وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

احتجاجات عنيفة في العراق أثارتها مظالم قديمة

Iraq- Protests in Iraq
متظاهر عراقي يرفع شارة النصر أثناء مظاهرات مناهضة للفساد وسوء الخدمات العامة وانتشار البطالة في ساحة الطيران في العاصمة بغداد في الثاني من أكتوبر ٢٠١٩. Photo: AHMAD AL-RUBAYE / AFP

منذ الأول من أكتوبر 2019، هزت العراق موجةٌ جديدة من الاحتجاجات المناهضة للحكومة التي بدأت شرارتها في العاصمة بغداد وانتشرت إلى المدن الجنوبية وسط حملة قمعٍ عنيفة من قبل الحكومة.

فقد قُتل حوالي 100 شخص بحلول 5 أكتوبر، إلى جانب إصابة أكثر من 1000 شخص، وفقاً للجنة العراقية لحقوق الإنسان، وذلك في ظل استخدام الشرطة للرصاص المطاطي وخراطيم المياه والذخيرة الحية لمحاولة تفريق الحشود.

كما فُرض حظرٌ للتجول في العديد من المدن، وتم حظر الإنترنت لتقييد استخدام وسائل التواصل الاجتماعي وغيرها من الوسائل على الإنترنت لمنع المتظاهرين من التواصل مع بعضهم البعض أو نشر صور الاحتجاجات.

وعليه، أعربت جماعاتٌ حقوقية عن قلقها من أن الاحتجاجات، التي قيل إنها بدأت بسلمية، قوبلت بقوة غير متناسبة في بغداد والناصرية والعمارة والبصرة. ومع ذلك، ظل الشمال الكردي واحداً من المناطق القليلة التي لم تمسها الاضطرابات.

تم إغلاق معبرين حدوديين مع إيران وأغلق المتظاهرون مطار بغداد مؤقتاً، كما هددوا باقتحام السفارة الأمريكية، وأجبروها على تعليق الخدمات القنصلية.

البلاد ليست غريبة على المظاهرات، لكن يبدو أن العمل الجماهيري هذه المرة كان أكثر انتشاراً وأقل تنسيقاً، مما جعل احتواءها أكثر صعوبة. ومع ذلك، فإن سبب الاضطرابات هو قائمةٌ طويلة ومألوفة من المظالم.

وغالباً ما يتم إثارة الاحتجاجات من قبل رجل الدين الشيعي والزعيم السياسي مقتدى الصدر، ففي مايو، على سبيل المثال، انضم الآلاف إلى المسيرات التي خرجت لحث قادة العراق على النأي بنفسهم عن النزاعات السياسية بين إيران والولايات المتحدة.

فقد كان هناك استياء متزايد من سوء الخدمات الحكومية وتدهور الرعاية الصحية، فعلى سبيل المثال، تبين أن إمدادات المياه الملوثة في البصرة قد سممت 60 ألف شخص على مدار شهرٍ واحد في عام 2018، مما دفع الناس إلى الشوارع للمطالبة بالإصلاحات على مستوى المحافظة والمستوى الوطني.

وحالياً، تصل المنازل في العراق حوالي 12 ساعة وصل من الكهرباء يومياً فحسب. كما استحوذ الفساد المستشري على ازدراء السكان، حيث اتهمت الإدارات المتتالية بسحب ما يصل إلى 450 مليار دولار من أموال الدولة. فالعراق يحتل المرتبة 168 من بين 180 دولة على مؤشر مدركات الفساد التابع لمنظمة الشفافية الدولية عام 2018.

Protests in iraq
المصدر: Wikipedia and acleddata.com. @Fanack
ووفقاً لما قاله عباس كاظم، الزميل البارز ومدير مبادرة العراق في المجلس الأطلسي، فإن الاحتجاجات الأخيرة اندلعت جزئياً بسبب إقالة قائد مكافحة الإرهاب الشعبي، القائد الركن عبد الغني الأسدي، الذي يُعزى إليه الفضل إلى حدٍ كبير في طرد تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” من العراق.

وبحسب ما قاله كاظم، “كان ذلك غير متوقع لأن الحكومة العراقية كانت [تستمتع] بصيفٍ دون أي احتجاجات كبيرة، وهو مؤشرٌ على أن الخدمات قد شهدت بعض التحسن الذي كان في السابق السبب الرئيسي للاستياء في البلاد.”

تصاعدت الاحتجاجات الأولية بعد مواجهتها بالعنف وتحولت الاعتقالات إلى إصابات.

كما دعا المتظاهرون إلى الحفاظ على الوطن، وهتفوا بشعاراتٍ ضد تدخل إيران في شؤون العراق، مثل التحذيرات الأخيرة من إيران بأنها ستستهدف الولايات المتحدة في العراق إذا هددت الولايات المتحدة إيران.

كما وردت تقارير تفيد بأن أعضاء وفدٍ دبلوماسي عراقي تعرضوا للتهديد في مدينة مشهد الإيرانية، مما دفع وزارة الخارجية العراقية إلى إغلاق قنصليتها في المدينة.

وبحسب السيدة كلاريس باستوري، الدبلوماسية الأوروبية التي خدمت في كلٍ من بغداد وإربيل، فإنه بالإضافة إلى التظلمات بشأن الخدمات، “هناك شعور، خاصة في الجنوب الشيعي، بأن العراق يخدم المصالح و‘الأسياد‘ الإقليميين [بدلاً من] مصالحه المشتتة. ويبدو أن الهدف الخارجي الرئيسي للشكوى هو إيران، وبالتالي لا شيء طائفي.”

وأضافت أنه بدلاً من التدابير الشرطية الصارمة، “ينبغي أن يكون هناك رؤية موضع ثقة نحو مستقبلٍ أفضل.”

بينما زعمت تقارير أخرى أن محمد رضا السيستاني، نجل الزعيم الديني آية الله علي السيستاني، حذر قاسم سليماني، قائد فيلق القدس الإيراني، من أن العراقيين سيثورون إذا تعاملت إيران مع العراق بهذه الطريقة.

كما أعرب بعض أعضاء النخب السياسية عن تعاطفهم مع مطالب المحتجين، مثل رئيس البرلمان محمد الحلبوسي. وعلاوةً على ذلك، حاول علاء العلوان، وزير الصحة والمدير الإقليمي السابق لمنظمة الصحة العالمية، الاستقالة في سبتمبر، مستشهداً بالابتزاز والفساد في خطاب الاستقالة الذي رفضته الحكومة.

من جهته، دعا الصدر، الذي فاز ائتلافه بأكبر عددٍ من المقاعد في انتخابات العام الماضي، الحكومة بأكملها إلى الاستقالة، وطالب بإجراء انتخاباتٍ مبكرة يراقبها خبراء دوليون وحث المشرعين على مقاطعة الجلسات البرلمانية إلى حين استجابة الحكومة لمطالب المحتجين.

وعلى الرغم من توجيه اللوم المباشر إلى الحكومة، إلا أن رئيس الوزراء عادل عبد المهدي كان قد تقلد منصبه في بداية العام وورث معه معظم المشاكل التي تعاني منها البلاد.

فقد أدت سنواتٌ من عدم الاستقرار والعقوبات إلى صعوباتٍ اقتصادية حادة رغم امتلاك العراق رابع أكبر احتياطي نفط في العالم، وفقاً لصندوق النقد الدولي. ومع ذلك، تظهر أرقام البنك الدولي أن ما يقرب من ثلاثة أخماس الـ40 مليون عراقي يعيشون على أقل من 6 دولارات في اليوم. كما أن نسب البطالة مرتفعة، والمدارس وإمدادات الطاقة والبنية التحتية سيئة.

وفي خطاب متلفز في الساعات الأولى من صباح يوم الجمعة، في الرابع من أكتوبر 2019، اعترف عادل عبد المهدي بأنه لا يوجد حلٌ سحري لمشاكل مستوطنة مثل الفساد، بيد أنه تعهد بإصدار تشريعاتٍ لتوفير دخل أساسي للأسر الأكثر فقراً وخلق فرص عملٍ أفضل.

ومع استمرار ارتفاع عدد القتلى، طلبت الأمم المتحدة إجراء حوارٍ، بينما قالت منظمة العفو الدولية إنه يتعين على قوات الأمن التوقف فوراً عن استخدام القوة المفرطة والقاتلة ضد المحتجين.

وقالت لين معلوف، مديرة أبحاث الشرق الأوسط بمنظمة العفو الدولية، “إنّه لمن المشين أن تتعامل قوات الأمن العراقية مراراً وتكراراً مع المحتجين بهذه الوحشية باستخدام القوة المميتة، وغير الضرورية.”

وأضافت “يجب على الدولة أن تلتزم بمحاسبة المسؤولين عن ذلك، ويجب ألا تكون هذه حالة أخرى من الحالات التي تعلن فيها الحكومة عن إجراء تحقيق، أو تشكيل لجنة تحقيق لا تسفران عن أي نتائج.”