وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

ارتفاع عمليات الهدم في الأراضي الفلسطينية المحتلة

Demolition palestine
فلسطيني يمر بجانب أنقاض أحد المباني، الذي تم بناؤه حسب ما ورد، دون تصريح بناء إسرائيلي، بعد أن هدمه عمال بلدية القدس، في حي العيسوية الذي تقطنه أغلبية من العرب في 17 ديسمبر 2019. Photo: AHMAD GHARABLI / AFP

بحسب العديد من المنظمات غير الحكومية، فإن أعداد المنازل الفلسطينية التي يتم هدمها في الأراضي الفلسطينية المحتلة آخذٌ في الارتفاع.

فقد ذكر تقريرٌ حديث نشرته منظمة عير عميم، غير الحكومية الإسرائيلية، إن عمليات الهدم في القدس الشرقية زادت بنسبة 44%- حيث هدمت إسرائيل 104 وحدات سكنية في عام 2019 في حين بلغ هذا الرقم عام 2018، 72 وحدة- في انعكاسٍ واضح للاتجاه الذي شوهد بين عامي 2016 و2018 عندما انخفضت عمليات الهدم.

في الوقت نفسه، يتم بناء وحداتٍ سكنية جديدة. ومع ذلك، فإن 7% فقط من هذا المخطط هو للفلسطينيين، على الرغم من أنهم يشكلون حوالي ثلث السكان في المنطقة.

فقد ردت إسرائيل على انتقادات عمليات الهدم من خلال الادعاء بأن الممتلكات التي تم هدمها قد بُنيت بشكلٍ غير قانوني في المنطقة “ج،” الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية بالكامل، وأن المحكمة العليا الإسرائيلية قد وافقت على عمليات الهدم.

من جهتهم، يزعم الفلسطينيون أنهم يواجهون أزمة سكنية حادة بسبب الصعوبة المتزايدة في الحصول على تصاريح البناء. وفي الوقت نفسه، تتمتع الأحياء اليهودية بتطورٍ كبير، وفقاً لمنظمة بتسيلم الإسرائيلية غير الحكومية.

في حديثٍ مع الجزيرة، قال المواطن الفلسطيني محمد البرزيان، “أنفقت جميع الأموال التي جمعتها خلال السنوات الماضية لبناء هذا المنزل، وفي لحظات قاموا بتدميره بحجة أنني لم أحصل على تصريح، وأضاف “مع هذا القرار، أصبحت أسرة مكونة من 18 شخصاً بلا مأوى”.

ومن الجدير بالذكر أن القدس الشرقية، التي احتلتها إسرائيل بشكلٍ غير قانوني وفقاً للقانون الدولي منذ حرب عام 1967، كانت نقطةً شائكة في مفاوضات السلام في المنطقة. وحتى ديسمبر 2017، نأى الوسطاء الدوليون بنفسهم عن التركيز على الوضع النهائي للقدس، مع إدعاء كلٍ من الإسرائيليين والفلسطينيين مُلكيتهم لها.

بيد أن الرئيس الأمريكي دونالد ترمب انتهك سنواتٍ من هذه السياسة عندما أعلن أن الولايات المتحدة ستعترف بالقدس عاصمةً لإسرائيل ونقِل سفارتها في تل أبيب إلى هناك في مايو 2018.

يقول البعض إن هذا أدى إلى مزيدٍ من التطورات في المدينة، مما قد يؤدي إلى زيادة تشريد السكان الفلسطينيين وتصنيع أغلبيةٍ يهودية.

إلا أن القدس الشرقية ليست وحدها التي شهدت طفرة في عمليات الهدم، فقد أشارت أرقام الأمم المتحدة إلى أن عمليات الهدم الإجمالية في الضفة الغربية ارتفعت بنسبة 45% في عام واحد. وفي عام 2019، تم تدمير أو مصادرة 393 مبنى فلسطيني في المنطقة “ج،” مقارنة بـ271 في عام 2018. كما ارتفعت عمليات الإخلاء إلى 507 في 2019 من 218 قبل عام.

وجاء الارتفاع في الوقت الذي تعهد فيه وزير الدفاع الإسرائيلي نفتالي بينيت بالحد من مضاعفة المباني الفلسطينية غير القانونية من خلال فرقة عمل جديدة.

وعلى صعيدٍ متصل، زعمت الإدارة المدنية الإسرائيلية، وهي الهيئة الحكومية المسؤولة عن إزالة المباني في الضفة الغربية، أنها لم تضع اللمسات الأخيرة على أرقامها منذ عام 2019 ولا يمكنها تأكيد ما إذا كانت هناك زيادة في عمليات الهدم. ومع ذلك، فقد اعترفت بأن هذا التنفيذ، بما في ذلك الإشراف على البناء غير القانوني في المواقع الأثرية أو بالقرب منها، أصبح أكثر فاعلية.

كما أشارت المحامية قمر مشرقي- أسعد من منظمة حقل لحقوق الإنسان إلى إن التطبيق الواسع لأمرٍ ما يسمح للإدارة المدنية بنقل الأشخاص من المباني الجديدة التي بنيت دون تصاريح خلال 96 ساعة من منحهم إشعارهم الأول، طالما لم يكن هناك أحد يعيش في المبنى لأكثر من 30 يوماً. في حالة المباني غير السكنية، لا يجب أن تمر ستة أشهر منذ اكتمال البناء. في السابق، كان الإجراء القانوني المطول قد يؤدي إلى تأخير عمليات الهدم لفترات طويلة، بيد أن العملية الجديدة تلغي اللجوء إلى الاستئناف.

قد يكون هناك أيضاً خطوة واعية على المستوى السياسي ومن خلال مناصرة اليمين السياسي الإسرائيلي، فقد قامت منظمة ريغافيم، التي أسسها وزير النقل بتسلئيل سموتريتش، بنشر أرقام لما يسمى بالهياكل غير القانونية في وثيقة أطلق عليها “خطة الاستحواذ.”

فقد تم ذكر هذه الأرقام في مناقشات الكنيست (البرلمان) و”تم دمجها في مؤسسة الدفاع بطريقة مهمة،” وفقاً لما ذكره يشاي هامو، مدير عمليات منظمة ريغافيم.

فيما قال جابر دبابسه، أحد سكان قرية خلة الضبع في جنوب الخليل، لصحيفة هآرتس الإسرائيلية: “في سبتمبر الماضي، جاءوا وأعطوني أمر هدمٍ لمنزلي. بعد أقل من شهرين، في نفس اليوم الذي قدمت فيه أوراقاً لمحامي لمحاولة إضفاء الصفة القانونية على المنزل، جاءوا وهدموه.”

وأوضح اميت جيلوتز من بتسيلم لفَنَك أنه في الضفة الغربية، إسرائيل مسؤولة عن سياسة التخطيط والبناء في المنطقة ج فقط، وتستخدم سلطتها لمنع التنمية الفلسطينية. وقال: “الاستثناء الوحيد والنادر نسبياً لهذا كان عمليات الهدم التي وقعت في يوليو [2019] في وادي حمص”.

في تلك الحادثة، تم تدمير 12 مبنى في المناطق الفلسطينية الخاضعة لسلطة السلطة الفلسطينية أو السيطرة الإدارية بعد أن سمحت محكمة إسرائيلية بتنفيذ أوامر الإخلاء، مدعيةً أن المباني كانت على مقربة من الجدار الفاصل.

وفي عام 2019 أيضاً، أثارت مجموعة الأزمات الدولية (ICG) مخاوف بشأن السياسات الإسرائيلية الجديدة التي من شأنها ترسيخ ضمها الفعلي لأجزاء من القدس الشرقية المحتلة. ويشمل ذلك تصنيف جميع أراضي القدس الشرقية في السجل العقاري الإسرائيلي وتحفيز المدارس في المنطقة على اعتماد المنهج الإسرائيلي. كما تشمل خططاً لإعادة رسم الحدود البلدية الحالية لإزالة المناطق الفلسطينية الكثيفة في المدينة التي تقع شرق الجدار الفاصل، وهذا من شأنه أن يحولهم إلى المجالس الإقليمية الإسرائيلية المنفصلة ويمكن أن يسبق إلغاء إقامة الفلسطينيين.

وعلى صعيد متصل، قالت أنجيلا جودفري-جولدشتاين، المدير المشارك لمنظمة تضامن ودعم الجهالين، غير الهادفة للربح، إن البرنامج الحالي للهدم والتوسع الاستيطاني يتعلق بالقدس الكبرى، التي تشمل أريحا والبحر الميت وكذلك مستوطنة معاليه أدوميم المثيرة للجدل ومشروع إي 1. هناك خطط لإنشاء طريق سريع جديد يمر عبر الأحياء الفلسطينية في صور باهر وسلوان ورأس العامود وجبل الزيتون، ويربطه مباشرة مع كتلة إي 1. يمكن أن ينطوي جزء من الطريق على مصادرة 1,23 مليون متر مربع من الأراضي الفلسطينية المملوكة بملكياتٍ خاصة.

ربما تكون الولايات المتحدة متهمة بتسهيل توسيع المستوطنات، لكن الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة أدانوا إسرائيل أيضاً. ففي عام 2018، انتقد الاتحاد الأوروبي إنشاء مركز سياحي في حي بطن الهوى، وهو حي في القدس الشرقية يقع جنوب المدينة القديمة على طريق المسجد الأقصى. وذكر بيانٌ صادر عن الاتحاد الأوروبي أن المركز “يسهل بشكلٍ مباشر نمو المستوطنات” وحذر من أن 100 أسرة ما زالت عرضة للإخلاء.

وفي العام الماضي، قضت محكمة الصلح في القدس بطرد 16 فرداً من نفس العائلة في حي بطن الهوى، بزعم أن المبنى الذي كانوا يعيشون فيه كان به شقوق في الجدار. فقد تسببت الحفريات الأثرية الإسرائيلية في المدينة القديمة في هذه التشققات، وسيتم تسليم المبنى إلى جمعية عتيرت كوهانيم، وهم مجموعة مستوطنين رفعوا العديد من قضايا في المحاكم لتأكيد حقوقهم على مناطق من القدس الشرقية. ووفقاً لمنظمة “السلام الآن” الإسرائيلية، فقد تم إجلاء نحو 700 شخص.

كما تستهدف المجموعة أيضاً أحياء سلوان ووادي الحلوة القريبة، بهدف إجلاء السكان والحفر تحت منازلهم.

وفي الشهر الأول من عام 2020، سلمت السلطات الإسرائيلية بالفعل 30 أمر إخلاء لمنازل فلسطينية.

علاوةً على ذلك، قال كريستيان ساندرز، القائم بأعمال رئيس الأونروا، وكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين، لرويترز إن إسرائيل تسعى لاستبدال خدمات الوكالة بخدماتها.

وأضاف ساندرز إن الأونروا تشعر “بالضغط في القدس الشرقية بشكلٍ خاص،” وأن إسرائيل بصدد بناء المدارس والمؤسسات “للتنافس” مع الوكالة ومنعها من العمل هناك.

في حين أن ممارسة الهدم كانت ولا تزال من الممارسات المتواصلة في فلسطين، يمكن أن يعزى التصعيد الأخير إلى التركيبة السياسية والمزاج السياسي في إسرائيل والعالم، والذي يمتلك القدرة على إعادة تشكيل التركيبة السكانية في المناطق.