وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

الأردن والربيع العربي

Arab spring in Jordan
الربيع العربي في الأردن. Photo: Flickr / Charles Roffey

لم يكن الأردن في مأمن من موجة الاضطرابات المؤيدة للديمقراطية التي اجتاحت العالم العربي ابتداءً من مطلع العام 2011. ونشط في حركة الاحتجاج بشكل خاص، والتي بدأت في منتصف كانون الثاني/يناير عام 2011، جبهة العمل الإسلامي (الجناح السياسي للإخوان المسلمين الأردنيين) والاتحادات العمالية واليساريون والقوميون. وكان أسلوب المحتجين التجمع يوم الجمعة بعد الصلاة في المساجد. وفي الغالب، تمت مواجهة المتظاهرين باحتجاجات مضادة من قبل مؤيدي النظام. كانت عمان مركز النشاط الرئيسي، كما اندلعت الاحتجاجات في مناطق أخرى من المملكة. وكانت مطالب المتظاهرين مزيجاً من الإصلاحات السياسية وإجراءات للحدّ من البطالة ووقف الارتفاع السريع في تكاليف المعيشة والتصدي للفساد.

كان الطلب المبكر إقالة حكومة سمير الرفاعي الذي تم تعيينه رئيساً للوزراء في كانون الأول/ديسمبر عام 2009. استجاب الملك في 1 شباط/فبراير بإقالة الرفاعي وتعيين معروف البخيت مكانه، وهو ضابط متقاعد في الجيش كان قد شغل منصب رئيس الوزراء في 2005-2007. ومع أن البخيت كُلّف بتنفيذ إصلاحات سياسية واجتماعية، إلا أن تعيينه فشل في قمع الاضطرابات. وانطلقت إحدى أكبر المظاهرات، حوالي عشرة آلاف متظاهر، في عمان في 25 شباط/فبراير. وفي الشهر التالي، أقام 500 متظاهر مخيماً دائماً في ساحة جمال عبد الناصر، المحور الرئيسي لحركة المرور في عمان.

وفي 25 آذار/مارس كانت الساحة مسرحاً لاشتباكات عنيفة بين المتظاهرين ومؤيدي الحكومة، حيث لقي شخص واحد حتفه وأصيب نحو مئة شخص بجروح. كما وقعت مصادمات عنيفة أخرى في 15 تموز/يوليو، عندما تدخلت الشرطة بهراوات لوقف الاشتباكات بين المؤيدين والمناهضين للحكومة في وسط عمان. وأصيب ما لا يقل عن 17 شخصاً بجروح، ثمانية منهم من الصحفيين، مما عزز المزاعم بأن الشرطة تعمدت استهداف الصحفيين. وبعد يوم، تم إعلان القبض على أربعة من ضباط الشرطة.

في نيسان/أبريل عام 2011، عيّن الملك لجنة من كبار رجال الدولة، اللجنة الملكية لمراجعة الدستور، لتحضير برنامج إصلاح. وفي 14 آب/أغسطس، قدّمت اللجنة قائمة من 42 اقتراحاً من شأنها تعزيز سلطة مجلس الأمة بشكل طفيف، والتقليل من نفوذ الملك، وتعزيز الحريات المدنية. رحّب الملك بالمقترحات. ومع ذلك أصرّ النقاد على أن الإصلاحات لم تذهب بعيداً بما فيه الكفاية، وخصوصاً أنها لم تفعل شيئاً لإضعاف مؤسسة الأمن القوية في المملكة.

في حين قوبلت الإصلاحات التي تمت الموافقة عليها في تموز/ يوليو 2012 (قانون الانتخابات الجديد) وأيلول/سبتمبر 2012 جزئياً بمطالب المحتجين، إلا أن الاحتجاجات استمرت في جميع أنحاء البلاد. وبينما قام النظام يتأطير إصلاحاته في عملية نحو نظام أكثر ديمقراطية، إلا أن الإصلاحات لم تذهب بعيداً بما فيه الكفاية في نظر المعارضة.

حدث تغير كبير في الأجواء العامة في الأردن بعد أن أعلن رئيس الوزراء الجديد عبد الله النسور عن رفع الدعم عن سلع أساسية مثل الوقود والغاز، مما أدى إلى ارتفاع الأسعار التي من شأنها أن تؤثر على الفقراء بشكل خاص.

Photo HH / The New York Times / اشتباك الشرطة الأردنية مع متظاهرين خلال مظاهرة بعد صلاة الجمعة ضد تباطؤ عملية الإصلاح السياسي في عهد الملك عبد الله الثاني
اشتباك الشرطة الأردنية مع متظاهرين خلال مظاهرة بعد صلاة الجمعة ضد تباطؤ عملية الإصلاح السياسي في عهد الملك عبد الله الثاني Photo HH/The New York Times

مباشرة بعد هذا الإعلان، اندلعت احتجاجات واسعة في جميع أنحاء الأردن، أهمها مظاهرات حاشدة في عمان. وللمرة الأولى، انتقد المحتجون الملك بشكل علني ودعا البعض إلى الإطاحة به. قوبلت الاحتجاجات بالعنف من قبل شرطة مكافحة الشغب، بينما سدّ المتظاهرون الطرق وأشعلوا النار في المباني الحكومية. ألقي القبض على المئات وأحيل 107 شخصاً على الأقل إلى محاكم أمن الدولة، بينهم 9 أطفال، بتهم تشمل “تقويض نظام الحكم” و “المشاركة في تجمعات غير قانونية”، وفق هيومن رايتس ووتش.

وبعد بضعة أيام، هدأت الاحتجاجات، دون أن تؤدي إلى أي تغيير. ورفض رئيس الوزراء نوري النسور إلغاء رفع الدعم؛ لم يكن لديه الخيار للقيام بذلك مقابل قرض قيمته 2,1 مليار دولار، الأمر الذي يتطلب تدابير تقشفية وتخفيض الدعم. ونتيجة لذلك، فإن النظام أقل قدرة بشكل متزايد على الاستمرار بشراء دعم الموالين له، أي أردنيي الضفة الشرقية.

اعتبرت نتائج انتخابات 23 كانون الثاني/يناير 2013، التي قاطعها الإخوان المسلمون وجناحها السياسي جبهة العمل الإسلامي، فوزاً للنظام. فبالإضافة إلى الإقبال الواسع نسبياً (56,5%)، فاز المرشحون الموالون للحكومة مرة أخرى بأغلبية المقاعد. ولكن مع قانون انتخابات مستمر في تخييب آمال المعارضة، لم يتم تعزيز دور الأحزاب السياسية ومرشحي المعارضة. وهذا يناقض هدف الملك المعلن المتمثل في الانتقال نحو حكومة برلمانية.

وسط احتجاجات مستمرة للمطالبة بإصلاحات ذات معنى أكثر، فضّل النظام الأردني الاستمرارية والقمع على الإصلاحات التي طالبت بها المعارضة. وفي ذات الوقت، يتعرض الملك عبد الله، حليف الولايات المتحدة الرئيسي في المنطقة، إلى ضغوط من الولايات المتحدة للحفاظ على الوضع الراهن؛ إذ تعتبر حكومة الولايات المتحدة الأمريكية الأردن منطقة آمنة داخل منطقة اضطرابات. ومن شأن أي زيادة لدور المعارضة الأردنية (حيث الإسلاميون هم الأكثر تنظيماً) أن يعرض معاهدة السلام بين الأردن وإسرائيل والتعاون التاريخي مع الجيش الأمريكي للخطر.

في نيسان/أبريل 2013، أرسلت حكومة الولايات المتحدة 200 من المخططين العسكريين إلى الأردن لمنع امتداد العنف إلى الأردن. رفضت المعارضة الأردنية تواجد قوات أمريكية وانتقدت موقف الحكومة الأردنية تجاه الولايات المتحدة. وتخشى المعارضة أن تستخدم الأردن كمنصة لتدخل الولايات المتحدة ضد سوريا. وأخيراً، يسلط العبء الثقيل من العدد المتزايد للاجئين السوريين في الأردن الضوء على الاعتماد المالي على المساعدات الخارجية: تعهّد الرئيس الأمريكي باراك أوباما بمبلغ إضافي قدره 200 مليون دولار على شكل مساعدات للحكومة الأردنية. واعتباراً من أيار/مايو 2013، كانت UNHCR قد سجلت 399,765 لاجئ سوري في الأردن.

Advertisement
Fanack Water Palestine