وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

الإخوان المسلمون: من أحد أكثر الأحزاب تنظيماً في الأردن إلى ثلاث مجموعات على خلافٍ شديد

الأخوان المسلمون في الأردن
Photo Corbis احتجاج لأنصار جبهة العمل الإسلامي في عمان،الأردن،6 أكتوبر 2013

لم تعد السُلطات الأردنية تشعر بالقلق إزاء الإخوان المسلمين في الأردن، ذلك أنّ الإنقسامات بين قادته الأساسيين على مدى العامين الماضيين حولته من أقوى الأحزاب السياسية في المملكة إلى ثلاث مجموعات منقسمة لا تثق ببعضها البعض.

فقد أشعل فتيل الانقسام بسبب خلافاتٍ بين قادة الحزب، عندما اقترح البعض، أو ما يُعرف بالإصلاحيين، تسجيل جماعة الإخوان المسلمين كجماعة أردنية لا علاقة لها بالمنظمة الأم في مصر. ويؤمن الإصلاحيون، بقيادة عبد المجيد ذنيبات، أنّ حظر الجماعة في مصر ووضعها على قائمة الجماعات الإرهابية في بعض دول الخليج وتدهور شعبيتها، يجب أن يشجع قادة الجماعة في الأردن على فصل نفسها عن جماعة الإخوان المسلمين في القاهرة.

فقد أسس أعضاءٌ من جماعة الإخوان المسلمين في مصر، جماعة الإخوان المسلمين في الأردن عام 1946. شجع هذا على العودة إلى القيم الإسلامية وتثقيف المجتمع الأردني، وأصبحت مُسيسة على نحوٍ متزايد بعد قيام دولة اسرائيل عام 1948، وضم الضفة الغربية للأردن عام 1950. وخلال الخمسينيات، كانت الجماعة تتمتع بعلاقة وثيقة مع النظام الملكي؛ العلاقة التي تم تعزيزها بشكلٍ أكبر عام 1967 بعد الاحتلال الاسرائيلي للضفة الغربية، وتأسيس منظمة التحرير الفلسطينية معقلاً لها في أوساط اللاجئين الفلسطينيين في الأردن.

تدهورت العلاقة في الثمانينيات بعد انتقاد الإخوان المسلمين للنظام الملكي، بما في ذلك توجيه تهمٍ بالفساد للنخبة الحاكمة والفجور العام، وعدم الاكتراث بالحياة الدينية. نأى الملك حسين بنفسه عن الجماعة في عام 1985، مشيراً إلى أنها تشكل تهديداً محتملاً لاستقرار البلاد. وعلى صعيدٍ آخر، فقد شاركت جماعة الإخوان المسلمين وفازت في الانتخابات منذ نهاية الثمانينيات، كما عرّض دعمها للعراق في حرب الخليج 1990-1991 علاقتها ومصادر تمويلها مع كلٍ من الكويت والمملكة العربية السعودية للخطر، إلا أنه حافظ وأضفى الشرعية على تأييدها الشعبي، وبقيت رسالتها الدينية واسعة الانتشار.

الانقسامات الداخلية في جماعة الإخوان المسلمين الأردنية

بعد استقالة المئات من قيادات وأعضاء الجماعة، ممن يعتبر البعض العمود الفقري لجماعة الإخوان المسلمين، يوجد في الوقت الراهن ثلاث قوى إسلامية في الأردن؛ جماعة الإخوان المسلمين القديمة بقيادة همام سعيد من تيار “الصقور،” وجمعية الإخوان المسلمين المنشأة حديثاً بقيادة عبد المجيد الذنيبات من تيار “الحمائم،” ومبادرة زمزم التي أسسها ارحيل الغرابية، المحسوب أيضاً على تيار “الحمائم.”

بل يمكن تقسيم الإسلاميين إلى أربع مجموعات، آخذين بعين الاعتبار استقالة حوالي 400 عضواً، من بينهم كبار القادة والأعضاء المؤسسين، في 31 ديسمبر 2015، من جبهة العمل الإسلامي، الذراع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين. فقد قال غيث القضاة، أحد الأعضاء المستقيلين، أنّ الاستقالات قد تدفع آخرين إلى ترك الحركة، الذي من شأنه أن يُضعف في نهاية المطاف وجودها وصورتها في المملكة.

ويُقدر أن هناك ما مجموعه 8,000 من الأعضاء المسجلين في جبهة العمل الإسلامي في الأردن، وذلك وفقاً لعضو بارز في الحزب السياسي.

وقال القضاة أنّ دافع الاستقالات الجماعية غير المسبوقة كان بسبب الخلافات بين أعضاء تياريّ الصقور والحمائم في محاولة إصلاح الصدع في الحركة الأصلية، ولكن دون جدوى، مضيفاً أنهم حاولوا الحفاظ على وحدة جماعة الإخوان المسلمين في الأردن من خلال التوفيق بين الخصوم، إلا أنّ قيادة الصقور رفضت الإصغاء.

وأضاف أنّ الأعضاء الـ400 يخططون لتشكيل حزبٍ سياسي منفصل. يُطلق على قادة هؤلاء الأعضاء “مجموعة الحكماء،” ويُنظر إليهم باعتبارهم أعضاء مؤسسين وشخصيات معتدلة لهم تأثير قوي في جماعة الإخوان المسلمين.

وقال المحلل السياسي رائد العمري، الكاتب في صحيفة جوردان تايمز وموقع قناة العربية الاخبارية باللغة الانجليزية والتي تمولها السعودية لـ Fanack في 9 مارس 2016، أنّ الانقسامات والخلافات في الحركة الإسلامية أضعفتها، وبالتالي لم تعد أقوى قوى المعارضة في الأردن.

وقال أنّ الجماعة القديمة تعتبر غير مرخصة، ذلك أنها لم تُسجل باعتبارها جماعة أردنية ولكن لا يعتبر هذا الأمر غير قانوني. ومع ذلك، في أبريل 2016، قررت الحكومة الأردنية حظر جماعة الإخوان المسلمين وأغلقت الشرطة مقراتها في العاصمة عمّان. اعتبر أنصار الجماعة هذه الخطوة محاكاةً للجهود التي تبذلها دولٌ مثل مصر والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية بالتشديد على الحركة الإسلامية انتقاماً لدعمها حركة الاحتجاجات التي شهدها الأردن في الفترة ما بين عاميّ 2011 و2013.

فقد بدأت الخلافات عندما حاول قادة بارزين من المعتدلين إقناع المتشددين تغيير موقف الحركة وقطع العلاقات مع الجماعة الأم في مصر، التي تم حظرها هناك ويُنظر إليها باعتبارها جماعة إرهابية من قِبل العديد من الدول العربية. وقال “أراد ذنيبات وأتباعه أنّ تعمل الجماعة كقوة أردنية مستقلة، مما أثار غضب المتشددين الذين مازالوا يعتقدون أنّ الحركة تتمتع بالقوة، حتى بعد انهيار الجماعة في مصر وأماكن أخرى في العالم العربي.”

وتقول جماعة الإخوان المسلمين الجديدة ومبادرة زمزم وجماعة الحكماء أنهم تركوا الحركة القديمة، التي تصف نفسها بأنها جماعة إسلامية أصيلة فحسب، من أجل إنقاذ واستعادة صورة الحركة الإسلامية في الأردن.

عرّاب هذه الجهود، هو القيادي السابق في جماعة الإخوان المسلمين، سالم الفلاحات. فبعد القرار الحكومي بحظر الجماعة، بدأ الفلاحات التخطيط لتشكيل حزبٍ سياسي جديد أسماه “الحكماء” الذي يتبع بمساره السياسي الأكثر اعتدالاً نموذج حزب النهضة الإسلامي التونسي.

الإنفصال عن الحركة الأم في مصر

في فبراير 2016، شعرت جماعة الإخوان المسلمين بثقل الاستقالات الجماعية، وقررت تعديل القانون الأساسي للجماعة وإنهاء التحالف مع الجماعة الأم في القاهرة.
وقال المحلل طه أبو ريدة، مدير التحرير في صحيفة الرأي اليومية، أنّ هذه الخطوة أتت في وقتٍ متأخرٍ جداً، ذلك أنّ الضرر الذي وقع لا يمكن إصلاحه. وأضاف أنّ هذه الخطوة تهدف إلى منع المزيد من الانشقاقات في الحركة. واستطرد قائلاً “أتوقع انشقاق المزيد من الأعضاء عن الحركة ذلك أن قيادات “الصقور” تواصل فشلها في إدراك أنّ اللعبة السياسية في الأردن قد تغيرت. لم تعد الجماعة تتمتع بالقوة كما في سابق عهدها، بسبب فقدانها تأييد الشارع منذ نحو أربع سنوات عندما كان لا يزال الربيع العربي واقعاً.”

وخلال عامي 2011 و2012، شهد الأردن عدة احتجاجات تطالب بإصلاحات سياسية ودستورية، حيث خرجت هذه الاحتجاجات بقيادة أو بتنظيم الحركة الإسلامية. وصرح أحد أعضاء جبهة العمل الإسلامي، الذي فضل عدم ذكر اسمه، لموقعنا في 9 مارس 2016، أنّ خطوة قطع العلاقات مع الجماعة في القاهرة لم يُقصد منها ثنيّ المنشقين عن قرارهم. وأضاف الإسلامي “عكفت الحركة على دراسة هذه الخطوة منذ ثلاث سنوات تقريباً، ولم يتم اتخاذها بسبب الاستقالات الأخيرة.”

وأضاف أنه كان من المفترض قطع العلاقات مع الحركة في القاهرة، في عام 2013، في أعقاب الإطاحة بالرئيس المصري السابق، محمد مرسي، عضو جماعة الإخوان المسلمين وأول رئيس لمصر بعد حسني مبارك. وقال “نحن [الإسلاميون] انتظرنا لأننا لم نرغب في أن نظهر وكأننا قد تخلينا عن إخواننا الإسلاميين في مصر.”

وتدعي جماعة الإخوان المسلمين الجديدة أنها الوريث الشرعي للإخوان المسلمين القديمة، وسعت لحكمٍ قضائي للحصول على أصول الحركة التي تأسست في الأردن عام 1946.

نظرية المؤامرة

اتهم زعيم جبهة العمل الإسلامي الحكومة الأردنية بالوقوف وراء الانشقاقات وتأسيس جماعة الإخوان المسلمين الجديدة، مدعياً أنها مؤامرة حكومية ضد الإسلاميين.
من جهته، رفض وزير الشؤون السياسية، خالد الكلالدة، هذه الاتهامات بقوله أنّ الحكومة لا تتدخل في الخلافات الداخلية للإسلاميين. وأضاف الوزير في تصريحاته لـFanack في مارس 2016، أن الحكومة تتعامل مع جميع الأطراف السياسية على قدم المساواة. “من غير المقبول أن تلقي أي جماعة باللائمة على الحكومة عن الأخطاء التي ارتكبوها على مدى السنوات الماضية.”

كما يتفق المحلل أبو ريدة مع الوزير، مشيراً إلى أنّ هذه الانقسامات جاءت بسبب الخلافات حول التكتيكات ووجهات النظر السياسية لكبار قادتها. فقد كان بعض مؤسسي الجماعة الجديدة أكثر ميلاً للاستجابة للتطورات السياسة في المملكة، مثل التعديلات على قانون الانتخابات والإصلاحات التشريعية الأخرى.

الانتخابات البرلمانية

قاطع الإسلاميون الانتخابات البرلمانية في الأردن منذ عام 2007، بسبب نظام الصوت الواحد المثير للجدل والذي يحدّ من خيارات الناخبين. فقد بدأ سريان مفعول هذا النظام في الانتخابات البرلمانية في المملكة منذ عام 1993. ومع ذلك، في 13 مارس 2016، صادق الملك عبد الله الثاني على قانون الانتخابات الجديد الذي اعتبره العديدون ذو منحى إصلاحي بدرجةٍ أكبر، ذلك أنه يلغي نظام الصوت الواحد.

وفي ضوء ذلك، ومع وضع مؤسسي مبادرة زمزم، الذين كانوا من الشخصيات البارزة في حركة الإخوان المسلمين، اللمسات الأخيرة لتسجيل حزبهم السياسي، يرى المحلل السياسي، العمري، أنّ جماعة زمزم ستشارك في الإنتخابات البرلمانية المقبلة، المزمع عقدها في الربع الأخير من عام 2016 أو أوائل عام 2017.

كما أعلنت جماعة الإخوان المسلمين الجديدة نيتها المنافسة في هذه الانتخابات. ويعتقد كل من العمري وأبو ريدة أنّ ذلك يأتي بسبب رغبة جماعة الإخوان المسلمين الجديدة بأن تكون جزءاً من المشهد السياسي في الأردن، ومعارضتهم لموقف المقاطعة الذي التزمت به الجماعة القديمة لسنواتٍ عديدة.

ويرى العمري أيضاً أن الجماعة القديمة ستعدل عن موقفها هذا أيضاً، “يريدون أن يثبتوا للمنشقين، وللحكومة، وللرأي العام أنهم لا يزالون الأقوى والأكثر شعبية في الشارع.” كما أوضح أيضاً أن الحركة القديمة لا تزال الأقوى من بين الحركات الثلاث، على الرغم من عدم تمتعهم بقاعدة التأييد السابقة التي كانوا يتمتعون بها قبل خمس سنوات.

ومع ذلك، وفي أعقاب حظر جماعة الإخوان المسلمين في أبريل 2016، فمن غير المؤكد ما إذا كانت الجماعة ستشارك في الانتخابات المقبلة. بل في الواقع، منعت الحكومة الأردنية الجماعة من إجراء انتخاباتها الداخلية، ولم تسمح لجبهة العمل الإسلامي بجمع التبرعات أو تنظيم المسيرات.