بقلم: صوفيا أكرم
انقضى أكثر من عامين، ولا تزال العدالة لم تأخذ مجراها للصحفي القتيل جمال خاشقجي. وعلى الرغم من قائمة الملاحقات القضائية في المملكة العربية السعودية على الجريمة، تظل الحقيقة حول تلك الليلة لغزاً رئيسياً يمكن للولايات المتحدة أن تلعب دوراً مهماً في الإجابة عليه. واليوم، يقع عبء هذه المسؤولية على عاتق الرئيس المنتخب جو بايدن، وقد يكون لخطواته علاقة كبيرة بكيفية إدارته للعلاقة بين الولايات المتحدة والسعودية – الشراكة الثنائية البارزة على المسرح العالمي.
ففي 2 أكتوبر 2018، دخل الصحفي في واشنطن بوست الذي يعيش في منفى اختياري إلى القنصلية السعودية في اسطنبول بتركيا، بينما كانت خطيبته خديجة جنكيز تنتظره في الخارج، بيد أنه لم يخرج قط. اتضح لاحقاً أنه قُتل على يد مسؤولين سعوديين، على الرغم من الروايات المتضاربة في أعقاب عملية القتل.
وبحسب ما ورد، حققت النيابة العامة السعودية مع 31 شخصاً وحاكمت 11 في محاكمةٍ مغلقة لم تستوفي المعايير الدولية، وذلك بحسب هيومن رايتس ووتش.
بدايةً، حُكم على خمسة أشخاص بالإعدام، لتخفف الأحكام فيما بعد بعقوبة السجن، بينما يقضي ثلاثة آخرون أحكاماً يصل مجموعها إلى 24 عاماً. ومع ذلك، يقول المراقبون أنه لم تتم محاسبة مهندسي الجريمة الرئيسيين، بمن فيهم ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، الذي خلصت وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية إلى كونه من أمر بالاغتيال.
وفي هذا الصدد، قالت خديجة جنكيز: “أدعو الرئيس المنتخب إلى الكشف عن تقرير وأدلة وكالة المخابرات المركزية. سيساعد هذا كثيرا في الكشف عن الحقيقة حول المسؤول عن مقتل جمال.”
فقد تقدمت مبادرة العدالة للمجتمع المفتوح بطلباتٍ بموجب قانون حرية المعلومات الأمريكي للحصول على وثائق حول عملية القتل من وكالة المخابرات المركزية، لكن بعضها لا يزال محجوباً، بما في ذلك شريط تسجيل للأحداث التي وقعت خلال الحادث.
وعليه، أمرت محكمة محلية فيدرالية في نيويورك الوكالة ومكتب مدير المخابرات الوطنية بالإقرار وشرح أسباب حجبهم للتسجيل وتقرير وكالة المخابرات المركزية عن جريمة القتل.
فقد فضح قول ترمب “نمتلك التسجيل،” من بين أمورٍ أخرى، إنكار الحكومة الإعتراف بحجبها للتسجيلات. كما تم منح تمديدٍ لفهرس فون- حيث يجري إدراج وتصنف “كل سجل محجوب،” وفقاً لمتطلبات قانون حرية المعلومات- حتى فبراير 2021.
وفي هذا الشأن، قالت أمريت سينغ، رئيسة فريق المحامين في قضية جمال خاشقجي “يعدّ أمر المحكمة الصادر اليوم نصراً مصيرياً في التصدي للتستر المخزي الذي قامت به إدارة ترمب على مقتل خاشقجي.”
ومن المقرر تنصيب بايدن في 20 يناير 2021، مما يعني أنه سيشرف على قرار فهرس فون أو استئناف القرار.
وفي هذا الشأن، قالت سينغ لفَنَك، “نأمل أن تُظهر إدارة بايدن التزامها بالقيم الديمقراطية من خلال الإفراج السريع عن تقارير مكتب مدير المخابرات الوطنية ووكالة المخابرات المركزية حول المسؤول عن مقتل خاشقجي بالإضافة إلى السجلات الرئيسية الأخرى التي نسعى للحصول عليها في هذه الدعوى.”
من جهته، سبق وأشار بايدن إلى مساعيه للمساءلة عن مقتل خاشقجي، إذ يقول مقرّبون من القضية أنه عازم على تحقيق ذلك. وبحسب ما قاله بايدن قبل شهرٍ من الإنتخابات “في ظل إدارة بايدن- هاريس، سنعيد تقييم علاقتنا مع المملكة، وننهي دعم الولايات المتحدة لحرب السعودية في اليمن، ونتأكد من أن أميركا لا تشكك في قيمها من أجل بيع الأسلحة أو شراء النفط،” وهو الرأي الذي ردده ديمقراطيون آخرون.
ويقول المحللون إن عصر الإفلات من العقاب بالنسبة للسعودية سينتهي في عهد بايدن، “لكن ما سيفعله على أرض الواقع سؤالٌ يصعب الإجابة عليه،” كما يقول المحلل السياسي لينكولن ميتشل.
قوبل مقتل خاشقجي بالغضب، ولم تكن الطريقة الوضيعة وعديمة الإحساس التي تعاملت بها إدارة ترمب مع الأمور ذات فائدة، “لكن إذا كان لديك رئاسة لأوباما، أو رئاسة بايدن أو جورج دبليو بوش، فليس من الواضح ما الذي كانوا سيفعلونه،” على حد تعبير ميتشل، وأضاف “لطالما كان النظام السعودي نظاماً استبدادياً بغيضاً منذ عقود، ولطالما حافظنا على علاقاتنا معه.”
علاوةً على ذلك، سيدخل بايدن البيت الأبيض في خضم أزمة جائحة فيروس كورونا والتداعيات الاقتصادية الناتجة عنها. وبحسب ميتشل، يتبع ترمب “رئاسة التفوق العرقي للبيض على نحوٍ صريح” مما فاقم العنصرية البنيوية في البلاد، وبالتالي أمام بايدن الكثير من العمل الشاق لدحر هذا الاتجاه في دياره.
ربما لن تكون العلاقات دافئة، إلا أن الشكوك تتمحور حول ما إذا كان بايدن سيصعد حدة الأمور مع السعوديين بالطريقة التي قد يراها البعض ضرورية.
وهنا، تتضمن التساؤلات المطروحة دعم نظامٍ في اليمن حيث أدى الصراع إلى مقتل حوالي ربع مليون شخص. كما قدمت الولايات المتحدة أيضاً دعماً لوجستياً واستخباراتياً للتحالف الذي تقوده السعودية، بتفويضٍ من الرئيس السابق باراك أوباما في عام 2015.
وهناك أيضاً حقيقة أنه بين عامي 2010-2014 و2015-2019، زادت صادرات الأسلحة الأمريكية بنسبة 23%، حيث يذهب نصف صادراتها إلى الشرق الأوسط، بينما وصل النصف الآخر إلى المملكة العربية السعودية في فترة الخمس سنوات الماضية، وذلك وفقاً لمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام.
وفي عام 2019، أصدر الكونجرس قراراً بدعمٍ من الحزبين لإنهاء تورط الولايات المتحدة في الحرب، بيد أن ترمب استخدم حق النقض ضده. وسنرى ما إذا كان بايدن يمتلك حظاً أكبر في سحب الدعم الأمريكي للتحالف. ووفقاً لغريغوري جونسن، الذي عمل في فريق خبراء مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بشأن اليمن، فإن الولايات المتحدة هي الشريك الوحيد الذي يمكنه الضغط على السعودية في اليمن.
هناك أيضاً مجموعة من المخاوف المتعلقة بحقوق الإنسان في المملكة، بما في ذلك حملة القمع والاحتجاز التعسفي للمعارضين التي تم تصعيدها في عهد محمد بن سلمان.
وفي حين أنه قد لا يكون هناك تحولٌ جذري في العلاقات الثنائية بين البلدين، إلا أن إدارة بايدن يمكن أن تساعد على الأقل في كبح السلوك الجامح للمملكة العربية السعودية تحت توجيهات ولي العهد.
“هناك الكثير من الأسباب لاستمرار هذه العلاقة – فهي ذات قيمة كبيرة لكلا الجانبين – لكنها ببساطة لا يمكن أن تستمر بالطريقة التي استمرت بها خلال السنوات الأربع الماضية،” على حد تعبير تمارا كوفمان ويتس من معهد بروكينغز في حديثٍ لصحيفة نيويورك تايمز، وأضافت “كان هناك سلسلة من الانتهاكات للقواعد بين الحكومات الصديقة؛ انتهاكٌ للمعايير.”
وبقدر ما قد تحتاج المملكة العربية السعودية إلى الولايات المتحدة، فإن التبعية ليست أحادية الاتجاه، إذ تحتاج أمريكا إلى تعاون السعودية في العديد من القضايا الإقليمية، بما في ذلك تسويةٌ لشق طريقها مع إيران وللمساعدة في وقف التقلبات في أسواق النفط.
وفي اجتماع مجموعة العشرين الأخير، رد ممثلو السعودية على أسئلةٍ حول علاقة المملكة بالولايات المتحدة في ظل رئاسة بايدن المستقبلية، مشيرين إلى خليطٍ من الإنفتاح والتحفظ. وعليه، اعتبرت المملكة قضايا سجناءها السياسيين، مثل قضية الناشطة في مجال حقوق المرأة لجين الهذلول، قضيةً تتعلق بالأمن القومي ومسألة تخص المحاكم السعودية على سبيل المثال. أما فيما يتعلق بخاشقجي، لا يبدو أن هناك خططًا للتسوية أو النظر في أن الحادث قد يتسبب في رد فعل سلبي على الدولة الخليجية، متوقعين أن المستثمرين الأجانب المحتملين لا يثنيهم أي شيء.
علاوةً على ذلك، تفيد تقارير أيضاً بأن المملكة تتحوط في رهاناتها وتوظف جماعات الضغط اللازمة لكسب زعماء الكونجرس الجمهوريين، متوقعين أغلبيةً جمهورية في مجلس الشيوخ. قد يزيد ذلك من صعوبة فعل ما يريده الكثيرون ومحاسبة الرجل الذي أمر بعملية القتل.
يُعتقد أن المادة السرية المعنية تشير بأصابع الاتهام إلى محمد بن سلمان، وهنا قالت الصحفية والمعارضة السعودية صفاء الأحمد إن نشر هذا التقرير سيكون له تداعيات “عميقة،” على الرغم من شكوك آخرين بملاحقة الولايات المتحدة لمحمد بن سلمان مباشرة.
ويقول ميتشل: “أين هي السابقة لشيء من هذا القبيل، خاصة عندما تجعل الأمر شخصياً،” وتابع “إذا تمكنا من ملاحقة محمد بن سلمان، فلربما سيأتي شخصٌ يوماً ما لملاحقة ترمب أو بايدن أو بوش لقيامهم بأمرٍ ما. من غير المرجح أن يحدث ذلك.”