نشر موقع “The Conversation” مقالة للكاتب كريستوف بلوث، أستاذ الأمن والعلاقات الدولية بجامعة برادفورد، تناول فيه وضع البرنامج النووي الإيراني في ظل التغيرات السياسية بالمنطقة. ويعتقد بلوث أن إيران لا تسعى بالضرورة إلى امتلاك سلاح نووي، بل تحاول استعمال هذه الورقة للضغط على القوى الكبرى والحصول على مكاسب سياسية واقتصادية. ويرى أن المنطقة قد تتغير تماماً إذا ما حصلت إيران على سلاح نووي، خاصةً أن بعض القوى الإقليمية قد تسعى إلى امتلاك ترسانة نووية بدلاً من الاكتفاء بالحماية الأمريكية.
وكانت المحاولات الإيرانية لتطوير ترسانة نووية قد أثارت الكثير من التكهنات بعدما قال وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس في جلسة بمجلس الأمن الدولي في الرابع من الشهر الجاري إن “الفترة الزمنية التي تفصل إيران عن امتلاك أدوات تمكنها من صنع سلاح نووي هي عشر أسابيع فقط”.
وأردف غانتس: “لم يعد الكلام مجدياً وقد حان وقت الأفعال. لقد بات النظام الإيراني مصدراً للتهديد وسبباً لإشعال سباق تسلح إقليمي”.
تحذير غانتس لم يكن هو الأول بشأن اقتراب إيران من امتلاك أسلحة نووية، إذ قال أنتوني بلينكن في أول مقابلة رسمية له بعد توليه وزارة الخارجية الأمريكية في فبراير 2021، إن إيران على بعد “أشهر” من صنع قنبلة نووية. وتوقع أن يكون لديها ما يكفي من المواد الانشطارية “في غضون أسابيع” إذا تخلت عن كل قيود الاتفاق النووي.
وتكمن المفارقة في أنّ الأهداف السياسية التي دفعت لتحذير بلينكن كانت على النقيض من أهداف الحكومة الإسرائيلية في بيانها الأخير؛ فتحذيرات إسرائيل الحالية تهدف إلى إنهاء المفاوضات النووية. وحتى إيران نفسها تميل إلى المبالغة عند الحديث عن حجم مخزونها من المواد الانشطارية من أجل الضغط على الولايات المتحدة.
وترى إدارة بايدن أن امتلاك إيران لأسلحة نووية هي إحدى القضايا الرئيسية التي قد تؤثر في الجغرافية السياسية للشرق الأوسط. ويعتقد بلوث أن تحسين العلاقات مع إيران كان هدفاً مهماً في برنامج بايدن الانتخابي، ولذلك ستكون العودة إلى مسار “الاتفاق النووي” أولوية قصوى.
ويرى بلوث أن السبيل الوحيد أمام إدارة بايدن للحيلولة دون امتلاك إيران قنبلة نووية هو العودة لاتفاق نووي معدل. من جهتها، حاولت الحكومة الإيرانية أن تضع شروطاً قبل العودة إلى المفاوضات كرفع العقوبات. في المقابل، فإن إدارة بايدن لم تُبقي على سياسة ترامب المتمثلة في “الضغط الأقصى” فحسب، بل شنّت غارات على الميليشيات الإيرانية في سوريا.
وكانت المفاوضات قد أُجريت في جنيف بين الأطراف الموقعين على الاتفاق النووي المعروف باسم خطة العمل الشاملة المشتركة. وبعد ست جولات من المفاوضات، نجحت هذه القوى في تحقيق تقدم كبير وخرج الاتفاق في أربعة نصوص مختلفة تكونت من 1520 صفحة.
إلا أن المفاوضات تعثرت بعد انتخاب إبراهيم رئيسي في يونيو 2021 وازداد ابتعاد إيران عن بنود الاتفاقية. وتوقفت المحادثات بسبب إصرار إيران على وجود ضمانات تحول دون انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاقية مجدداً.
خطرٌ متنامي؟
حتى الآن لا يوجد دليل على تخصيب إيران مواد تصل إلى ما نسبته 90% أي المستوى المطلوب لتصنيع الأسلحة النووية وهو ما يثير التساؤلات عن صحة تقدم إيران في التكنولوجيا النووية وما يرتبط بذلك من مخاوف. ويعتقد بعض المحللين أن إيران لا تسعى إلى إنجاز تصنيع أسلحة نووية في المستقبل القريب، بل هي تستعمل التخصيب كأداة للضغط من أجل تحقيق مكاسب سياسية واقتصادية.
لكن هذا الأمر قد يتغير. فوفقاً الوكالة الدولية للطاقة الذرية، تمتلك إيران 62.8 كيلوغرام من اليورانيوم المخصب بدرجة نقاء 20% و2.4 كيلوغرام بدرجة نقاء 63%. ومع ذلك، فإن هناك العديد من الخطوات الأخرى اللازمة لصنع قنبلة نووية بخلاف جمع المواد الانشطارية.
كما ألمحت إيران إلى أنها قد تبني مفاعلاً لتحويل اليورانيوم إلى معدن وهي عملية ضرورية من أجل صنع نواة للسلاح النووي. وعلى صعيد آخر، فإن تزويد الأسلحة بالوقود النووي يتخلله تحديات تقنية لا يُعتقد أن إيران قادرة على حلها. ويتطلب استعمال السلاح انشطار نووي، كما يجب تزويد الصواريخ بحمولة نووية، ويجب أن تصمد هذه الحمولة خلال عودتها عبر الغلاف الجوي لتصل إلى هدفها.
ويرى بلوث أن التحذيرات الأخيرة لم تأت بجديد. ففي عام 2015، وقبل تطبيق خطة العمل الشاملة المشتركة، استعان تقرير صادر عن مشروع ويسكونسن للحد من انتشار الأسلحة النووية ببيانات الوكالة الدولية للطاقة الذرية حتى يثبت أن إيران بإمكانها إنتاج ما يكفي من اليورانيوم عالي التخصيب اللازم للرؤوس النووية في حوالي ٥٠ يوماً. ومن الممكن أن يكون هدف إيران هو الحفاظ على حالة من “الكمون النووي” التي تعني امتلاك القدرة دون تطويرها لدرجة تركيب رؤوس نووية. وهو ما يرجحه ليون بانيتا الرئيس السابق لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية.
تغيير الموازين
يرى بلوث أن امتلاك إيران للسلاح النووي سيمكنها من حيث المبدأ من ردع أي هجوم، لكن ذلك قد يكون له عواقب وخيمة؛ فالانسحاب من معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية سيقلص التعاون النووي الذي تعتمد عليه إيران في محطة بوشهر الكهروذرية مع روسيا حيث أنها لن تخرق الاتفاقية الدولية.
وكانت إيران قد تطورت في صراع عسكري مع قوتين نوويتين على الأقل هما إسرائيل والولايات المتحدة في العراق وسوريا ولبنان وغزة وفي البحر أيضاً. لكنها تحدّ من التصعيد باعتمادها على الوكلاء وتجنب مواجهة خصومها. وفي الوقت الذي تتورط فيه الولايات المتحدة مع إسرائيل والسعودية في صراعات إقليمية، فإن امتلاك إيران لأسلحة نووية قد يؤدي إلى رفع القيود التي يضعها خصوم طهران على أنفسهم أثناء التعامل معها، وبالتحديد إسرائيل والولايات المتحدة.
كما قد يؤدي هذا الأمر إلى حصول حالة مستمرة من التصعيد في المنطقة، خاصةً إذا ما استشعرت القوى الإقليمية الفاعلة كمصر والسعودية عدم إمكانية التعويل على الولايات المتحدة كقوة رادعة، ما سيؤدي بعد ذلك إلى مضي هذه القوى قدماً في تطوير ترساناتها النووية أيضاً.
ويختتم بلوث مقاله بالحديث عن غموض الموقف النووي الإيراني. ويعتقد بلوث أن إبقاء البلاد على قدرتها النووية دون تطويرها يمنحها مزايا استراتيجية سياسياً واقتصادياً في المفاوضات بالتزامن مع كونه سلاحاً رادعاً عالي الفعالية. من جانبها، فإن الولايات المتحدة على استعداد لتقديم تنازلات لإيران لأنها ترى أن الوصول إلى الاتفاق هو الوسيلة الوحيدة الفعالة للحد من طموحات إيران النووية. وعليه، فإن خطة العمل الشاملة المشتركة مع تعديلها هو أقرب نتيجة ممكنة في المستقبل القريب.
ملاحظة
الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر عن آراء الكاتب (الكتّاب)، وليس المقصود منها التعبير عن آراء أو وجهات نظر فَنَك أو مجلس تحريرها.
ملاحظة
تم نشر هذه المقالة في الأصل على موقع https://theconversation.com/uk في 10 أغسطس 2021