فازت قطر في عام 2011، بشرف استضافة نهائيات بطولة كأس العالم لكرة القدم عام 2022. وخلافاً لجميع التوقعات، فازت الإمارة الصغيرة الغنية بالنفط بكأس آسيا 2019 في فبراير الماضي. تظهر هذه الانتصارات قبضة قطر التي تمكنت من تحقيقها على كرة القدم العالمية في السنوات الأخيرة.
فقد فازت قطر على اليابان بنتيجة 3-1 في الحدث الذي أقيم في دولة الإمارات العربية المتحدة، لتصبح بطلةً قارية لأول مرة وفي أول ظهورٍ لها في أحد نهائيات عالم المستديرة. وصفت القناة الرياضية ESPN ومقرها الولايات المتحدة، الفريق القطري بالمنتخب اليافع والسريع والمستعد، “بالنظر إلى أعمار المشاركين، فلا ينبغي سوى أن يتحسن أداء المنتخب ليكون على أهبة الإستعداد بحلول موعد نهائيات كأس العالم 2022.”
إلا أن فوز المنتخب القطري لا يتعلق فقط بقطر، فكما ذكرت رويترز في مقال نشرته يوم 2 فبراير، “ربما يكون اكتساح قطر لضمان لقب كأس آسيا لأول مرة في أبو ظبي هو أسوأ السيناريوهات بالنسبة للبلد المضيف، إلا أنه أيضاً منح الأمل لكرة الخليج بأنه لربما الآن لن تكون هذه تجربةً مذلة للمنطقة في كأس العالم 2022.”
وفي ديسمبر 2018، قال جياني إنفانتينو، رئيس الإتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) وخليفة سيب بلاتر، خلال كلمةٍ ألقاها أمام زعماء مجموعة العشرين، “يمكن لكرة القدم أن تجمعنا وتجعل العالم مكاناً أكثر ازدهاراً وتعليماً ومساواةً وربما أكثر سلاماً.”
لا شيء يجافي الحقيقة أكثر مما حصل في كأس آسيا، حيث حاولت دولة الإمارات العربية المتحدة، المنخرطة حالياً مع دولة قطر في أزمةٍ دبلوماسية حول دعمها المزعوم للإرهاب، منع مشجعي قطر من حضور المباريات واعتقلت رجلاً لارتدائه قميص منتخب قطر. كما شكك الاتحاد الإماراتي لكرة القدم في أهلية بعض لاعبي قطر، بما في ذلك أفضل هداف في البطولة المعز علي، إلا أن الاتحاد الآسيوي لكرة القدم، الهيئة الإدارية الإقليمية للرياضة، رفض الشكاوى المقدمة ضدهم.
فقد أصبحت الرياضة في الخليج ساحة معركةٍ سياسية، كما أوضح سيمون تشادويك، أستاذ المشاريع الرياضية بجامعة سالفورد في المملكة المتحدة، لفَنَك في أكتوبر 2018، إذ قال “تستثمر قطر بكثافة في مجال الرياضة منذ أكثر من عشر سنوات الآن لأن هذه إحدى الطرق لرفع مكانتها وإبراز ذاتها على المستوى العالمي، وبناء سوق مستدامة، وممارسة القوة الناعمة، وخلق تماسك اجتماعي وطني، ومعالجة مرض السكري من خلال ممارسة الرياضة. تأخذ قطر الرياضة على محمل الجد، الأمر الذي توّج بترشحها لاستضافة نهائيات كأس العالم عام 2022. فهي تستضيف بالفعل منافساتٍ سنوية مثل بطولة العالم لألعاب القوى، وأصبحت بمثابة وجهة للأحداث الرياضية.”
تم بناء منتخب قطر من الصفر، دون تخصيص أي نفقاتٍ لإنجاحه. جلب مدرب المنتخب فيليكس سانشيز، لاعبين من أكاديمية أسباير ومنتخب اليافعين القطري، مما خلق واحداً من أصغر المنتخبات في كأس آسيا، حيث سيقترب النجمان المعز علي وأكرم عفيف من القمة مع استضافة قطر لكأس العالم.
سانشيز هو مدرب كرة قدم إسباني بدأ مسيرته مع نادي برشلونة لكرة القدم قبل أن يتوجه إلى قطر وأكاديمية أسباير، التي تأسست في عام 2004 بهدف الاستكشاف والمساعدة في تطوير الرياضيين القطريين وفي الوقت نفسه تزويدهم بالتعليم الثانوي. أثبت نفسه من خلال الفوز ببطولة آسيا تحت 19 عاماً عام 2014. ومع ذلك، لبناء منتخبٍ قوي، كان عليه التوجه إلى الخارج، إذ تُشكل ثلاثة عشر جنسية إلى جانب القطريين المنتخب الوطني القطري، بما في ذلك 11 أفريقياً، معظمهم من السودان.
من جهتها، تنص قواعد أهلية اللاعبين التابعة للفيفا على أنه يجب أن يكون اللاعب “قد عاش بشكلٍ مستمر لمدة خمس سنواتٍ على الأقل بعد بلوغه سن 18 عاماً على أراضي الاتحاد المعني،” مما دفع قطر إلى منح الجنسية القطرية لمعظم لاعبيها. تقدمت الإمارات، خصم نصف نهائي كأس آسيا، والتي فازت عليها قطر بأربعة أهدافٍ نظيفة، بشكوى بعد المباراة بدعوى أن اللاعبين لم يكونا مؤهلين للعب مع المنتخب. أثارت عدم استجابة الاتحاد القطري لكرة القدم مزيداً من التساؤلات، كما أن إحالة الإتحاد الدولي لكرة القدم المسألة إلى الاتحاد الآسيوي لكرة القدم قد يشير إلى أنه لربما يغض الطرف عن الأمر مع اقتراب كأس العالم.
وعلاوةً على ذلك، لا توجد أرقامٌ محددة لاستثمارات قطر في منتخبها الوطني أو فيما يتعلق بالاستعدادات لعام 2022. ومع ذلك، وفقاً لما أوردته مجلة ميدل إيست إيكونوميك دايجست (MEED)، ستنفق قطر 100 مليار دولار فقط على البنية التحتية المرتبطة بالبطولة. ومنذ البداية، وضعت الحكومة برنامجاً استثمارياً هائلاً، حيث قال وزير المالية علي شريف العمادي في فبراير 2017 إن قطر تستثمر 500 مليون دولار في البنية التحتية كل أسبوع. كما قال مسؤولٌ قطري كبير إن قطر تريد أيضا تطوير قطاع الرياضة المحلي وجذب المزيد من شركات الرياضة الأجنبية بهدف تطوير صناعة بقيمة 20 مليار دولار قبل كأس العالم.
تحتل البلاد حالياً المركز 93 في التصنيف العالمي للفيفا، بفارق نقطةٍ واحدة عن ترينيداد وتوباغو وبفارق بسيط عن جمهورية بنين، بينما تحتل الإمارات العربية المتحدة المركز الـ 98. ووفقاً لصحيفة ذا إندبندنت البريطانية، فإن “المنتخب [الوطني] القطري قدم أداءً مثيراً للإعجاب في [ كأس آسيا]، حيث برز حتى بالمقارنة مع المنتخبات الأرستقراطية الآسيوية، مثل اليابان.” وأضافت الصحيفة، “إن هذا يشير إلى أن استراتيجيات اكتساب وتطوير المواهب في البلاد تحقق النتائج المرجوة منها. وبغض النظر عن رأيك في حصاد اللاعبين، فإن بعض الإجراءات مثل إنشاء أكاديمية أسباير على مشارف [العاصمة] الدوحة وشراء النادي البلجيكي أويبن (KAS Eupen) (كوسيلة يمكن من خلالها صقل مهارات اللاعبين القطريين) تؤتي ثمارها.”
وعلى مدار العقد الماضي، استثمرت قطر بكثافة في كرة القدم في الخارج، حيث بلغت استثماراتها 1,6 مليار دولار منذ عام 2012 لصالح الفرق الضخمة مثل نادي باريس سان جرمان الفرنسي وبرشلونة في إسبانيا. ويبدو أن الاستثمار في الرياضة ليس مجرد وسيلةٍ لقطر للترويج لنفسها خارج منطقة الخليج فحسب ولكن أيضاً لتأمين الدخل في عالمٍ يتوقع أن تنخفض فيه عائدات النفط.
عام 2022 هو أول عامٍ يتم فيه اختيار قطر لاستضافة كأس العالم، مكانةٌ شرفت البلاد كدولةٍ مستضيفة، فضلاً عن كونها أول فرصةٍ للبلاد لتثبت قوة قبضتها على كرة القدم على الساحة العالمية.