في أوائل يوليو 2019، أصدر رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي سلسلة من المراسيم المتعلقة بالحشد الشعبي في البلاد. ما الذي حملته هذه المراسيم؟ ولماذا صدرت؟ وما تأثيرها المحتمل؟
إن التعريف الأكثر شيوعاً لمصطلح الحشد يُشير إلى العشرات من الفصائل المسجلة لدى هيئة الحشد الشعبي، التابعة لمكتب رئيس الوزراء. بعض الفصائل الأكثر أهمية في الهيئة، مثل قوات بدر وكتائب حزب الله، ترتبط ارتباطاً وثيقاً بإيران. إلا أن الحشد ليس كتلةً متجانسة أيديولوجياً بأي حالٍ من الأحوال، فعلى سبيل المثال، تأتي بعض الفصائل من التيار الصدري الأكثر استقلالية، بينما ينتمي البعض الآخر إلى المزارات في النجف وكربلاء.
وبالفعل، كان هناك بعض الالتباس حول المراسيم. وعلى عكس ما تصوره البعض، لا ترقى المراسيم إلى فكرة تفكيك الحشد، كما أنها لا تنص أيضاً على ادماج جماعات الحشد في الجيش النظامي وقوات الشرطة. بدلاً من ذلك، تؤكد مجدداً على الشروط التي تنص على اعتبار الحشد جزءاً من القوات المسلحة للبلاد، التي تديرها هيئة الحشد الشعبي.
وبالتالي، ينبغي النظر إلى المراسيم كجزءٍ من محاولة ممارسة سيطرة الدولة على الحشد: سياسةٌ قائمةٌ منذ عهد سلف المهدي، حيدر العبادي. كما تصبح نقطة الاستمرارية في السياسة واضحة أيضاً عندما يلاحظ المرء أن المراسيم تؤكد على ضرورة التخلي تماماً عن أسماء الفصائل المختلفة والاستعاضة عنها بأسماء عسكرية للكتائب والألوية والأفواج. ومن المفترض أن تقطع هذه الفصائل جميع علاقاتها السياسية.
وفي هذا السياق، تجدر الإشارة إلى أن الفصائل الكبيرة المسجلة لدى هيئة الحشد الشعبي لديها بالفعل ألوية مرقمّة. في الواقع، لدى بعض هذه الفصائل صفحاتٍ على وسائل التواصل الاجتماعي تستخدم رقم اللواء الخاص بهم كألقاب. وعلاوةً على ذلك، عندما يتم إصدار تقارير إعلامية حول العمليات الأمنية التي تنطوي على مشاركة هذه الفصائل، غالباً ما يتم تحديد الفصائل المشاركة برقم اللواء. ومن وجهة نظر رئيس الوزراء، فإن استخدام أرقام الألوية يهدف إلى أن تكون جزءاً من عملية عدم تسييس قوات الحشد. وعلى نفس المنوال، يتم تحديد مجموعات الحشد الأصغر حجماً، ولا سيما مجموعات الحشد العشائرية السنية، بأرقامٍ للأفواج.
بشكلٍ عام، من المألوف أن يتم تحديد مجموعات الحشد الأكبر حجماً برقم اللواء فحسب. أحد هذه الاستثناءات هو اللواء 90 في الحشد الشعبي، الذي يقع في محافظة نينوى الجنوبية ويقوده عزيز سنجار. كقاعدةٍ عامة، بالنسبة لمجموعة معينة، يصبح اسم الفصيل ورقم اللواء قابلاً للتبادل على وسائل التواصل الاجتماعي وعلى أرض الواقع. كان هذا هو الحال مع مجموعات الحشد مثل فرقة العباس القتالية (المرتبطة بمزار العباس في كربلاء واللواء 26) و سرايا السلام التابعة لمقتدى الصدر (اللواء 313 و314)، التي ينظر إليها على أنها أقرب إلى الدولة ومنصب رئيس الوزراء، على النقيض من مجموعات الحشد التي تتماشى أيديولوجياً مع إيران.
إلى جانب الهدف المتمثل في ممارسة سيطرة حكومية أكبر على الحشد، تعكس مراسيم رئيس الوزراء الرغبة في اتخاذ إجراءاتٍ صارمة ضد الفوضى المرتبطة بإسم وظاهرة الحشد. فعلى المستوى العام، تحظر المراسيم “وجود أي فصيل مسلح يعمل سراً أو علناً خارج نطاق هذه التعليمات.” فقد كثفت مديرية الأمن في هيئة الحشد الشعبي جهودها في الآونة الأخيرة للقضاء على مشكلة “الحشد المزيف”: أي الجماعات التي تعمل تحت اسم الحشد إلا أنها ليست تابعة للهيئة، و”القواعد الوهمية” التي قد تدعي كذباً الانتماء إلى الهيئة أو أحد الفصائل المسجلة في الهيئة. ففي بعض الحالات، تعمل العصابات الإجرامية تحت اسم الحشد. النقطة الأساسية هنا عدم وجودها على قوائم تسجيل الهيئة.
في مايو 2019، زعمت مديرية الأمن أنها أغلقت أكثر من 320 “قاعدة وهمية،” فقد كانت هناك بعض المخاوف من أن الحملة اتخذت بعداً سياسياً عندما داهمت قوات الأمن التابعة للحشد، في فبراير 2019، قاعدة قوات أبو الفضل العباس في بغداد واعتقلت زعيم المجموعة أوس الخفاجي، الذي غالباً ما كان يظهر على وسائل الإعلام العراقية كممثلٍ مزعوم للحشد وتربطه علاقاتٌ مع شخصيات رئيسية في هيئة الحشد الشعبي. لم تكن قوات أبو الفضل العباس مسجلة لدى الهيئة برقم لواء، إلا أن الكثير ربطوا الحملة على الجماعة بانتقادات الخفاجي لدور إيران في العراق، حيث إن الحملة القمعية وقعت بعد أيام فقط من إدلائه بتصريحاته. واجه الخفاجي عدداً من الاتهامات أثناء احتجازه، مثل حيازة أسلحة بشكلٍ غير مصرح به، لكن تمت تبرئته منها جميعاً وأُطلق سراحه. وعليه، عقد عدداً من الاجتماعات مؤخراً، لكن يبدو أن فصيله قد علق نشاطه داخل العراق. وبدلاً من ذلك، تحافظ الجماعة على وجود رمزي في سوريا في شخصية سلام السفير، وهو أيضاً المتحدث باسم الجماعة، لواء ذي الفقار، التي تتخذ من سوريا مقراً لها.
بالإضافة إلى مسألة الفصائل غير المرخص لها، تنص المراسيم على فرض حظرٍ على جماعات الحشد التي لها “أي مصالح اقتصادية أو نقاط تفتيش أو وجود أو مصالح” خارج الإطار الجديد لتؤكد من جديد أن الحشد جزءٌ من القوات المسلحة. في الواقع، لطالما كان هناك شكاوى بشأن الأنشطة الاقتصادية غير المشروعة من جانب جماعات الحشد أو تلك العاملة تحت اسم الحشد، إذ اشتملت هذه الشكاوى على ادعاءاتٍ بالابتزاز عند نقاط التفتيش والنهب. وأبرز مثال على عمليات النهب ما حصل في مصفاة بيجي النفطية في محافظة صلاح الدين الشمالية، حيث تم نهب العديد من القطع الأساسية ذات القيمة ثم بيعها للربح من قبل أعضاء في كتائب حزب الله التابعة للحشد الشعبي (الألوية 45 و46 و47) وعصائب أهل الحق (ألوية 41 و42 و43).
باختصار، يمكن ملاحظة أن رئيس الوزراء يحاول إعادة تأكيد سيطرة الدولة على الحشد بطرقٍ عدة. توضح الملاحظات الختامية للمراسيم أن هناك مهلة حتى 31 يوليو لوضع الترتيبات اللازمة لاستكمال العمل وفقاً للمراسيم. من المفترض أيضاً أن يصدر رئيس الوزراء إطاراً تنظيمياً جديداً للحشد الشعبي وتشكيلاته.
ومع ذلك، فإن تنفيذ هذه المراسيم سيكون صعباً من عدة نواحي، فعلى وجه الخصوص، من الصعب للغاية فصل معظم فصائل الحشد الرئيسية عن أصولها السياسية وعلاقاتها. يعكس هذا حقيقة أن العراق لا يزال دولةً ضعيفة. وكما يُشير المحلل في شؤون الشرق الأوسط كيرك سويل، يمكن ملاحظة ضعف الدولة في مشاكل مثل عدم قدرتها على السيطرة على النزاعات القبلية في الجنوب.
باختصار، سيظل المشهد السياسي في العراق متأثراً بفصائل الحشد في المستقبل المنظور.