وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

مانيش مسامح: لا تسامح مع الفساد

Tunisia- Khaoula-Sliti
خولة سليتي تتحدث في مؤتمرٍ صحفي لحركة مانيش مسامح. Photo Facebook

بدأ الأمر برمته في 14 يوليو 2015، عندما قدم الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي ما يُسمى بقانون المصالحة الإدارية، وهو تشريعٌ من شأنه أن يمنح العفو، بشكلٍ فعّال، عن رجال أعمالٍ ومسؤولين من عهد ما قبل الثورة ممن اتهموا بالفساد في ظل حكم الديكتاتور السابق زين العابدين بن علي، الذي أطيح به في يناير 2011.
يهدف القانون، كما هو مذكورٌ في ديباجته إلى “إعادة بناء مناخ الثقة في الإدارة، وانعاش الاقتصاد الوطني، وتعزيز ثقة المـواطن فـي مؤسـسات الدولـة.” إلا أن المقترح أثار حنق وغضب السياسيين المعارضين والشعب على حد سواء. وفي هذا السياق، ولدت حركة مانيش مسامح.

تصف حركة النشطاء هذه، التي تعني حرفياً “لن أسامح،” نفسها بأنها قائمة على الشباب وواعية اجتماعياً وبلا قيادة. ويعكس الإسم ذات نفسه بكل وضوحٍ الموقف السياسي للحركة: لن نسامح أولئك الذين استفادوا لعقودٍ من نظامٍ فاسد ونرفض المصالحة دون مساءلة. فقد خرج نحو 300 شخص فحسب إلى الشوارع في سبتمبر 2015 للتعبير عن رفضهم القانون المقترح، الذي يعتبرونه “تهديداً لمكاسب الثورة.” تم تفريق المتظاهرين بالقوة، مما أدى إلى تمكين الحركة بشكلٍ أكبر فحسب في كلٍ من الشارع وعلى وسائل التواصل الاجتماعي. أطلقت الحركة في وقتٍ لاحق حملة بعنوان “مطلوب،” نشرت فيها أسماء رجال الأعمال الفاسدين إلى جانب تقدير الأرباح غير المشروعة التي حققوها على مر السنين.

اجتذبت مثابرة الحركة الدعم الشعبي، ونتيجةً لذلك، تم تعديل القانون المقترح في يوليو 2016. استنثى مشروع القانون الثاني رجال الأعمال من العفو، ليقتصر على المسؤولين فحسب، إذ قال الرئيس أن هؤلاء المسؤولين أجبروا إلى حدٍ كبير على ارتكاب المخالفات، وبالتالي لا ينبغي مساءلتهم على أفعالهم.

لم يكن هذا الأمر ذو مغزى بالنسبة لحركة مانيش مسامح. وقالت خولة سليتي، أحد أعضاء الحركة، “أولئك الذين يؤيدون هذا القانون يريدون منا الاعتقاد بأن المسؤولين الفاسدين لم يستفيدوا شخصياً من أفعالهم، وهذا أبعد ما يكون عن الصواب.” كما قالت إن هذا القانون لن يدمر فحسب مفهوم المساءلة، إلا أنه سيكون بمثابة الإهانة لجميع الرجال والنساء الشرفاء الذين قالوا لا للفساد خلال عهد الديكتاتورية، والذين، في كثيرٍ من الحالات، فقدوا وظائفهم بعد تعرضهم للمضايقات أو وصفهم بغير المتعاونين من قبل النظام، حيث أدى ذلك إلى حرمان هؤلاء الأفراد من الترقيات وغيرها من المزايا طوال حياتهم المهنية.

عارضت الحركة وحلفاؤها السياسيون بشدة أيضاً الإصدار الثاني من القانون، مما فرض المزيد من التعديلات. وعلى الرغم من أن القانون النهائي قدّم نسخةً مختزلةً إلى حدٍ كبير من مشروع القانون الأصلي، إلا أن حركة مانيش مسامح اعتبرت التغييرات مجرد تغييراتٍ تجميلية، ذلك أن جوهر القانون نفسه كان معادياً للثورة ولا ينبغي إقراره قط.

بيد أن القانون أقرّ في تصويتٍ نهائيٍ في البرلمان في 13 سبتمبر 2017، بالرغم من الفوضى التي سرعان ما عمت الجلسة بعد أن تبادل السياسيون من مختلف الأحزاب الإهانات.

Tunisia- Manich Msameh
متظاهرون في 17 في تونس. المصدر: صفحة حركة مانيش مسامح على الفيسبوك.

ردت حركة مانيش مسامح على التصويت بتنظيم العديد من الاحتجاجات في المدن التونسية الكبرى. فقد جذب أكبر هذه الاحتجاجات، في العاصمة تونس في 17 سبتمبر 2017، آلاف المتظاهرين الذين اعتبروا القانون نكسة كبرى تتعرض لها الديمقراطية الجديدة والهشة في البلاد. كما أدان المركز الدولي للعدالة الانتقالية هذا القانون الذي وصفه بأنه “ترويجٌ للإفلات من العقاب،” و”الخيانة لجميع التونسيين الذين وقفوا خلال الثورة من أجل الكرامة والديمقراطية.”

وفي محاولةٍ شخصيةٍ منهم للرد، ناشد 38 من السياسيين المعارضين، معظمهم من الجبهة الشعبية والحزب الديمقراطي، اللجنة الدستورية التونسية المؤقتة، مشيرين إلى أن هذا القانون، الذي هو شكلٌ من أشكال العفو وليس المصالحة، يتعارض مع دستور البلاد لعام 2014، واتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد. ومع ذلك، عنت عدم قدرة اللجنة التوصل إلى قرارٍ في الموعد النهائي المحدد، إحالة القانون مجدداً إلى الرئيس، المخطط الرئيسي له. وكما هو متوقع، وقع عليه ليصدر بشكل قانون.

ومع ذلك، لم تشكل هذه نقطة اللاعودة لمانيش مسامح، فقد نشرت الحركة وثائق مسربة تعرض تفاصيل المداولات الداخلية للجنة والتي تبيّن أن القانون غير دستوري بالفعل. وتدعي الحركة أن إهمال رأي اللجنة كان متعمداً ويشكل أحد الإخفاقات الإجرائية العديدة التي حدثت أثناء اعتماد القانون.

وعلى الرغم من إقرار القانون، إلا أن الحركة، التي نجحت في تدوين فصلٍ جديد من فصول المشاركة المدنية والمعارضة الحكومية في البلاد، تعهدت بعدم التخلي عن القضية بهذه السرعة. فقد صرحت خولة سليتي بكل تفاؤل “في نهاية المطاف، لن يتمكنوا أبداً من قتل هذا لحلم الذي نتشاركه جميعاً في مانيش مسامح؛ حلم تونس العادلة والحرة والديمقراطية.” وأضافت “نحن الشباب، الجيل الذي قاتل من أجل هذه الثورة، الذين لن نتوقف أبداً عن محاربة هؤلاء الأشباح من ماضي أمتنا. إن كل ما أرغب بقوله عن النظام الفاسد عبر عنه الشاعر الفلسطيني، محمود درويش، فأنتم مجرد “مارون بين الكلمات العابرة،” بينما “لنا الماضي، ولنا الحاضر… والمستقبل.”