 2014)، غرقت البلاد في براثن حربٍ أهلية. وعلى الرغم من أن الرياض، وقت الإعلان عن العملية، قدرت أنها ستستغرق بالمجمل 9 أيامٍ فحسب، إلا أن السعوديين لم يقتربوا قيد أنملة من تحقيق أي نجاحٍ اليوم عما هو عليه الحال عند إطلاق العملية، وباتت البلاد في الوقت الراهن تغرق في فوضى أكبر من ذي قبل.
“قُتل أعضاء من الحراك الجنوبي على يد مقاتلين من القاعدة. إلا أنهم في الواقع قوات صالح.” تلك هي نظرية المؤامرة وفقاً لمواطنٍ من عدن، والذي فضل عدم الكشف عنه هويته: انضمت القاعدة إلى، أو هي صنع، تحالف المتمردين الحوثيين وقوات الرئيس صالح.
إنه مزيجٌ مستبعدٌ إلى حدٍ ما، على الأقل من وجهة نظرٍ طائفية. كما أنه ليس من المؤكد أيضاً ما إذا كان الحراك الجنوبي يعتبر تهديداً حقيقياً سواء للقاعدة أو لتحالف الحوثي/ صالح، ذلك أن الحراك الجنوبي يفتقر إلى القيادة والترابط منذ سنوات، ومن غير المرجح أن يتحرك قدماً، على أرض الواقع، في أجندة انفصاله.
وعلى الرغم مما قيل، إلا أنه في اليمن، كل شيءٍ ممكن؛ وقد يحصل كل ما ورد آنفاً. فمن الصعب جداً تقييم الوضع من الخارج، وعلى الرغم من ذلك، أمرٌ واحدٌ مؤكد: تتواصل الحرب في اليمن ولن تنتهي في أي وقتٍ قريب. فقد جلب التدخل في مارس 2015 من قبل قوات التحالف التي تقودها السعودية المزيد من الفوضى والمزيد من الأطراف إلى أرض المعركة أكثر من أي وقتٍ مضى. يبدو الأمر كما لو أن كل طرفٍ وجد عدوه.
ويكاد يكون من المستحيل أن نحدد من يقاتل من وأين، فلكل مدينة أو منطقة، تاريخياً، خصوصياتٌ قبلية ثقافية طائفية، وفي كل مكانٍ من هذه الأماكن أطرافٌ مختلفة يقاتلون بعضهم البعض. فما يجري في العاصمة صنعاء لا يشابه ما يجري في تعز أو عدن أو حضرموت، عداً وليس حصراً.
قد يكون من السهل إلى حدٍ ما فهم الوضع في صنعاء. فقد سيطر على العاصمة، التي تعتبر تاريخياً معقلاً للمذهب الزيدي (المدرسة الشيعية التي يتبعها الحوثيون)، تحالف الحوثيين- صالح عام 2014، ومنذ ذلك الحين تتعرض لغاراتٍ شبه دائمة من قِبل طيران قوات التحالف السُني بقيادة السعودية، ولكن دون جدوى حتى الآن. فقد تبيّن أن العديد من تصريحات التحالف السعودي بأنهم على وشك استعادة السيطرة على صنعاء، مجرد: تصريحات.
فلا تزال المدينة تحت السيطرة المُحكمة للحوثيين. ولم تعد حكومة هادي، التي أطيح بها في انقلابٍ عام 2014، إلى العاصمة بعد، إلا أنها نقلت مقرّها، بما في ذلك البنك المركزي، إلى عدن في عام 2015. سببت الخطوة الأخيرة مشاكل جديدة، وبخاصة بالنسبة للمواطنين الذين يعملون لحساب الحكومة، إذ لم يتم دفع رواتبهم لعدة أشهر، حيث يُقال أنّ الحوثيين يحجبون قوائم الموظفين، غضباً من نقل البنك المركزي.
لا تتعرض عدن لغاراتٍ دائمة من قِبل الطيران السعودي، إلا أنها مسرح معارك مسلحة بين ميليشياتٍ من كل الأطياف؛ من تنظيم القاعدة إلى الحراك الجنوبي، وصولاً إلى القوات الموالية لحكومة هادي، هناك “العشرات من مختلف الأطراف،” التي تقتتل في عدن، وفقاً لمصدرٍ مجهول، الذي يقول أن القانون ينعدم تقريباً في المدينة، ذلك أنّ “الرئيس هادي ضعيف.”
أما في تعز، المدينة ذات الأغلبية السُنية التي تقع على الحدود ما بين ما كان يُعرف بشمال وجنوب اليمن، فالغارات الجوية السعودية منتظمة، فضلاً عن قتالٍ شرسٍ على الأرض بين متمردي صالح/ الحوثي في الشمال، وحزب الإصلاح، المعروف أيضاً بالتجمع اليمني للإصلاح. ويُعتبر الأخير النسخة اليمنية من جماعة الإخوان المسلمين، وتعتبر تعز، تقليدياً، معقلهم، والذي يعتبر السبب وراء دفع الحوثيين إلى تعز.
من جانبهم، غيّر السعوديون موقفهم تجاه حزب الإصلاح. فقد دعمت المملكة العربية السعودية، لسنوات، قيادة الإصلاح، إلى أن غيرت رأيها منتصف عام 2014 واعتبرت التجمع اليمني للإصلاح منظمةً إرهابية (على الأقل علناً). واليوم، غيرت البلاد موقفها مرةً أخرى، وعادت لدعم الإصلاح في نهاية المطاف.
لم يلقى تغير الفكر الأخير هذا استحساناً من قِبل دول الخليج الأخرى وشركاء تحالف المملكة العربية السعودية، وخاصة دولة الإمارات العربية المتحدة، التي لعبت إلى جانب السعوديين دوراً عسكرياً أكثر نشاطاً في اليمن. ولا تزال الإمارات العربية المتحدة تعتبر جميع فروع جماعة الإخوان المسلمين منظماتٍ إرهابية (فحكومتها الملكية، كحال باقي دول الخليج، تشعر بالتهديد من شعبية الإخوان المسلمين)، وهي غير راضية عن التقارب السعودي مع الإصلاح.
ومن بين جميع المدن، لربما تعتبر تعز الأكثر معاناةً من الحرب، إذ يتم منع وصول الإمدادات إليها أياً كان الحزب الذي يُغلق الطرقات المؤدية إلى المدينة، وبوجود القناصة في كل مكان، غالباً ما يلقى المدنيون حتفهم بعد أن يعلقوا وسط تبادلٍ لإطلاق النار.
وعلاوة على ذلك، هناك دوماً جانبٌ شرقيّ في جميع هذه المدن: فالمنطقة الشاسعة بعيدة دوماً عن متناول أي سيطرةٍ حكومية أياً كانت، والتي تُسيطر على أجزاء كبيرة منها اليوم إما تنظيم القاعدة أو القبائل المحلية، المدعومة من التحالف السعودي.
على العموم، الحرب الأهلية في اليمن معقدة، فالوضع هناك عسير. بالرغم من ذلك، تشترك هذه الأوضاع المحلية المختلفة في أمرٍ واحد، ففي كل مكان، الوضع الإنساني متردٍ. فالملايين على شفا المجاعة، وندرة الغذاء تلتهم أعداداَ أكثر بكثير. فالجوع ليس جديداً في اليمن، إلا أنه غالباً ما كان يؤثر على أفقر طبقاتها، واليوم، يزحف نحو الأعلى، ليصل إلى الطبقة الوسطى أيضاً. كما تواجه منظمات الإغاثة صعوبةً في الوصول إلى المناطق حيث الحاجة شديدة، وعندما تصل، ينتهي الأمر بالمؤن في السوق السوداء.
لا يبدو مستقبل اليمن، على المدى القريب، واعداً. وكما يتوقع المواطن العدنيّ “حربٌ لا نهاية لها، مثل الصومال أو العراق.” وعلى الرغم من أن ملاحظته حول تنظيم القاعدة وتحالف الحوثيين/ صالح أمرٌ متروكٌ للنقاش، إلا أن ما ذكره هنا على وجه التحديد، وبجميع الاحتمالات، صحيحٌ تماماً.