أكد مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في تقريرٍ صدر في 26 أكتوبر 2017 أن الحكومة السورية كانت وراء الهجوم الكيماوي الذي أسفر عن مقتل العشرات في أبريل 2017 في خان شيخون، وهي مدينة يسيطر عليها المتمردون في شمال غرب سوريا. وعقب صدور التقرير، استخدمت روسيا حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن لمنع أي تحقيقٍ رسمي آخر في القضية.
وللتحقيق في الهجمات الكيميائية، تعتمد الأمم المتحدة على منظمة حظر الأسلحة الكيميائية. تعمل المنظمة على دعم والتحقق من الإلتزام بتنفيذ اتفاقية الأسلحة الكيميائية، التي تمنع استخدام الأسلحة الكيميائية والعمل على تدميرها. ومع ذلك، يتمثل دورها الرئيسي في توثيق الهجمات الكيميائية المشتبه بها وإجراء عمليات تفتيشٍ في الموقع. وفي أغسطس 2015، اعتمد مجلس الأمن القرار رقم 2235، القاضي بإنشاء آلية تحقيق مشتركة تتمثل مهمتها في تحديد البلد أو الجهة المسؤولة عن الهجمات الكيميائية التي وثقتها منظمة حظر الأسلحة الكيميائية.
زعم التقرير الأول الصادر عن آلية التحقيق المشتركة، والذي نُشر في 24 أغسطس 2016، استخدام النظام للأسلحة الكيميائية، سيما غاز السارين السام، مرتين على الأقل، وذلك في بلدة تلمنس في أبريل 2014 وفي بلدة سرمين في مارس 2015. فغاز السارين يسبب ظهور رغوة بالفم، وتشنجاتٍ، وتلف دائم في الأعصاب، وفي نهاية المطاف، الموت بالسكتة القلبية أو الاختناق. وعليه، لطالما نفى النظام هذه الإدعاءات.
وعلى صعيدٍ متصل، فقد جُدد تفويض آلية التحقيق المشتركة بعد عامٍ على إنشائها، ولكن في 17 نوفمبر 2017، استخدمت روسيا مجدداً حق النقض (الفيتو) لمنع تجديد التفويض مرةً أخرى. فقد كان من شأن مشروع القرار الذي قدمته اليابان التمديد لآلية التحقيق المشتركة لثلاثين يوماً إضافية لكسب الوقت للمفاوضات للوصول إلى حلٍ توفيقي أوسع نطاقاً.
وقالت نيكي هالي، سفيرة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة بعد التصويت “روسيا تهدر وقتنا.” وأضافت “ليس لدى روسيا أي مصلحة بالتوافق مع باقي أعضاء المجلس لإنقاذ آلية التحقيق المشتركة. لن توافق روسيا على أي آلية من المحتمل أن تسلط الضوء على استخدام الأسلحة الكيميائية من قِبل حليفها، النظام السوري. الأمر بهذه البساطة والخزي.”
وقبل التصويت، كتب روجيليو بفيرتر، المدير العام السابق لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية على موقع Syria Deeply، وهو موقعٍ الكتروني مخصص لتغطية الصراع السوري، “لا أرى أي أساسٍ للتشكيك بنزاهة أو جودة التحقيقات التي أجراها خبراء معترف بهم من منظمة حظر الأسلحة الكيميائية والأمم المتحدة.” فقد كان يأمل آنذاك بالتوصل إلى اتفاقٍ في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة قبل نهاية تفويض الآلية، الأمر الذي لم يحصل في نهاية المطاف. وأضاف أنه دون هذا التعاون في الأمم المتحدة “سيتم تقويض الجهود الرامية إلى القضاء التام على الأسلحة الكيميائية في سوريا، ولن تتحقق العدالة لضحايا الهجمات الكيميائية.”
فيما قدمت منظمة هيومن رايتس ووتش نفس التوصيات في نهاية شهر أكتوبر 2017. وفي بيانٍ صحفي، قال أولي سولفانغ، نائب مدير برنامج الطوارىء في المنظمة، ” ينبغي أن ينهي تقرير آلية التحقيق المشتركة الخداع والنظريات الكاذبة التي تنشرها الحكومة السورية. استخدام سوريا المتكرر للأسلحة الكيميائية يشكل تهديداً خطيراً للحظر الدولي على هذه الأسلحة. كل الدول لديها مصلحة في توجيه رسالة قوية بأن هذه الفظائع لن تمر مرور الكرام.”
وأضاف سولفانغ: “دعت روسيا إلى إجراء تحقيقٍ مستقل، وها هي النتيجة. السؤال الآن: هل ستختار روسيا دعم المساءلة عن انتهاك هذه المعايير الدولية أم ستضحي بمبادئها لحماية حليفها السوري؟”
فقد أجاب آخر حق نقضٍ روسي عن سؤاله: في الوقت الراهن لن تكون هناك أي مساءلة. وقال نديم حوري، مدير برنامج الإرهاب ومكافحة الإرهاب لمنظمة هيومن رايتس ووتش في لقاءٍ له مع فَنَك “ستواصل منظمة حظر الأسلحة الكيميائية مهمتها، ولكن لا توجد آلية أخرى على الصعيد الدولي لتحديد أسماء المسؤولين عن هذه الهجمات المؤكدة.” وتابع قوله “بالنسبة لنا، السؤال الرئيسي هو: كيف يمكننا المضي قدماً؟ علينا إيجاد طريقة أخرى لتسمية مرتكبي هذه الجرائم وتقديمهم للعدالة.”
وأضاف “يجب أن يكون هناك مساءلة هنا، والتي ينبغي أن تتخذ عدة أشكال. يمكن للأمم المتحدة وضعها على جدول الأعمال، أو يمكن لعدة دولٍ ممن تهتم بالقضية، مثل فرنسا على سبيل المثال، التأكد من متابعة القضية. هل سيؤثر ذلك على سوريا في المستقبل؟ يعتمد هذا حقاً على ردود فعل الدول الأخرى، لأن الأمر واضحٌ بالنسبة لروسيا: فهم لا يريدون إثارة ضجة كبيرة حول هذا الأمر. كما سيكون الأمر بمثابة مثالٍ يحتذى به، فالأمر يتعلق باستخدام الأسلحة الكيميائية في جميع أنحاء العالم، وليس في سوريا فحسب.”
ومع استمرار محادثات السلام السورية الأخيرة في جنيف بسويسرا، يتفاءل القليل بتحقيق أي تقدم. فبعد أشهرٍ من الجمود، من المتوقع أن تركز المحادثات في المقام الأول على دستورٍ جديد وإجراء الانتخابات، مع احتمالٍ ضئيل بالتطرق على الإطلاق لقضية الهجمات الكيميائية.