وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

الانتخابات الليبية: خليطٌ من المرشحين السياسيين والعسكريين وسط مخاوف داخلية وخارجية

الانتخابات الليبية
صورة تم التقاطها يوم ٨ نوفمبر ٢٠٢١ لليبي أثناء تسجيله للتصويت في أحد مراكز الاقتراع في العاصمة الليبية طرابلس. وفتحت ليبيا اليوم الباب أمام المرشحين للتسجيل في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، وذلك في إطار المساعي التي تبذلها هذه الدولة لتجاوز عقدٍ من الحرب. المصدر: Mahmud TURKIA/ AFP.

خالد محمود

للمرة الأولى في تاريخها الحديث والمعاصر، تتجه ليبيا لاختيار أول رئيس لها عبر انتخابات رئاسية مقررة قبل نهاية ديسمبر 2021، على الرغم من تعدد الشكوك حول إمكانية اجراء هذه الانتخابات التي سيليها انتخاب مجلس نواب جديد أيضا، في ظل التهديدات المستمرة لمعسكر تركيا وجماعة الاخوان المسلمين.

وللمرة الأولى أيضا في تاريخهم، سيكون بمقدور الليبيين التوجه الى صنادق الاقتراع لانتخاب رئيسهم المقبل من بين عدد من المرشحين المحتملين.

وبعد مرور نحو عشر سنوات على الإطاحة بنظام العقيد الراحل معمر القذافي، نجح المجتمع الدولى إلى حد ما في وقف الحرب الأهلية التي سادت المشهدين العسكري والسياسي في ليبيا، برعاية أممية وأمريكية وغربية.

الدول التي ساهمت عام 2011 في إسقاط نظام القذافي تعود الآن لتتبنى وجهة النظر الداعية إلى إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية على أمل أن يؤدي ذلك إلى إنهاء عقد كامل من الفوضى التي طالت مختلف مؤسسات الدولة الليبية بلا هوادة أو استثناء.

قانون الانتخابات

مع أن مجلس النواب الذي يتخذ من مدينة طبرق بأقصى الشرق الليبي مقراً له قد أصدر قانون الانتخابات الرئاسية واعتمده، لكن المجلس الرئاسي برئاسة محمد المنفي لوح في المقابل باحتمال إعلان تأجيلها الى مارس 2022 بسبب عدم التوافق على قوانينها بين مجلسى النواب والدولة.

لكن مبادرة المنفي تم وأدها مبكرا بعد جدل، علما بأنه كان يعتزم اقتراحها في مؤتمر استقرار ليبيا الذي انعقد في طرابلس قبل أسابيع.

يتصدر خالد المشري، رئيس المجلس الأعلى للدولة في العاصمة طرابلس، قائمة المعارضين للانتخابات الرئاسية حيث قدم طعنا للمحكمة العليا بعدم دستورية قانونها، الذي أقره مجلس النواب.

وقدمت عدة شخصيات أخرى وأحزاب كارتونية في طرابلس طعونا مماثلة، بينما يستعد  المجلس الأعلى للقضاء، الذي دشن لجانا مختصة مؤخرا، للنظر في هذه الطعون.

الطريق إلى الانتخابات

وفقا للبرنامج الذي أعدته المفوضية العليا للانتخابات، فإن باب الترشح للانتخابات الرئاسية، الذي تم فتحه في السابع من نوفمبر 2021 سيستمر حتى 22 منه، وللبرلمانية حتى السابع من الشهر المقبل.

ستجري الجولة الأولى للانتخابات الرئاسية في 24 ديسمبر2021، بينما ستتزامن الجولة الثانية المتوقع إجرائها بعد نحو 52 يوما، مع الانتخابات البرلمانية في فبراير 2022.

وخصصت المفوضية 3 من فروعها فقط في العاصمة طرابلس ومدينتي بنغازي (شرقا) وسبها (جنوبا) لقبول طلبات الترشح للانتخابات الرئاسية، بينما تتم طلبات الترشح للانتخابات النيابية عبر 25 مركزا في مختلف أنحاء البلاد.

ولدى المفوضية فريق من 26 منسقاً لتأمين الانتخابات بالتعاون مع وزارة الداخلية التي ستتولى تأمين وصول 2.2 مليون ناخب إلى مراكز الاقتراع.

شروط الترشح

فى رحلة البحث عن رئيس مقبل لليبيا، التي لم تعرف رئيسا لها بعد مقتل القذافي وسقوط نظامه الذي حكم البلاد على مدى نحو 42 عاما، حددت مفوضية الانتخابات عدة شروط ينبغي توافرها في المرشح لخوض الانتخابات الرئاسية، أبرزها ألا يقل عمره عن 35 عاماً وأن يكون مسلماً ومن أبوين مسلمين وحاصلاً على مؤهل جامعي على الأقل، أو ما يعادله وألا يثبت حمله لجنسية أجنبية أو صدور حكم ضده في جناية أو جريمة مخلة بالشرف أو الأمانة.

واذا كان سهلا البحث عن شخص بتلك المواصفات، فإنه من الصعوبة بمكان الظن بأن أي شخص لا يمتلك خبرة سياسية أو عسكرية بمقدروه أن يقود البلاد في مرحلة مابعد الانتخابات، خاصة وأنه سيناط بالرئيس المقبل توحيد المؤسسة العسكرية وإنهاء تواجد الميلشيات المسلحة وضمان خروج كل القوات الأجنبية من الأراضي الليبية.

قائمة المرشحين

الانتخابات الليبية
رئيس وزراء ليبيا المؤقت عبد الحميد دبيبة في الكلمة التي ألقاها بعد تعهده يوم ١٥ مارس ٢٠٢١ في مدينة طبرق شرقي ليبيا بقيادة الدولة التي مزقتها الحرب في المرحلة الانتقالية وما ستقود إليه من انتخابات في شهر ديسمبر، وذلك بعد أعوام من الفوضى والانقسام. المصدر: Mohammed El SHAIKHY/ AFP.

ولا زال عبد الحميد الدبيبة رئيس حكومة الوحدة لم يعلن رسميا ترشحه، على الرغم من تسريبات لمعاونيه باعتزامه الترشح وتكليف نائبه بتسيير أعمال الحكومة مؤقتا.

وتعوق المادة رقم 12 من قانون الانتخابات الرئاسية الذي أقره مجلس النواب، ترشيح الدبيبة حيث أنها اشترطت تقاعد الموظفين الرسميين من عملهم قبل ثلاثة شهور من إجراء الانتخابات.

وامتثالا لهذه المادة تقاعد المشير خليفة حفتر الرجل القوى في شرق البلاد مؤقتا من منصبه كقائد عام للجيش الوطني، وهى خطوة أقدم عليها أيضا عقيلة صالح رئيس مجلس النواب الذي لم يحسم مسألة ترشحه.

حفتر البالغ من العمر 77 عامًا يحمل الجنسية الأمريكية وأمضى نحو ربع قرن منفيا في الولايات المتحدة. وهو يعد أبرز أعداء تركيا والمعسكر الموالي لها، خاصة بعد الحرب التي قادها لتحرير العاصمة طرابلس في إبريل 2019 وانتهت بالفشل بعد استعانة الحكومة السابقة بحليفها التركي والمرتزقة السوريين الموالين له.

وحقق حفتر إنجازا عسكريا وأمنيا مهما بالقضاء على كل الجماعات الإرهابية والتنظيمات المتطرفة في شرق ليبيا خاصة مدينة بنغازى ودرنة، كما تسيطر قوات الجيش الوطني على مناطق واسعة من جنوب البلاد.

ومن أبرز المرشحين أيضا فتحى باش أغا وزير الداخلية بحكومة الوفاق السابقة وأحد قادة ميلشيات مدجينة مصراتة في غرب البلاد، وهو من أبرز حلفاء تركيا ومحسوب بدرجة متفاوتة على جماعة الإخوان المسلمين.

ولعب أغا البالغ من العمر 58 عاما والملقب بالعجلاتي لتجارته في إطارات السيارات، دور المنسق الأمني مع حلف الناتو إبان الانتفاضة التي أطاحت بنظام القذافي عام 2011.

وخسر الترشح  لمنصب رئيس حكومة الوحدة في ملتقى الحوار السياسي الليبي الذي رعته بعثة الأمم المتحدة في مدينة جنيف السويسرية عام 2020.

وتضم القائمة أيضا سيف الاسلام النجل الثاني للعقيد القذافي الذي اختفى عن الساحة بعد سقوط نظام والده وخرج بعفو صحي من محبسه في مدينة الزنتان الجبلية ولم يمارس أي نشاط سياسي واضح على مدى السنوات العشر الماضية، لكنه يمثل طموح مناصري عودة النظام القديم الى السلطة.

ومن المرشحين أيضا عدد من المسؤولين الحكوميين السابقين أبرزهم علي زيدان رئيس الحكومة السابق الذي يحمل الجنسية الألمانية ودشن مؤخرا حزبا سياسيا في العاصمة طرابلس، بالإضافة الى عثمان عبد الجليل وزير التعليم السابق وفتحي بن شتوان وزير الصناعة والطاقة الأسبق، ومحمد الغويل الوكيل السابق لوزارة التخطيط ورئيس حزب مغمور (السلام والازدهار)  الذي ينحدر من مصراتة، وخسر الترشح لرئاسة الحكومة خلال جنيف.

وتشمل القائمة رجلي الأعمال عارف النايض وإسماعيل الشتيوي وكلاهما محسوب على دولة الامارات العربية المتحدة، وحاتم الكور ممثل الكوميديا المحلي.

مخاطر وتهديدات

الانتخابات الليبية
صورة تم التقاطها يوم ١٦ نوفمبر ٢٠٢١ لخليفة حفتر، قائد الجيش شرقي ليبيا، وهو يلوح بعد خطابٍ ألقاه في المقر المحلي للمفوضية العليا للانتخابات في مدينة بنغازي. وكان حفتر قد سجل في ذلك اليوم ترشيحه للانتخابات الرئاسية المزمع عقدها يوم ٢٤ ديسمبر ليواجه ابن معمر القذافيز وجاء إعلان حفتر عن ترشحه بعد يومين من إعلان سيف الإسلام القذافي الترشح للانتخابات، وذلك بعد عقدٍ من مقتل والده في ثورة دعمها الناتو ضده عام ٢٠١١. المصدر: Abdullah DOMA/ AFP.

في رصدها لتطور المخاطر الانتخابية، خلصت مفوضية الانتخابات في تقرير خاص إلى ارتفاع معدل هذه المخاطر في العاصمة طرابلس وجنوب البلاد مقارنة بغيرها من المناطق.

وتشمل المخاطر التي حددتها المفوضية “وجود عناصر مسلحة غير تابعة للدولة وجماعات الجريمة المنظمة وانتهاكات حقوق الإنسان”.

وتتمثل عوامل الخطورة الداخلية في “وجود قانون للانتخابات متنازع عليه وعدم كفاية الترتيبات الأمنية الانتخابية”,  بالإضافة الى ما وصفتها بحشود الأحزاب الاستفزازية وأعمالها العنيفة، ناهيك عن سوء إدارة نتائج الانتخابات ورفضها والطعون الانتخابية.

من اللافت للانتباه هنا أن كل تلك العناصر التي تشكك في إمكانية اجراء انتخابات حرة ونزيهة وآمنة موجودة على الأرض على الأقل في غرب ليبيا بما في ذلك العاصمة طرابلس.

تدرك بعثة الأمم المتحدة أكثر من غيرها أن مسألة الانتخابات في ليبيا أمرٌ محفوف بالمخاطر, لا سيما بعدما هدد خالد المشري رئيس المجلس الأعلى للدولة الموالى للسلطة الانتقالية في البلاد وأحد أبرز قيادات جماعة الاخوان المسلمين، بتفجير الانتخابات ونسفها بعدما دعا لمحاصرة مقر المفوضية العليا للانتخابات في العاصمة طرابلس وحرض الشعب على مقاطعة الانتخابات احتجاجا على ما وصفه بالقوانين المعيبة للانتخابات.

ولعل هذا ما دفع منسق البعثة الأممية ريزدون زينينغا، لابلاغ  قادة وممثلي الأحزاب السياسية  الذين التقاهم في طرابلس مساء الأربعاء أن أولوية البعثة هي مساعدة ليبيا على إجراء انتخابات توحد الليبيين وتحقق الاستقرار وتفضي إلى مؤسسات شرعية مقبولة من جميع الليبيين.

وكان واضحا أن زينغيا استمع الى مخاوف عبر عنها المعسكر المناوىء للانتخابات، حيث أشار بيان البعثة الى إعراب بعض المشاركين في اللقاء عن مخاوفهم بشأن الحاجة إلى المزيد من شمولية الإطار الانتخابي والتوافق لضمان قبول الجميع لنتائج الانتخابات، فضلاً عن الحاجة إلى ضمان أمن المرشحين والناخبين.

مؤتمر باريس

ومع انطلاق عملية الترشح للانتخابات، تتجه الأنظار الى العاصمة الفرنسية باريس التي ستستضيف مؤتمرا دوليا حول ليبيا، يعد الأحدث من نوعه الذي تستضيفه عاصمة غربية بعد مؤتمرى برلين 1 و2 اللذين عقدا مؤخرا في ألمانيا.

وقبل 44 يوما من موعد الانتخابات المقررة الشهر المقبل، يستضيف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مؤتمرا دوليا حول ليبيا في باريس لإعطاء “دفع” أخير للانتخابات المشكوك في إمكانية اتمامها على الرغم من الزخم الاقليمى والدولى الداعم لها.

سيعقد المؤتمر برئاسة مشتركة لفرنسا وألمانيا وإيطاليا، بهدف ضمان إجراء الانتخابات الليبية في موعدها والبدء في عملية سحب المرتزقة والمقاتلين الأجانب من الأراضي الليبية.

ويشارك أيضا مسؤولو الدول ذات الاهتمام المباشر بليبيا مثل مصر والولايات المتحدة وتونس والجزائر، بالإضافة الى دول أخرى ضالعة في الأزمة الليبية مثل السودان والنيجر وتشاد.

ويضم وفد ليبيا رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي ورئيس  حكومة الوحدة عبد الحميد الدبيبة، بينما ستمثل روسيا بوزير خارجيتها سيرغي لافروف، كما ستحضر نائبة الرئيس الأمريكي كامالا هاريس والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، بينما لم يحدد مستوى تمثيل تركيا.