أمراءٌ وأئمةٌ ووزراء سابقون، جميعهم كانوا على قائمة اعتقالات ولي العهد محمد بن سلمان (الذي عادةً ما يُشار إليه بمبس) منذ بداية ارتقائه على سلم السلطة في يناير 2015. فقد أعتقل أكثر من 200 شخص بتهمٍ تتعلق بالفساد والإرهاب.
وفي الآونة الأخيرة، تم احتجاز 11 أميراً لاحتجاجهم على إيقاف سداد الكهرباء والماء عنهم، ومطالبتهم بتعويضٍ مادي عن حكم القصاص الذي صدر بحق أحد أبناء عمومتهم، الأمير تركي بن سعود الكبير، الذي أدين بالقتل وأعدمته الدولة في عام 2016. وكان خالد التويجري، رئيس الديوان الملكي السعودي السابق، والقطب الإعلامي وليد الإبراهيم من بين الذين تم اعتقالهم.
على الأقل، كانت هذه الرواية الرسمية، إلاأن الدكتور سعد الفقيه، الذي يرأس حركة الإصلاح الإسلامي في لندن، والذي يدعو إلى المزيد من الحرية الدينية والسياسية في المملكة، ويدّعي أن لديه مصادر داخل العائلة المالكة، أخبرنا في فَنَك نسخةً مختلفةً عن هذه الرواية.
فقد قال إن الأمراء اعتقلوا بسبب احتجاجهم على سجن ابن عمٍ آخر يُدعى سلطان بن محمد بن سعود الكبير، مالك شركة المراعي، إحدى أكبر شركات الألبان في الشرق الأوسط. ويدعي الفقيه أن محمد بن سلمان طالب سلطان بتسليم نصف أسهم شركته، إلا أن الأخير رفض ذلك خشية أن تُنقل أمواله إلى حساب محمد بن سلمان الشخصي وليس لصندوق الدولة.
وعليه، اعتقله محمد بن سلمان لرفضه الإمتثال لأوامره، مما أثار غضب أبناء عمومته الذين احتجوا على اعتقاله بعد فترةٍ وجيزة. وقال الفقيه عبر لقاءٍ لنا معه عبر الهاتف: “لم يُعتبر اعتقال سلطان بن محمد إهانةً لأبناء عمومته فحسب، بل لاعتقادهم أيضاً أن محمد بن سلمان سيحاول الاستيلاء على ثروتهم في المستقبل.”
كما أفادت وكالة بلومبرغ الإخبارية أن تسجيلاً صوتياً انتشر على تطبيق الوتساب لأحد أفراد العائلة المالكة يدعيّ أن الاتهامات الرسمية التي صدرت ضد الأمراء الـ11 لا يمكن تصديقها ومحض كذب.
ويعود التسجيل للأمير عبد الله بن سعود بن محمد، الذي كان يشغل منصب رئيس الإتحاد السعودي للرياضات البحرية. ويدعي الأمير في التسجيل الصوتي أن الأمراء المحتجزين رافقوا أحد أقاربهم الذي إستدعته السلطات للاستجواب حول وظائفه السابقة. ومع وصول الأمراء إلى القصر في الرياض، منعهم الحرس من الدخول، حيث أسفر ذلك عن اندلاع مناوشاتٍ صغيرة، مما أدى إلى اعتقالهم. ولا يزال تسلسل الأحداث غامضاً، بالرغم من أنّ حتى الثروة لا تبدو قادرةً على حماية أولئك الذين يعتبرهم محمد بن سلمان يشكلون تهديداً له.
فقد أصبح هذا واضحاً وضوح الشمس بعد أن تم جمع شخصيات رفيعة المستوى واحتجازهم في فندق ريتز كارلتون في الرياض في الرابع من نوفمبر 2017، فيما بات يُعرف بليلة السكاكين الطويلة. كما كان الملياردير، الأمير الوليد بن طلال، الذي تمتلك شركته الاستثمارية، المملكة القابضة، أسهماً في العديد من الشركات بما في ذلك سلسلة فنادق فور سيزونز، وتويتر، من بينهم. وقال الفقيه أن محمد بن سلمان طالب الوليد بن طلال بتسليم العديد من أصوله، وهو الأمر الذي لا يستطيع فعله، ظاهرياً، إلى أن يتم إطلاق سراحه للتشاور مع موظفيه.
“وصلوا إلى طريقٍ مسدود،” كما يقول الفقيه. وأضاف “يريد محمد بن سلمان الحصول على أموال الوليد بن طلال، إلا أنه لا يريد الإفراج عنه. في حين أن الوليد بن طلال على استعدادٍ لتسليمهم الأموال، إلا أنه يقول أنه ينبغي أولاً الإفراج عنه ليقوم بذلك.”
وقالت الأستاذة بمركز الشرق الأوسط في كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية الدكتورة مضاوي الرشيد، إن محمد بن سلمان يستهدف الأفراد الذين يمكنهم استخدام ثروتهم أو نفوذهم لتعريض منصبه للخطر.
وفي تلك الليلة أيضاً، ألقي القبض على الأمير متعب بن عبد الله، الذي كان يشغل حتى آنذاك منصب وزير الحرس الوطني، قوة النخبة القبلية التي كانت مسؤولةً عن حماية العائلة المالكة وأصول النفط الرئيسية في المنطقة. فقد رأى محمد بن سلمان بمتعب بن عبد الله تهديداً حقيقاً، كما تُشير الدكتورة الرشيد، ذلك أن بإمكانه استخدام الحرس الوطني للتحرك ضده. ففي الماضي، غالباً ما كان وزير الحرس الوطني يتقلد منصب ولي العهد أو لربما تولي العرش كملك.
وكتبت الرشيد في مقالٍ نُشر على موقع ميدل إيست أي، “لا يُشكل الأمراء أي تهديدٍ حقيقي لمحمد بن سلمان دون ميليشيات،” وأضافت “[لهذا السبب] كان حريصاً على إنهاء سيطرة ابن عمه على آخر جهازٍ أمني يمكن أن يقوّض حكمه.”
ومن بين المعتقلين أيضاً إبراهيم العساف، وزير المالية السابق الذي عمل في الحكومة منذ عام 2016. كما اعتقل عادل فقيه، وزير الاقتصاد، مع محافظ الرياض السابق. ومن الجدير بالذكر أيضاً إعتقال بكر بن لادن، شقيق زعيم تنظيم القاعدة الراحل أسامة بن لادن. فقد ظل بكر بن لادن موالياً إلى حدٍ ما للأسرة المالكة بعد قطع العلاقات مع أخيه منذ عقود، ومع ذلك، تم اعتقاله وسجنه مع العديدين في فندق ريتز كارلتون.
خرجت التصريحات الرسمية مبررةً هذه الاعتقالات بالحملة على الفساد، إلا أن النقاد يقولون أنها مجرد ذريعة لمحمد بن سلمان لتوطيد سلطته وجمع مليارات الدولارات. فقد أنذر جميع أولئك الذين اعتقلوا بتسليم أموالهم أو مواجهة سنواتٍ خلف القضبان، حيث أطلق سراح بعض الأمراء، بمن فيهم متعب بن عبد الله، بعد إجرائهم تسويةً مع الحكومة.
ويُشير كل من الصحفي غلين كاري وعلاء شاهين من وكالة بلومبرغ الإخبارية إلى أن تعريف الفساد غامضٌ في بلدٍ يتأصل فيه النظام القائم على المحسوبية، مما يمكنّ الأمراء من تحقيق ثراءٍ فاحش من العقود الحكومية والصفقات المربحة مع الشركات عبر الوطنية. ومما زاد من حدة هذه المشاعر، الاكتشاف مؤخراً بأن محمد بن سلمان من اشترى قصراً بقيمة 336 مليون دولار في فرنسا، ليكون بذلك أغلى منزل في العالم.
وعلى ما يبدو، فإن الفساد هو الجريمة الوحيدة التي يتم توجيهها عندما يتورط أفرادٌ من خارج دائرة محمد بن سلمان. ومع ذلك، قال جيمس دورسي، الزميل البارز في كلية راجارات للدراسات الدولية في سنغافورة، لرويترز إن الحملة منفصلة تماماً عن الاستراتيجية التي لطالما تبناها آل سعود.
فقد قال “لجأ الأمير محمد، بدلاً من إقامة التحالفات، إلى بسط قبضةٍ حديدية على العائلة المالكة، والجيش، والحرس الوطني لمواجهة ما يبدو أنه معارضة أكثر انتشاراً داخل العائلة والجيش على حد سواء، لإصلاحاته وحربه على اليمن.”
ففي سبتمبر 2017، اعتقل محمد بن سلمان دعاةً معروفين كجزءٍ من حملةٍ أوسع ضد معارضين محتملين، بما في ذلك نشطاء في مجال حقوق الإنسان، ومدونين، وصحفيين. وكان الشيخ سلمان العودة، والشيخ عوض القرني، والشيخ علي العمري من بين أبرز الشخصيات الدينية التي اعتقلت في ذلك اليوم. ويعتبر الثلاثة من الدعاة المعتدلين في المنطقة، عند مقارنتهم بالشيوخ الآخرين الأكثر تشدداً في البلاد.
ومع ذلك، فجميعهم لا ينتمون إلى المؤسسة الدعوية المدعومة من قِبل الدولة، كما فشلوا في تأييد بعض سياسات محمد بن سلمان المتهورة علناً. وعلى وجه التحديد، التزامهم الصمت في بداية الحصار على قطر، التي تتهمها السعودية بدعم جماعة الإخوان المسلمين ورعاية الإرهاب. فلطالما اعتبرت السعودية الحركات الإسلامية التي تتحدى سلطة الدولة أكبر تهديدٍ للمملكة.
فقد سبق وحُكم على العودة بالسجن خمس سنواتٍ عام 1994 بسبب قيادته المزعومة لحركة الصحوة، التابعة للإخوان. آنذاك، ضغطت الحركة من أجل الإصلاحات السياسية التي من شأنها تقليل نفوذ الأسرة الحاكمة.
وقال جان مارك ريكلي، رئيس قسم المخاطر العالمية في مركز جنيف للسياسة الأمنية، لرويترز: “من المرجح جداً أن يصبح محمد بن سلمان الملك المقبل، ولكن يمكن أيضاً اعتبار أي أصواتٍ معارضة يمكنها تحدي هذه الخلافة باعتبارها زعزعةً للاستقرار من وجهة نظر النظام.”
كما تم أيضاً إلقاء القبض على مثقفين وكتّاب أثناء الحملة، حيث تم اعتقال عبد الله المالكي، وهو أكاديمي يؤيد دعوات الإصلاح وحقوق الإنسان، أيضاً. وكذلك هو حال عصام الزامل، رجل الأعمال الذي كتب عن الحاجة إلى اعتماد إصلاحاتٍ اقتصادية في المملكة التي تعتمد على النفط.
كما تعرض مدافعون عن حقوق الإنسان أيضاً لتكميم الأفواه. ففي أغسطس 2017، اتهم كل من عيسى النخيفي وعصام كوشك بعدة تهمٍ تتعلق بنشاطهم في مجال حقوق الإنسان ومنشوراتهم على وسائل التواصل الاجتماعي، وذلك وفقاً لمنظمة العفو الدولية. وفي يوليو 2017، أيدت المحكمة الجزائية المتخصصة في السعودية الحكم بالسجن لمدة ثماني سنوات على عبد العزيز الشبيلي، المؤسس المشارك للجمعية السعودية للحقوق المدنية والسياسية.
وقالت سماح حديد، نائبة مدير منظمة العفو الدولية، إن معظم نشطاء حقوق الإنسان في البلاد إما في السجن أو يخضعون للمحاكمة، ولم يتم الكشف عن مكان وجودهم. وأضافت، بينما يواجه الآخرون خطر التوقيف فى أي وقت.
ومن الواضح أن محمد بن سلمان يعيد صياغة المملكة العربية السعودية وفقاً لتصوراته، في حين يثبت أنه شخصية مستبدة تماماً كحال سلفه من الحكام.