جاستن صالحاني
تواجه سياسة جو بايدن الخارجية والتي تتمحور حول حقوق الإنسان تهديدًا خطيرًا على إثر الغزو الروسي لأوكرانيا واعتماد العالم على النفط. وبينما يحضر بايدن أولى جولاته في الشرق الأوسط منذ تولّيه رئاسة الولايات المتحدة، يتساءل الخبراء والمحللون عن احتمال تغيير بايدن لسياسته في المنطقة.
وبحسب الخطة المعلنة، ستكون إسرائيل محور زيارة بايدين. وستشمل الزيارة كذلك المرور على الضّفة الغربية والسعودية، ولكن يبقى ارتفاع أسعار النفط جرّاء الغزو الروسي على رأس أولويات إدارة بايدن. وفي الوقت نفسه، يُعَدُّ سقوط الحكومة الإسرائيلية شاغلًا رئيسًا في جولة بايدن الإقليمية.
فقد اتفق رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت ووزير الخارجية يائير لبيد على حلّ الكنيست الإسرائيلي والدعوة إلى انتخابات مبكرة، على أن يتولى لبيد منصب رئيس الوزراء مؤقتًا حين يزور بايدن إسرائيل في 13 يوليو المقبل. وقد سبق لبايدن العمل مع بينيت اذ سبق واستقبله من قبل في البيت الأبيض. ويُذكر أن العلاقات بين رئيسي الدولتين تشهد تحسنًا بالمقارنةِ بما كان عليه الحال مع بنيامين نتنياهو -زعيم المعارضة الآن- والذي أجرى معه بايدن أول اتصال هاتفي بعد شهر واحد من توليه منصبه.
وأشار بايدن في بداية توليه منصبه إلى رغبته في رسم سياسة خارجية تركّز على حقوق الإنسان. لذلك صارت السّعودية في نظره دولة “منبوذة” وما يزال يرفض حتى الآن التعامل مع محمد بن سلمان ولي العهد والحاكم الفعلي للمملكة. كما أثار بايدن غضب المملكة بتجميد بيع الأسلحة للرياض ورفع السّرية عن تقاريرٍ استخباراتية كشفت تورط أطراف في الحكومة السعودية في مقتل الكاتب في صحيفة واشنطن بوست جمال خاشقجي.
لكن يبدو أن الغزو الروسي لأوكرانيا قد وضع بايدن في موقف حرج، وهو ما يتجلى في تصريحاته عن زيارته المقررة إلى السعودية. إذ يتحسس بايدن حديثه ليوازن بين سياسته المذكورة وإعادة النظر في علاقاته بالمملكة.
وقد صرّح بايدن عن زيارته إلى السعودية: “لست ذاهبًا للقاء محمد بن سلمان، بل سيكون ذلك اجتماعًا دوليًا وسيحضره ولي العهد”.
ومواصلة لسياسة الإدارة السابقة، تسعى إدارة بايدن إلى زيادة عدد دول الشرق الأوسط المطبّعة مع إسرائيل منذ توقيع اتفاقيات إبراهيم بين إسرائيل والإمارات والبحرين في عهد ترامب. ولا يربط بين السعودية وإسرائيل أي علاقات دبلوماسية رسمية، وإذا اعترفت المملكة النفطية رسميًا باسرائيل، فسيكون ذلك هدية عظيمة للدولة اليهودية.
لكن المحللين والخبراء السياسيين لم تقنعهم ادّعاءات بايدن أن زيارته للسعودية هدفها مناقشة التطبيع مع إسرائيل وليس أسعار النفط.
وقال فراس مقصد، الأستاذ المساعد في جامعة جورج واشنطن في حديثه لقناة العربية: “يبدو جليًا أن إدارة بايدن تعتقد أن الشرق الأوسط سيكون له دور كبير في التأثير على الأسواق، لا سيما أسواق أوروبا التي زاد اهتمامها مؤخرًا بالبحث عن بدائل للغاز الروسي أكثر مما مضى”.
ونتيجةً للغزو الروسي، خفّضت العديد من الدول الغربية استهلاك النفط الروسي أو قطعته بشكلٍ تام. كما فرضت الولايات المتحدة عقوبات شديدة على روسيا. وقد أدى ذلك إلى ارتفاع التكاليف العالمية للبنزين ارتفاعًا كبيرًا، وصار بايدن هدفاً لخصومه المحليين الذين حمّلوه مسؤولية هذا الارتفاع فضلًا عن التضخم. ومع اقتراب موعد انتخابات التجديد النصفي في الكونغرس بعد أشهر قليلة، يسعى بايدن إلى إيجاد حل لهذه الأزمة بالتقرب من دول سبق أن حاولت الولايات المتحدة عزلها.
وربما يتنازل بايدن عن سياسته الخارجية الحقوقية بالنظر إلى الوضع العالمي الحالي. وبالطبع لن يكون هذا أول تنازل تقدّمه الإدارة الأمريكية في قضايا قتل الصحفيين أو ملف حقوق الإنسان. وقد دعت وزارة الخارجية الأمريكية إسرائيل إلى فتح تحقيق في مقتل الصّحفية الأمريكية الفلسطينية شيرين أبو عاقلة، وذلك رغم مطالبة المدافعين عن حرية الصحافة وعشرات المشرّعين الأمريكيين بل ووزير الخارجية أنطوني بلينكن نفسه بإجراء تحقيق مستقل.
وقد أدلى بايدن بتصريحات كثيرة عن إيمانه بحقوق الإنسان وضرورة دعم الديمقراطية ضد الأنظمة الاستبدادية. وهذا على النقيض من نهج سلفه دونالد ترامب الذي تقرّب بصورة علانية من طغاة الشرق الأوسط. وليس ذلك بجديد، فازدواجية السياسة الخارجية للولايات المتحدة تجاه الشرق الأوسط إرث قديم. وأمام كل شخص يدافع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان، ستجد من هم مثل بريت ماكغورك، مستشار البيت الأبيض لشؤون الشرق الأوسط، الذي صرّح بعد عام من تقرير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية الذي كشف تورط محمد بن سلمان في مقتل خاشقجي قائلًا: “لقد عملت مع محمد بن سلمان، وهو رجل يقبل النقاش والتفاهم”.
ولكن وجهة نظر ماكغورك تناقض ما يراه خصوم بن سلمان السعوديين. فقد قال خالد الجبري في حديثه مع موقع “فوكس“Vox/، وهو رجل أعمال سعودي استهدف محمد بن سلمان عائلته وسجنه بتهم ملفقة: “يتطلب الإصلاح تأسيس علاقات مؤسسية بين كبار المسؤولين وإخراج محمد بن سلمان من المعادلة السياسية”.
وما يزال موقف الولايات المتحدة من حقوق الإنسان على مستوى العالم مأزومًا بسبب اعتمادها المفرط على النفط. ويحاول بايدن حلّ المشكلات المحلية ومعضلات السياسة الخارجية، لكنّه على الأرجح ولن يحرز أي تقدّم يُذكر في أي منهما. وقد زاد الطين بلةً بسبب مستجدات السياسية في إسرائيل بحيث صار إنجاز الهدف النهائي من زيارة بايدن إلى الشرق الأوسط أصعبًا.
وفي السياق ذاته، قال بروس ريدل، الزميل الأول في معهد بروكينغز والمتخصص في السياسة الخارجية الأمريكية، في حديثه إلى “فوكس”: “لا أرى ضرورة لهذه الزيارة ولا أعتقد أنها ستعزز فرص الرئيس في استطلاعات الرأي، بل ربما تؤثر عليه سلبًا. وإذا وصلنا إلى الأول من أغسطس وسعر الغالون في محطة الوقود 5 دولارات، فسوف يُصاب الناس بخيبة أمل كبيرة ويتساءلون: ‘لقد ذهبت إلى السعودية، فماذا جنينا من ذلك؟’.
فحرب روسيا تهدد بإفشال سياسة بايدن الخارجية، لكنها تكشف أيضًا أثر الطاقة على الواقع السياسي. فهي لا ترتبط جوهريًا بالاقتصاد فحسب، بل بتطبيق سياسات حقوق الإنسان في الوقت عينيه. وإذا لم يتغير الاعتماد العالمي على النفط، فقد يتعين على بايدن التراجع عن دعم الديمقراطية ضد الاستبداد.