وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

تركيا وروسيا تنشران مرتزقة سوريين في الحروب الأجنبية

Syrian fighters
مقاتلون من المعارضة السورية المدعومة من تركيا خلال عرض عسكري بمناسبة تخريج دفعة جديدة من الطلاب الذي حضره مسؤولون من المعارضة المدعومة من تركيا، في معسكر بمنطقة عفرين بريف حلب الشمالي الذي تسيطر عليه المعارضة، في 20 سبتمبر 2020. Photo: Bakr ALKASEM / AFP

مات ناشد

تُجند كل من تركيا وروسيا مرتزقةً من طرفي الصراع السوري المجمد لتعزيز أجنداتهما الخارجية.

بشكلٍ عام، نشأ هؤلاء المقاتلون دون الحصول على التعليم الأساسي بسبب الحرب الأهلية التي استمرت تسع سنوات ودمرت وطنهم، وفي الوقت الراهن، تعاني سوريا من أزمة ماليةٍ حادة تفاقمت مع انهيار الاقتصاد اللبناني. وعليه، يحاول الشباب السوري إعالة أسرهم من خلال استثمار المهارة الوحيدة التي حصلوا عليها من الحرب: القتال في المعارك. نتيجةً لذلك، يقوم المرتزقة السوريون بتغيير طبيعة الصراعات في الشرق الأوسط وخارجه.

بالنسبة لتركيا وروسيا، يعدّ نشر المقاتلين السوريين مشروعاً محدود المخاطر، إذ تحول هذه الاستراتيجية دون إرسال كلا البلدين قواتهما إلى أراضٍ بعيدة، مما يمكّن أنقرة وموسكو من التهرب من الضغط المحلي في حال انحرفت الحرب على مسارها. وتوضح الحسابات عديمة الرحمة أن كلاً من تركيا وروسيا – من أكثر القوى الإمبريالية نشاطاً في الشرق الأوسط اليوم – لا تُلقيان بالاً بحياة السوريين.

فلا عجب إذن أن ليبيا كانت أولى ساحات اختبار نشر المرتزقة السوريين. فمنذ 2019 باتت ليبيا تعيش حرباً شاملة بالوكالة حيث تستغل القوى الأجنبية أو تتجاهل الإنقسامات المحلية لحماية مصالحها بموارد البلاد.

في الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2020، نشرت أنقرة ما بين 3500 و3800 مرتزق سوري مدفوع الأجر، بحسب البنتاغون. تم تجنيد المقاتلين من الجيش الوطني السوري، جيشٌ بالوكالة أنشأته تركيا في عام 2016. فقد تمثلت مهام الجيش الوطني السوري سابقاً بإبعاد تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” من الحدود الجنوبية لتركيا، وكذلك مهاجمة الدولة الكردية في الشمال والشمال الشرقي من سوريا. بيد أنه في يناير 2020، تم نشرهم لحماية حكومة طرابلس في ليبيا مع وعدٍ بتلقي 2000 دولار شهرياً. في الواقع، تم تبديد نصف رواتبهم من قبل القادة الجشعين الذين يتحكمون في الرواتب.

المال يستحق المخاطرة بالنسبة للعديد من السوريين، بل إن تركيا جملّت الصفقة في حال مقتل أحد المقاتلين. وبحسب تقارير إخبارية، وعدت الأسر بتعويضٍ قدره 100 ألف دولار.

وبالنسبة للسوريين، استغلت تركيا رغبتهم الوحيدة في إخراج أسرهم من براثن الفقر المدقع. آنذاك، كانت أنقرة في حاجةٍ ماسة لوقف سقوط طرابلس لحماية طموحاتها البحرية، وفي نهاية المطاف، وقعت حكومة طرابلس وتركيا مؤخراً مذكرة تفاهم لترسيم الحدود البحرية للتنقيب عن الغاز في البحر المتوسط المزدحم. أثارت هذه الخطوة غضب جيران تركيا ذلك أنها تتقاطع مع الحدود البحرية المتنازع عليها التي طالبوا بها لأنفسهم.

في غضون ذلك، كانت القوات الموالية لقائد شرق ليبيا خليفة حفتر على وشك الاستيلاء على العاصمة، وعليه، استعان حفتر بمرتزقة من شركة الأمن الروسية الخاصة مجموعة فاغنر، وكذلك مقاتلين تشاديين وسودانيين. في مايو2020، ظهرت تقارير تفيد بأن حفتر كان يعتمد أيضاً على المرتزقة السوريين.

Russian soldiers syria
جندي روسي (يسار) وجندي سوري يقفان بالقرب من مدخل أحد الكهوف والأنفاق التي يُقال إن مقاتلين مناهضين للحكومة استخدموها في محافظة حماة في 25 سبتمبر 2019. Photo: Maxime POPOV / AFP

فقد أفادت رويترز أن متعاقداً عسكرياً خاصاً من مجموعة فاغنر كان يعمل تحت إشراف الجيش الروسي لتجنيد سوريين من ميليشيات بشار الأسد. كما أشارت إليزابيث تسوركوف، الباحثة الإسرائيلية في شؤون المرتزقة السوريين، إلى أن هذه القوات تشمل الفيلق الخامس، والفرقة 25 مهام خاصة (المعروفة سابقاً باسم قوات النمر)، ولواء القدس، ووحدة صيادي داعش. كما تم تجنيد أعضاء من قوات الدفاع الوطني السوري في مجموعة فاغنر وانتشارهم للقتال لصالح حفتر.

لكن بينما انتصر مقاتلو الأسد في الحرب في بلادهم، إلا أنهم أدركوا أنهم يخوضون معركةً خاسرة في ليبيا. وبحلول يونيو 2020، أدى استخدام الطائرات المسيّرة التركية والمرتزقة السوريين إلى قلب الطاولة على حفتر وإنقاذ حكومة طرابلس.

شجع نجاح تركيا في ليبيا الرئيس رجب طيب أردوغان على استخدام الطائرات المسيّرة والمرتزقة السوريين لتأمين النفوذ السياسي في النزاعات الطويلة الأخرى، وبالطبع يتمثل أحدث مثالٍ بالصراع المستمر بين أذربيجان وأرمينيا حول منطقة ناغورني- قرة باغ المتنازع عليها.

ففي أوائل أكتوبر2020، قالت مصادر داخل الجيش الوطني السوري إنه تم تجنيد حوالي 1500 سوري للقتال في المنطقة الجبلية على الجانب الأذري، الحليف التقليدي لتركيا. وقال المقاتلون إنهم حصلوا على تدريبٍ في مدينة غازي عنتاب بجنوب تركيا، ليتم نقلهم بعد ذلك إلى أنقرة قبل مغادرتهم إلى أذربيجان.

من جهتها، ذكرت صحيفة آسيا تايمز أن المرتزقة وعائلاتهم تلقوا أوامر بالتزام الصمت، مما منع معظمهم من الإدلاء بأي تصريحات. وبحسب ما ورد أبلغت بعض العائلات أنها ستخسر تعويضاتها المالية في حال تحدثهم إلى الصحافة.

ومع ذلك، وعلى الرغم من الوعد بدفع راتب قدره 1500 دولار بالليرة التركية، يندم العديد من السوريين على انضمامهم للقتال. فقد أدى الصراع الدموي بالفعل إلى مقتل أكثر من 55 من المرتزقة السوريين، الذين سبق وتم إخبارهم بأنهم سيحرسون المنشآت النفطية ولن يتم إرسالهم إلى خطوط القتال الأمامية. وقع السوريون تحت هذا الافتراض منذ أن تم تجنيدهم من قبل شركات الواجهة التركية، التي تمتلك عقود نفط وغاز في أذربيجان. ولكن مع مقتل المزيد من السوريين، بدأ المُجنِدون بإخبار السوريين أن الخطوط الأمامية في ناغورني- قرة باغ قد “استقرت” وأن الحرب باتت أقل فتكاً مما كانت عليه قبل أسابيع قليلة.

حاول القادة السوريون تبرير وجود مقاتليهم في ليبيا والقوقاز، بحجة أن الجيش الوطني السوري ملزم بمحاربة الهيمنة الروسية في جميع أنحاء العالم. كان ذلك دفاع النقيب عبد السلام عبد الرزاق الذي يعيش في ريف إدلب السوري، الذي قال للمونيتور إن المرتزقة السوريين يجبرون روسيا على توجيه بوصلة مصالحها إلى أماكن أخرى، وبالتالي منعها من ارتكاب المزيد من الجرائم في سوريا.

الاستسلام لهذا المنطق هو آلية للتأقلم مع الوضع بالنسبة للعديد من السوريين. فبعد سنواتٍ من القتال في حرب اجتذبت قوى أجنبية – التي تدخلت جميعها لتأمين مصالحها بدلاً من حماية أرواح السوريين – يبحث العديد من الثوار والمتمردين السابقين عن أي منطقٍ لتبرير القتال في الأراضي البعيدة.

في النهاية، تبقى الحقيقة المرة هي أن السوريين ما هم إلا بيادق في الصراع الجغرافي السياسي الأكبر بين روسيا وتركيا.