وسط تدهور الأوضاع الإنسانية والأمنية داخل مخيم الهول في شمال شرق سوريا، يُحتجز أبناء مقاتلي الدولة الإسلامية “داعش” الأجانب مع عائلاتهم بينما يقرر العالم مصيرهم.
عندما سقطت بلدة الباغوز في شرق سوريا، آخر معاقل داعش، أمام قوات التحالف في أوائل عام 2019، بدا أن الجماعة الجهادية تلفظ أنفاسها الأخيرة. ومع ذلك، تشير التقارير الحديثة إلى أن المعركة للقضاء على داعش لم تنتهِ بعد.
ففي أغسطس، قال تقريرٌ للبنتاغون إن الجماعة “تعاود الظهور” في سوريا، التقرير الذي اتفق معه مظلوم كوباني عبدي، قائد قوات سوريا الديمقراطية التي يقودها الأكراد، والذين يديرون مخيم الهول، في سبتمبر.
وفي الوقت نفسه، دعا زعيم داعش أبو بكر البغدادي المقاتلين إلى إطلاق سراح الجهاديين المحتجزين وعائلاتهم.
فيما إدعى مصطفى بالي، مدير المركز الإعلامي لقوات سوريا الديمقراطية، في 30 سبتمبر أن “داعش كثفت جهودها لإعادة تجميع صفوفها من خلال النساء في المخيم،” وحذر من أن الأمر قد يكون “خطيراً في المستقبل ما لم تتحمل الحكومات مسؤولية مواطنيها.”
يتم اعتقال الآلاف من مقاتلي داعش وعائلاتهم في السجون المؤقتة في المخيمات السورية والعراقية، ويعدّ الهول واحداً من أكبر المخيمات في شمال شرق سوريا، ويقع على مشارف البلدة التي تحمل الاسم نفسه.
المخيم، الذي بُني لاستيعاب 40 ألف نسمة، يضم حالياً حوالي 70 ألفاً، 11 ألفاً منهم من النساء الأجانب وأطفالهم ممن عاشوا، كما يُقال، في ظل ما يُسمى بخلافة داعش. في حين أن ما يُقدر بـ7 آلاف منهم من الأطفال تحت سن الـ12 عام.
في حين ذكرت لجنة الإنقاذ الدولية، وهي منظمة عالمية غير حكومية للإغاثة والإعانة الإنسانية، إن سكان الهول يواجهون “حياة تشبه العذاب،” إذ يُمنع الأجانب، بمن فيهم الجزائريون والإندونيسيون والماليزيون والمغاربة والروس والتونسيون والأتراك والأوزبك والبريطانيون والسويديون، من مغادرة المخيم باستثناء حالات الطوارىء.
وفي يوليو من هذا العام، توفي حوالي 240 طفلاً في المخيم أو في طريقهم إلى المخيم، الذي يعاني من نقص في الماء والغذاء والأدوية.
فقد أثارت الظروف الإنسانية في المخيم، بما في ذلك المراحيض الفائضة، وتسرب الصرف الصحي حول الخيام وخزانات مياه الشرب التي تحتوي على الديدان، مخاوف إنسانية، كما ذكرت هيومن رايتس ووتش أنها شاهدت أطفالاً صغاراً يعانون من طفحٍ جلدي بأطراف هزيلة ينبشون في القمامة، فضلاً عن الوفيات الناجمة عن الإسهال والأمراض الشبيهة بالإنفلونزا.
وصل العديد من سكان المخيم مؤخراً، رغم أن بعضهم قالوا إنهم يتواجدون هنا منذ أكثر من عام. تم نقل بعضهم أو تغير أماكنهم، ومن بين أولئك ممن كانوا ضمن صفوف داعش نازحون سوريون أو من خارج تنظيم داعش.
وقال الصحفيون والباحثون الذين تواجدوا في المخيمات وأجروا مقابلاتٍ مع نساء أجنبيات من المناطق التي يسيطر عليها داعش، إن الذين تحدثوا إليهم كانوا يرغبون في العودة إلى وطنهم وأنهم مستعدون لمواجهة تداعيات قرارهم.
كما دعت الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، والمعروفة أيضاً باسم روجافا، الدول إلى إعادة مواطنيها، وهي دعواتٌ تم تجاهلها إلى حدٍ كبير. لم يتم إرجاع سوى عدد قليل من المواطنين، حيث أشارت الحكومات إلى المخاطر والمضاعفات الأمنية المتعلقة بالتحقق من جنسية الأطفال.
هناك شكوك أيضاً فيما إذا كانت ستتم إدانة العائدات في محكمةٍ قانونية، ذلك أن العديد من النساء لم يرتكبن أعمال عنف رغم ولائهن لأيديولوجية داعش.
فقد ذهبت المملكة المتحدة إلى حد تجريد أتباع داعش من جنسيتهم البريطانية، وكانت قضية شيماء بيجوم البارزة مثالاً على ذلك. وعلى العكس من ذلك، أعادت الولايات المتحدة عدداً من مواطنيها الذين قاتلوا مع داعش، الذين ينتظر العديد منهم المحاكمة، بينما يتواصل الضغط على الدول الأوروبية لإعادة مواطنيها المرتبطين بالجماعة الإرهابية.
تتعدى التعقيدات قضية الجنسية والعودة إلى الوطن، حيث لا تزال العديد من النساء ملتزماتٍ بالإيديولوجية المتطرفة لداعش. فقد قالت سيسيليا أودين، وهي صحفية سويدية زارت الهول في مايو، لفَنَك إن عدداً من النساء يرفضن استنكار بعض أسوأ أعمال داعش مثل رمي المثليين من فوق أسطح المنازل.
ووفقاً للقانون الدولي، فإن الظروف الشبيهة بالاحتجاز في الهول تنتهك حظر العقاب الجماعي، ويجب أن يتم الاعتقال أثناء الحرب على أساسٍ قانوني واضح. كما يحق للمحتجزين الطعن في أسرِهم أمام المحكمة، وفقاً لـهيومن رايتس ووتش.
ربما تم انتهاك المعايير الدولية على نحوٍ أكبر من خلال الحرمان من المساعدات الأساسية، إذ تفتقر قوات سوريا الديمقراطية إلى الموارد اللازمة لإدارة المنشأة المكتظة، حيث ارتفع عدد السكان منذ سقوط الباغوز، على الرغم من تدهور الأوضاع في المخيم منذ شهر يناير عندما التحق حوالي 23 ألف شخص بالمخيم لمدة شهرين.
ومع ذلك، يحجم المانحون عن دعم السكان المرتبطين بعلاقات مع داعش، وقد تُستخدم المساعدات في تمكين الاحتجاز لأجلٍ غير مسمى.
وبالرغم من وجود منظمات الإغاثة في المخيم، إلا أنها تتوارى عن الأنظار، ويشير البعض، بحسب أودين، إلى أن السلطات الكردية تقيد دخولهم.
كما ذكر تقرير البنتاغون نفسه الصادر في أغسطس إنه كان من الصعب مراقبة الحركات المحلية داخل المخيم، لكن كان هناك اعتراف بأن أيديولوجية داعش انتشرت “بلا منافس.”
من جهتهم، يجادل الخبراء بأن نقص المساعدات الأساسية قد غذى التطرف، وأن نساء داعش المتشددات يقمنّ بالتجول في المخيمات ويحاولن تكرار نسخة قوانين الشريعة التي انتشرت في الخلافة، إذ كان الخطر الأكثر مباشرةً يحيط بالنساء الأخريات في المخيم.
وقالت أودين إن أولئك “المتطرفون المتشددون” ينتقمون ويفرضون أحكامهم على الآخرين.
كما أضافت، “هناك عقوبات، هناك جرائم قتل. كما أن هناك شائعات بأن بعض النساء الشيشانيات والتونسيات هن الأكثر تطرفاً، لذا فقد أقمنّ الحسبة [الشرطة الأخلاقية لداعش]،” مضيفةً أنه تم دفن جثث القتلى خارج المخيم أو تحت خيامهم.
وهنا، تستذكر أودين، “تحدثت إلى نساء سويديات،” وأضافت “كن من جهة مرعوباتٍ من هؤلاء النسوة المتطرفات، ومن ناحيةٍ أخرى مرعوباتٍ من الحراس الذين قالوا إنهم يأتون إلى الخيام ليلاً ويداهمونهم بحثاً عن هواتف، ويضربون النساء والأطفال ويسرقون أموالهم.”
عندما اندلعت أعمال الشغب في المخيم في 30 سبتمبر، ادعى المرصد السوري لحقوق الإنسان الذي يتخذ من لندن مقراً له، أن النساء المتورطات كنّ يعملن متخفياتٍ تحت اسم الحسبة، حيث استخدمنّ الأسلحة النارية.
تضغط الإدارة الذاتية من أجل إنشاء محكمة دولية لمقاتلي داعش والجماعات التابعة لها، وهو مسعى تدعمه الحكومة الهولندية. ومع ذلك، تخشى أودين من نسيان العالم للهول “ما لم تكن هناك حملة إعلامية ضخمة.” بيد أن هذا لم يحصل ذلك أن التغطية لم تتجاوز بعد الإبلاغ عن الظروف البائسة في المخيم والسكان الذين ما زالوا في حالةٍ من النسيان. وبالتالي، لم تكن هناك قوة تعبئة لحشد الانتباه إلى المخيم.
كما أن مخيم الهول عالقٌ في حالةٍ من عدم الاستقرار الجيوسياسي بين الحكومة التركية من جهة، التي تهدد باحتلال الأراضي الكردية على الحدود التركية السورية، والنظام السوري من جهةٍ أخرى، الذي يريد إعادة احتلال جميع الأراضي السورية.
وصفت أودين الوضع بأنه “قنبلة موقوتة،” مشيرةً إلى أن نساء داعش يقمنّ بتعليم أطفالهم بعيداً عن المدارس الرئيسية، وقد يشعر هؤلاء الأطفال أن عليهم تكريم أسماء آبائهم والانتقام لهم في المستقبل.
في خطابٍ مفتوح إلى الحكومات الغربية، أعرب خبراء الأمن القومي أيضاً عن قلقهم من احتمال حدوث رد فعل من جراء التخلي عن أبناء المقاتلين الأجانب وعائلاتهم في سوريا.
كما عبر كولين ب. كلارك، وهو زميل أقدم في معهد أبحاث السياسة الخارجية، عن مشاعر مماثلة، حيث كتب: “من خلال إعادة المواطنين إلى بلدانهم الأصلية ومحاسبتهم على جرائمهم، يمكن لأوروبا ودولٍ أخرى توطيد القيم التي تفصل بين الأمم التي تحترم حقوق الإنسان وسيادة القانون، والجماعات الإرهابية مثل داعش.”
وقال إن التخلي عن “المتطرفين المحليين” من شأنه أن يعزز رواية الغرب ضد الإسلام، ويغذي الدعاية الجهادية.
لا تزال الأوضاع في الهول تتطور بعيداً عن أعين المجتمع الدولي، مع تأخر الحكومات في اتخاذ إجراءاتٍ لتحديد مصير الأجانب المحتجزين هناك، مما قد يجعل التداعيات المحتملة أكثر عنفاً.