وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

ليبيا: بحثٌ متواصل عن رئيس جديد للبعثة الأممية

ليبيا رئيس للبعثة الأممية
صورة تم التقاطها يوم ١٦ فبراير ٢٠٢٠ لستيفاني ويليامز، نائب مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة الخاص إلى ليبيا للشؤون السياسية، وذلك على هامش بيان صحفي ألقته عقب انتهاء اجتماع المتابعة الذي عقد حول ليبيا، وذلك على هامش مؤتمر برلين الأمني السادس والخمسين. المصدر: THOMAS KIENZLE / AFP.

خالد محمود

بينما تستعد الأمم المتحدة لتسمية رئيس تاسع لبعثتها في ليبيا في ظل صراع على السلطة بين حكومتين في العاصمة طرابلس، يبدو أن إفريقيا أخيرا ستفرض مرشحها لشغل هذا المنصب. ومع ذلك، فإن الشخص الذي سيتولى رئاسة البعثة سيواجه تحديات بالجملة أخطرها احتمال اندلاع قتال جديد بين الميليشيات المسلحة التي يتوزع ولاءها على طرفي النزاع.

ومنذ سقوط نظام العقيد الراحل معمر القذافي عام 2011، تعاقب على المنصب ثمانية حملوا الجنسيات الأردنية واللبنانية (مرتين) والإسبانية والإنجليزية والألمانية والأمريكية والسلوفاكية. لكن هذا الاحتكار الذي لطالما همّش القارة السمراء أوشك على الانتهاء. ومن المتوقع أن يتم إفساح المجال لكي يعتلي إفريقى رئاسة البعثة الأممية.

ومنذ استقالة السلوفاكي يان كوبيتش في نوفمبر 2021، لم يتم تعيين بديل له، ما يعكس وفقا لمراقبين مدى صعوبة اختيار مبعوث أممي جديد يلقى إجماع أعضاء مجلس الأمن الدولي الـ15. وتجدر الإشارة إلى انقسام مجلس الأمن فيما يتعلق بليبيا إلى كتلتين رئيسيتين: كتلة الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين، والكتلة الإفريقية المدعومة بروسيا والصين.

ومدّد مجلس الأمن الدولي مؤخراً عمل بعثة الأمم المتحدة في ليبيا لثلاثة أشهر فقط، حتى 31 أكتوبر 2022 كحل وسط مقبول بالنسبة لروسيا. وجاء ذلك على الرغم قلق بعض الأعضاء بشأن قصر مدّة التمديد.

ومنذ خريف 2021، لم يكن تجديد مهمة البعثة ممكنًا إلا لفترات قصيرة بسبب عدم قدرة مجلس الأمن على الاتفاق على مبعوث جديد.

وطبقا لمصادر صحفية، فقد قدم الأمين العام للأمم المتحدة اسم الوزير السنغالي السابق عبد الله باتيلي كمرشح لشغل منصب ممثله الخاص في ليبيا ورئيسا للبعثة الأممية هناك، مانحا أعضاء المجلس الـ15 مهلة حتى يوم الاثنين “15 أغسطس 2022” لإعطاء الموافقة. وللعلم، فإن هذه الموافقة لم تصل حتى الآن وسط اختلاف موافق اللاعبين الدوليين الضالعين على مستوى النزاع الدائر في ليبيا.

وباتيلي مؤرخ من الناشطين في مكافحة العنصرية. وعمل منذ عام 2014 في الأمم المتحدة رئيسا لبعثتها في إفريقيا الوسطى. كما ترأس لجنة المراجعة الاستراتيجية لعمل البعثة الأممية في ليبيا وكان تقييما سيئا جدا، أثار فيه انتقادات حادة لعملها تحت قيادة بان كوبيتش.

وبحسب الصحفي طلال الحاج، من المتوقع أن يرد سفراء الـ 15 دولة في المجلس بالموافقة أو الرفض بعد التشاور مع عواصمهم. وإذا لم تقبل أي دولة بالاسم، فسيكون ذلك بمثابة فيتو كما فعلت الإمارات مع اسم المقترح الأول للجزائري صبري بوقدوم.

حظوظ الدور الأفريقي

ترشيح شخصية بارزة لا يعني بالضرورة انتهاء الهيمنة الأمريكية التي دامت لنحو عامين على عمل البعثة الأممية. ومع ذلك، فإن واشنطن أدركت بمرور الوقت أن الوقت حان لتجربة الخيار الإفريقي. وظهر هذا التصوّر الأمريكي عبر ما أدلى به ريتشارد نورلاند، سفير أمريكا في ليبيا، من تصريحات عقب اجتماعه مع مسؤولي الاتحاد الإفريقي مؤخرا.

ويعتقد البعض أن الأزمة الليبية، التي كانت تدفع بالاتحاد الإفريقي للقيام بدور أكثر حيادية، كشفت جملة من التحديات التي تواجه محاولاته القيام بدور ضمن إطار أمني دولي يتسم بقدر كبير من التنافسية. من هذا المنطلق، يستبعد هؤلاء إمكانية تأثير الاتحاد على أطراف الأزمة في ليبيا، وهو يلتزم بالحياد المطلق. ووفقاً للتجارب السابقة، فإن الجهات الفاعلة التي قد تدفع الأطراف الليبية إلى طاولة المفاوضات هي نفسها التي تدعم أحد الأطراف دون الآخرين، بما في ذلك الأمم المتحدة نفسها.

ويمثل تعدّد الفاعلين الدوليين تحديا مهما في ضوء التساؤلات حول طبيعة الدور الذي تريده القوى الغربية للاتحاد الإفريقي. ويدور أبرز التساؤلات حول إذا ما كانت هذه القوى تريد من الاتحاد الإفريقي العمل على تسوية شاملة للأزمة الليبية أو معالجة أزمة المهاجرين الأفارقة في ليبيا. ويتراوح عدد هؤلاء، بحسب تقديرات الاتحاد، ما بين 400 و700 ألف مهاجر، علماً بأن بعضهم يعاني من ممارسات صعبة في ليبيا ومنها التعرّض للبيع والاسترقاق. كما أن هؤلاء المهاجرين يمثلون إرهابيين محتملين بالنسبة للدول الأوروبية.

ليبيا رئيس للبعثة الأممية
صورة تم التقاطها يوم ٣١ يناير ٢٠١٢ للموسيقي السنغالي البارز يوسو ندور (يمين) إلى جانب عبد الله باتيلي، زعيم المعارضة حينها ومرشح الاتحاد الإفريقي لرئاسة بعثة الأمم المتحدة في ليبيا. المصدر: SEYLLOU DIALLO / AFP.

وربما دفع ذلك بعض النخبة السياسية في ليبيا إلى الحديث عمّا وصفوه بانحسار دور الاتحاد الإفريقي على الرغم من حضور الأزمة الليبية الدائم على جدول أعمال أغلب قمم الاتحاد التي عقدت مؤخرا.

وتنصح دراسة الاتحاد الافريقي بتجاوز الخلافات حول هذه الأزمة والخروج بوثيقة حوار إطارية تتضمن بنودا محددة لرعاية انتقال ديمقراطي وبناء الدولة وإشراك الجميع. كما دعت الدراسة الاتحاد للتواصل مع كافة الأطراف الليبية دون استبعاد طرف، والعمل في إطار تنسيق إقليمي أوسع يشتمل على كل الداعمين لهذه الأطراف بالاضافة لدول الجوار الليبي المباشر.

وكانت ستيفاني ويليامز غادرت منصبها نهاية شهر يوليو 2022، بعد ثمانية أشهر من تعيينها كمستشارة خاصة للأمين العام للأمم المتحدة للملف الليبي. ومع ذلك، لا زالت ويليامز تروّج لامكانية إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية المؤجلة منذ نهاية 2021 إلى نهاية 2022، شريطة أن يوفر مجلسا النواب والدولة الإطار القانوني اللازم، في إشارة إلى القاعدة الدستورية المختلف عليها والتي أدت إلى التأجيل.

الانتخابات الرئاسية التي كان من المزمع عقدها نهاية عام 2021 تعطّلت نتيجة فرض قوانين جديدة منعت بعض المرشحين البارزين كالمشير خليفة حفتر من الترشّح. ومن الشروط القانونية التي تم فرضها حينذاك ألا يحمل المرشح سوى الجنسية الليبية وألا يشغل منصباً رسمياً في الجيش.

ولاحظت ويليامز في إجابات مكتوبة أن معظم القادة الليبيين “يحبون مغازلة الجهات الخارجية، والسفر حول العالم، وتلقي معاملة السجادة الحمراء”، في اتهام واضح لمتصدري المشهد السياسي الراهن بأنهم ليسوا على استعداد للتخلي بعد عن الامتيازات التي حصلوا عليها خلال تواجدهم في السلطة ومغادرة مناصبهم.

ويتفق مع هذا الرأي وزير الدولة الليبي للشؤون الاقتصادية سلامة الغويل الذي قال مؤخرا في تصريحات تلفزيونية إن الشخص المناسب لإنقاذ شعب ليبيا لم يظهر بعد.

فى بيانها الختامي، أكدت وليامز أنه “لا يمكن التغلب على الجمود السياسي الحالي وأزمة السلطة التنفيذية المتكررة إلا من خلال إقرار إطار دستوري توافقي يحدد محطات واضحة، ويؤسس للعقد بين الحاكم والمحكوم، ويضع ضوابط لإنهاء الفترة الانتقالية من خلال الانتخابات الوطنية. وبحسب ويليامز، فإنه تقع على عاتق القادة الليبيين مسؤولية جلية تجاه مواطنيهم والأجيال القادمة لتقديم التنازلات التاريخية اللازمة لإتاحة الفرصة لتحقيق الإنجاز المنشود”.

بيد أن وليامز لم تكتفي برمي المنديل. فبعد أربعة أعوام ونصف من العمل في مناصب مختلفة في البعثتين الأمريكية والأممية، اقتنعت الدبلوماسية الأمريكية أنها وصلت إلى نهاية نفق مسدود بسبب تعنّت الطبقة السياسية ورغبتها في استمرار الحكومات المؤقتة، والتي وصفتها في حوار تلفزيوني بأنها تمارس لعبة الكراسي الموسيقية.

ومثل رحيل وليامز فراغا في ليبيا، يصعب على الزيمبابوي ريزدون زينينغا، الذي يشغل حاليا منصب القائم بأعمال رئيس بعثة الأمم المتحدة ومنسقها، أن يملؤه في ظل هذه المرحلة الحساسة والحرجة، التي شهدت اشتباكات بين الحين والآخر، وتلويح باستخدام القوة لدخول طرابلس.

وفقا لهذا التحليل، لم يلعب زينينغا منذ تعيينه في 10 ديسمبر 2021 أي دور بارز في حل الأزمة الليبية، رغم عقده لبعض اللقاءات البروتوكولية الخجولة مع مسؤولين محليين.

صعوبات بالجملة

مهمة المبعوث الأممي الجديد إلى ليبيا لن تكون سهلة على الإطلاق. وينتظر المبعوث وضعا على وشك الانفجار بسبب لعبة القط والفأر بين عبد الحميد الدبيبة رئيس حكومة الوحدة المؤقتة وغريمه فتحي باشاغا المدعوم من قبل مجلس النوّاب. وفي الوقت الذي يرفض فيه الدبيبة التخلي عن سلطاته في العاصمة طرابلس إلا لحكومة منتخبة، فإن باشاغا لازال عاجزا عن دخول العاصمة بعد مرور 6 شهور كاملة على تكليفه بمنصب رئيس الوزراء من قبل مجلس النواب.

ومن مقره المؤقت الموجود في مدينة سرت، دأب باشاغا على الادعاء بقرب دخوله طرابلس سلميا. يأتي ذلك في الوقت الذي حاولت فيه ميليشيات مسلحة موالية له مرتين على الأقل دخول العاصمة قبل أن تتصدى لها الميليشيات المحسوبة على حكومة الدبيبة.

وعبّر مسؤول رفيع المستوى فى مجلس النواب لموقع “فنك” عن شعوره بأن باشاغا لن يفلح مطلقا في مهمته شبه المستحيلة، لافتا إلى أن الأخير أضاع الفرصة لفعل ذلك فور تكليفه بالمنصب.

المسؤول، الذي طلب عدم تعريفه، اعترف في المقابل بأن مجلس النواب قد بدأ جديا البحث عن حلول أخرى. كما لفت إلى أن زيارة رئيس المجلس عقيلة صالح مؤخرا إلى تركيا لا تأتي فقط في إطار الانفتاح المطرد على العلاقات المتوترة بين أنقرة والشرق الليبي، لكن أيضا فى إطار محاولة صالح حث أنقرة على دعم خياراته في حل معضلة الصراع على السلطة.

ونجحت تركيا في استعادة علاقتها مع مصر ببطء، علماً بأن هذه الأخيرة تبسط نفوذها على شرق ليبيا. وبما أن الدبيبة وباشاغا محسوبين على تركيا بدرجة أو بأخرى، فإن ذلك يضع أنقرة في موقع اللاعب النافذ ضمن عملية تسوية النزاع في ليبيا.

صراع الحكومتين يزيد الوضع صعوبة

تعيش العاصمة طرابلس, منذ أسابيع هواجس ومخاوف من إمكانية اندلاع معارك حرب شوارع عنيفة بين قوات الدبيبة وباشاغا في ظل الانسداد السياسي وانعدام أي أفق متاح لحل سلمي.

باشاغا الذي ينتمي كما الدبيبة إلى مدينة مصراتة بغرب البلاد لن يقبل أن يبقى هكذا مجرد رئيس وزراء على الورق أو رئيسا لحكومة غير موجودة على أرض الواقع. في المقابل، لن يقبل الدبيبة انتزاع السلطة منه، معتمدا على ولاء الميليشيات المسلحة التي منحها مؤخرا ميزانية شبه مفتوحة لضمان بقائه في منصبه.

وأعاد الصراع بين حكومتي الدبيبة وباشاغا على السلطة في ليبيا، تشكيل خريطة جديدة لتوزيع ولاءات مختلف التشكيلات الأمنية والعسكرية خاصة في المنطقة الغربية.

ولا يقتصر الانقسام بينهما على الجانب السياسي فقط، بل يمتد ليشمل جوانب أخرى بما فيها. ويتركز الصراع على مناطق النفوذ والسيطرة في المنطقة الغربية، بينما تخضع المنطقتين الشرقية والجنوبية لسيطرة المشير خليفة حفتر القائد العام للجيش الوطني والذي يوصف عادة بالرجل القوي في شرق البلاد. وكان حفتر قد دشّن تحالفا مفاجئا في فبراير 2022 مع باشاغا، وأجرى مبعوثوه في المقابل صفقة غير معلنة مع الدبيبة سمحت بإعادة استئناف إنتاج وتصدير النفط من الحقول المغلقة.

لهذا كله, يبدو صحيحا إلى حدٍّ كبير أن عمل المبعوثين الأمميين في ليبيا أشبه بمهمة السير في حقول الألغام, أو قصة حزينة قصيرة.