وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

العبادي: الرجل المنشود لإعادة إعمار وتوحيد العراق؟

Iraq- Haider al-Abadi
حيدر العبادي. Photo AFP

حيدر جواد كاظم العبادي هو سياسي عراقي، كحال العديد من السياسيين المعارضين العراقيين الآخرين، عاش في المنفى حتى أبريل 2003 عندما تمت الإطاحة بالرئيس السابق صدام حسين بعد أن غزت الولايات المتحدة البلاد. وبعد خمسة عشر عاماً، يشغل العبادي، الذي يتولى منصب رئيس الوزراء حالياً، منصباً في المنطقة الخضراء شديدة التحصين، داخل القصر الجمهوري، وهو مبنى مهيب كان بمثابة المقر الرئيسي لصدام وغرس الخوف في قلوب العراقيين.

وبعد سقوط صدام، تدفقت الشخصيات العراقية المعارضة مرةً أخرى إلى بغداد لتولي مناصب في الحكومة. فمنذ عام 1967، كان العبادي عضواً في حزب الدعوة الإسلامية، أحد الحزبين الرئيسيين في الائتلاف العراقي الموحد الشيعي (الآخر هو المجلس الأعلى الإسلامي العراقي)، الذي فاز بمقاعد الأغلبية في انتخابات يناير 2005 وانتخابات ديسمبر 2005 طويلة الأمد- وهي أول انتخاباتٍ تجري في العراق بعد حقبة صدام. بيد أن العبادي لم يكن قط السياسي الذي برز من بين الحشود أو حتى بدا أنه مقدرٌ له تولي القيادة.

فالحزب الذي قام في سبعينيات القرن الماضي بشن تمردٍ مسلح ضد نظام البعث في عهد صدام كان له علاقاتٍ قوية مع المرشد الإيراني الأعلى، علي خامنئي، وحرس الثورة الإسلامية، ذلك أنه كان يدعم إيران خلال الحرب الإيرانية العراقية (1980- 1988). ولا يزال الحزب يتلقى مساعداتٍ مالية من طهران، وتتهمه الأحزاب السنية بخضوعه للتأثير الإيراني الضخم على السياسة العراقية وتواطئه معها. وعلاوة على ذلك، شغل نوري المالكي منصب رئيس الوزراء بين مايو 2006 وسبتمبر 2014.

وعلى صعيدٍ متصل عانت السياسات العراقية، في ظل حكم المالكي، من الفساد والمحاباة والطائفية، الأمر الذي دفع الولايات المتحدة إلى ممارسة الضغط على حليفتها لاستبدال المالكي. وفي أغسطس 2014، اتخذ المشرعون العراقيون خطوةً مهمة نحو استبدال المالكي بترشيح العبادي، الأمر الذي رحبت به إدارة أوباما على الفور.

وعليه، قطع الرئيس أوباما عطلته في مصيف مارثا فاينيارد ليعلن في بيانٍ متلفز أنه ونائبه، جو بايدن، قد هنئا العبادي عبر الهاتف، ووصفوا ترشيحه بـ”الخطوة المهمة نحو تشكيل حكومةٍ جديدة يمكن أن توحد طوائف العراق المختلفة.”

وبعد ثماني سنواتٍ من حكم المالكي والهزيمة الكارثية التي لحقت بالجيش العراقي، المسلح بقوة من قبل الولايات المتحدة، على يد تنظيم الدولة الإسلامية “داعش،” كان ينظر إلى العبادي باعتباره زعيماً على أتم الاستعداد للعمل من أجل إعادة دمج الأقلية السُنيّة من خلال رأب الصدع بينهم وبين الأغلبية الشيعية، واستعادة الأراضي من “داعش” وتحقيق الازدهار للبلد المحاصر.

أما من الناحية السياسية، فيبدو أن العبادي يشبه سلفه. ومثل المالكي، تكمن قاعدة سلطته في شيعة العراق. ولكن هنا تنتهي أوجه التشابه، فالعبادي معتدلٌ وأظهر استعداداً أكبر للتسوية من المالكي. فهو شخصٌ جذاب ومتحدثٌ فصيح وصريح، وهي صفاتٌ افتقر إليها المالكي والتي أدت في نهاية المطاف إلى سقوطه.

منفى اختياري

ولد العبادي عام 1952 في بغداد، ودرس الهندسة الكهربائية في جامعة بغداد، ليتخرج منها في عام 1975. انتقل بعد ذلك إلى بريطانيا – حيث كانت عائلته على خلافٍ مع البعثيين بعد أن استولى صدام على السلطة- وفي عام 1981 حاز شهادة الدكتوراه في الهندسة الكهربائية أيضاً من جامعة مانشستر.

وفي الثمانينات، ترأس العبادي حزب الدعوة في بريطانيا، حيث أصبح جزءاً من قيادتها التنفيذية. خلال تلك الفترة، تم اعتقال شقيقيه لكونهما أعضاء في الحزب واللذان توفيا أخيراً في السجن.

وعلى الرغم من أن منفى العبادي كان اختيارياً، إلا أنه من شبه المؤكد أبقاه خارج السجون العراقية حيث كان من المحتمل أن يواجه ذات المصير الذي لقيه أشقاؤه. ولا تتوفر الكثير من المعلومات حول حياته الشخصية، إلا أن الموقع الإلكتروني للسفارة العراقية في الولايات المتحدة الأمريكية يذكر أنه متزوج ولديه 3 أطفال.

العودة إلى العراق

إبان عودته إلى دياره في عام 2003، تولى العبادي منصب وزير الإتصالات في مجلس الحكم العراقي. أنذاك، عارض بشكلٍ مستمر خطط الخصخصة للشركات العراقية المملوكة للدولة من قبل سلطة الإئتلاف المؤقتة- وهي حكومة انتقالية برئاسة دبلوماسي أميركي بارز تم تأسيسها في أعقاب الغزو الأمريكي في مارس 2003 – والتي منحت على مدى 14 شهراً السلطة التنفيذية والتشريعية والقضائية على مجلس الحكم العراقي.

فقد كان قرار سلطة الائتلاف المؤقتة بحل القوات العراقية المسلحة القرار الأكثر مأساوية. خلف هذا القرار آلاف الجنود الغاضبين والعاطلين عن العمل، ودفع العديد منهم إلى الإنضمام إلى صفوف الجماعات المسلحة، مما غذى الصراع العراقي لسنواتٍ قادمة.

وبين شهري يناير وديسمبر 2005، شغل العبادي منصب المستشار السياسي لرئيس الوزراء في أول حكومةٍ منتخبة. تم انتخابه في البرلمان في عامي 2005 و2010 وترأس اللجنة البرلمانية للاقتصاد والاستثمار وإعادة الإعمار. وفي عام 2013، ترأس اللجنة المالية وكان في قلب النزاع البرلماني حول تخصيص ميزانية 2013 – وهو موضوعٌ مثيرٌ للجدل انتهى به المطاف إلى تفجير استفتاء كردستان العراق والعواقب التي تبعته.

رئيساً للوزراء

لطالما كان العبادي مرشحاً لتولي منصب رئيس الوزراء، حيث تنافس على هذا المنصب المرموق في عاميّ 2006 و2010. فقد اتفق السياسيون والمحللون عموماً على أن العبادي كان شخصيةً أقل إثارة للجدل من المالكي، الذي كان استبداله شرطاً أساسياً للتغيير الذي تشتد الحاجة إليه في البلاد. ومع ذلك، فمن المحتمل أن اسمه لم يكن ليُطرح دون موافقة إيران، التي لا تزال أكثر اللاعبين الإقليميين نفوذاً في السياسة العراقية.

وفي 24 يوليو 2014، أصبح فؤاد معصوم رئيس العراق الجديد، الذي رشح بدوره العبادي لرئاسة الوزراء في 11 أغسطس. وحتى يصبح التعيين ساري المفعول، طُلب من العبادي تشكيل حكومة يُصادق عليها البرلمان في غضون 30 يوماً. وعليه، نجح في ذلك في 8 سبتمبر، حيث حصل وبرنامجه السياسي على موافقة البرلمان.

وفي بلدٍ ينهشه الصراع الطائفي وزحف تهديد ”داعش“، سارع العبادي إلى زيادة المشاركة السُنيّة في الحكومة، حيث عمد إلى تعيين خالد العبيدي، وهو سياسي سُنيّ بارز من الموصل، وزيراً للدفاع. وفي ديسمبر 2014، أبرم العبادي اتفاقاً جديداً لتقاسم العائدات مع الأكراد، وافقت بموجبه بغداد على دفع نصف إجمالي الدخل من حقول النفط التي يسيطر عليها الأكراد لحكومة إقليم كردستان العراق. كما استهدف أيضاً الفساد المتفشي الذي شوه سنوات حكم المالكي وأدى إلى سقوط الموصل بأيدي تنظيم الدولة الإسلامية “داعش.” وكجزءٍ من حملة مكافحة الفساد، أعلن العبادي أن 50 ألفاً من “الجنود الأشباح”- وهم رجالٌ من مرتبات الجيش غير الموجودين على أرض الواقع- تم تحديدهم ولن يتم الدفع لهم.

وفي ظل حكومة العبادي، قررت المملكة العربية السعودية إعادة فتح سفارتها في بغداد، التي أغلقتها منذ بداية حرب الخليج عام 1990. كما عمل على إصلاح العلاقات مع اللاعبين الإقليميين الآخرين مثل تركيا ومصر والأردن، الأمر الذي استقبل على نحوٍ إيجابي من قبل المجتمع السني. كما أشارت زيارته إلى المملكة العربية السعودية لمرحلةٍ جديدة في العلاقات بين البلدين وتسويةٍ مؤقتة بدى من خلالها أن السعودية تتقبل تحالف العراق مع إيران بينما يستعد العراق للانفتاح على جاره العربي. كما حاول العبادي وضع بلاده كلاعبٍ محايد في النزاعات الإقليمية. وعلى الرغم من كون هذا أمرغير واقعي، وذلك بالنظر إلى التأثير الإيراني على بغداد، إلا أنه أمرٌ يستحق التقدير.

ومع ذلك، تمثلت أكبر التحديات التي واجهها في هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية “داعش،” وحل الأزمة المالية المتجذرة والحفاظ على سلامة البلاد الجغرافية في مواجهة الضغط الكردي من أجل الاستقلال.

وفي يوليو 2017، استقبلت حشودٌ من المواطنين الذين خرجوا احتفالاً بتحرير المدينة من ”داعش“، العبادي في الموصل. ولم يسبق أن تم الترحيب والاحتفال بأي سياسي عراقي آخر في العراق بعد عام 2003 في الموصل بنفس الطريقة. باختصارٍ شديد، لا يبدو العبادي نسخة من أبطال الحرب في الكتب المدرسية، فقد استغرق التخلص من ”داعش“ ثلاث سنوات، في معركة منهكة وصفها القادة العسكريون الأمريكيون بالقتال المدني الأكثر دموية منذ الحرب العالمية الثانية.

وفي أكتوبر 2017، أمر العبادي القوات المسلحة الاتحادية بإعادة الانتشار في القواعد العسكرية والمنشآت النفطية في كركوك، التي تم إخلاؤها في يونيو 2014، والتي سيطرت عليها حكومة إقليم كردستان في الوقت الذي اقترب فيه تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” منها. مثل هذا رداً جريئاً على استفتاء حكومة إقليم كوردستان للاستقلال في الشهر السابق. وعلى الرغم من الاشتباكات النادرة، تمكنت الحكومة الفدرالية من استعادة السيطرة على كركوك، مما عزز سمعة العبادي كزعيمٍ حازم وناجح.

ومع الانتخابات البرلمانية القادمة المقرر إجراؤها في 12 مايو 2018، يدير العبادي عدة إنجازاتٍ بين يديه. ومع ذلك، وبالرغم من انحسار الحرب وتحسن الوضع الأمني، فإن التحديات لا تزال هائلة، والقيادة في أوقات الحرب تختلف كثيراً عن القيادة في أوقات السلم. وفي حال إعادة انتخابه، سيتعين على العبادي دفع مرتبات الموظفين والمعاشات التقاعدية في الوقت المحدد، والحد من الفساد وإعادة إعمار مدنٍ بأكملها تم هدمها خلال الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية “داعش.”

كما سيتوجب عليه وضع حدٍ لطموحات الجماعات المسلحة، لا سيما قوات الحشد الشعبي واسعة الإنتشار، فضلاً عن كبح جماح مجموعةٍ من السياسيين الذين يحاولون السيطرة على أجزاء من الدولة كإقطاعياتٍ شخصية أو حزبية.

مجمل القول أنه بعد أربع سنواتٍ من توليه منصبه، برز العبادي كسياسي متمرس بسبب الأزمات المختلفة التي كان عليه التعامل معها. فهو يدعي أنه تعلّم بعض الدروس الصعبة، ويعتقد أن المفتاح لتجنب تهديدٍ وجودي آخر يتمثل في غرس شعورٍ بـ”السيادة القومية” والشمولية لدى العراقيين، وسد الفجوة بينهم وبين حكومتهم وتشكيل علاقةٍ مماثلة لتلك التي تربطهم بالزعماء القبليين والدينيين. وكما قال لمجلة تايم، “يجب أن يشعر الناس أنهم جزءٌ من من هذا البلد، وبأنهم مواطنون في هذا البلد.” وأضاف “في نهاية اليوم، يجب أن ننجح في تحقيقٍ شيءٍ ما للشعب.”