وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

الوهابيون وبناء الدولة السعودية

في منتصف القرن الثامن عشر ميلادياً، بدأ العالِم محمد بن عبد الوهاب دعوته للإصلاح الديني الإسلامي في نجد التي تقع في قلب شبه الجزيرة العربية. وأطلق ابن عبد الوهاب وأتباعه على أنفسهم لقب "الموحدين"، وأطلقت بعض الأدبيات على تلك الحركة اسم الوهابية وسُميّ أتباعها بالوهابيين.

خريطة للدولة العثمانية وشبه الجزيرة العربية رسمها روبرت دي فوجوندي عام 1753 ونُشرت في أطلس العالم الذي قام عليه بنفسه في العدد الصادر عام 1757. استعمل فوجوندي أحدث المعلومات المتوفرة في عصره ومزج بين أسماء الأماكن باللغة الفرنسية والأسماء العربية المكتوبة بحروف لاتينية. ويظهر في الربع السفلي إلى اليسار لوحة مزخرفة عليها صورة لأحد الأمراء العثمانيين، بينما يظهر أسفل الصورة إلى اليمين مقياس الرسم من خمسة درجات.

مقدمة

انتقد ابن عبد الوهاب بشدة ممارسات المسلمين في عصره، وقدم تصوراً جديداً لمفهوم التوحيد الذي يناقض مفهوم الشرك (نسب الصفات البشرية للإله) المنافي للعقيدة الإسلامية. وكان يرى أن التوحيد لا يقتصر على الاعتقاد بوحدانية الإله الخالق لكل شيء، وأن على المسلمين أن يجعلوا الإله محور حياتهم، وهو ما يعني نبذ أي شيء قد يُفضي إلى عبادة البشر، ومن بين ذلك تقديس القبور أو نسب الخوارق وما شابه ذلك إلى بعض الأماكن، كما اعتبر أن القسم بالأولياء من البدع.

وزادت الوهابية على ذلك أن أدانت تقديس النبي وشد الرحال لزيارة قبره، واعتبرت الوهابية أن كل تلك الأمور تدخل في باب الشرك. ولمّا كان معظم المسلمين يأتون تلك “البدع”، رأى محمد بن عبدالوهاب أن حياتهم تشبه عصر الجاهلية الذي سبق ظهور الإسلام.

يرى محمد بن عبد الوهاب أن ذلك حدث نتيجة فساد رأي أجيال من الفقهاء. ورغم أن زعيم الحركة الوهابية لم يكن ينادي بأي أفكار سياسية، كان رد الفعل على أفكاره الدينية قوياً فلم يستطع مواصلة نشر تعاليمه من دون حماية كيان سياسي.

الدولة الوهابية السعودية الأولى (1744-1818)

في عام 1744 أو 1745 لجأ ابن عبد الوهاب إلى الدرعية التي يحكمها محمد بن سعود. ومنذ ذلك الحين ارتبط نسل آل سعود بالوهابية. وفر آل سعود الحماية للوهابية، وفي المقابل أصبحت تلك الحركة الدينية مصدر الشرعية الدينية والسياسية لهم. جمعت الحركة الوهابية قليل من الأنصار وأرسلت الدعاة إلى القبائل المحيطة وشجعت ابن سعود على مهاجمة القبائل القريبة حتى نجح في ضمها إلى دولته الجديدة التي كانت الدرعية عاصمة لها.

وصار ابن عبد الوهاب أعلى سلطة دينية في الدولة الجديدة بصفته معلماً وقاضياً، وأصبح آل سعود الأمراء والحكام وتولوا فرض السلطة على الناس وجباية الضرائب. ومع وفاة ابن عبد الوهاب عام 1792، كانت الدولة السعودية الأولى قد توسعت من نجد لتشمل إلى الأحساء وهددت بالسيطرة على قطر وعُمان.

وأدى هذا التوسع إلى الصراع مع الكيان السياسي الوحيد صاحب النفوذ في الجزيرة العربية، والذي يمثله شريف مكة غالب بن مساعد في الحجاز. وشرع بن مساعد في حشد دعم من العلماء، وبدأ عام 1791 في شن هجمات عسكرية على الدولة الوليدة. وأدى ذلك الصراع إلى توقيع معاهدة سلام عام 1798، ولكنها لم تلبث أن فشلت بعد وقت قصير. ونجح الوهابيون في السيطرة على مكة لفترة وجيزة عام 1803، وسيطروا عليها مرة أخرى سيطرة أقوى وأعظم عام 1806.

خريطة للدولة السعودية الأولى وإمارة الدرعية
المصدر:Fanack, after Wikimedia Commons

حكم الوهابية في الحجاز

حكم الوهابيون الحجاز بين عامي 1806 و1813، وخلال هذه الفترة فرضوا قيوداً صارمة على الحياة الدينية والاقتصادية. فهُدمت أضرحة الأولياء ومعها القباب المبنية على محل ميلاد الرسول.

كما منعوا قوافل الحج القادمة من سوريا ومصر ومنعوا الضرائب التي اعتبروها “غير مشروعة”، ومنعوا تدخين التبغ أيضاً. وسُمح للعلماء بدراسة كتب محمد بن عبد الوهاب فقط، ولم يُحظر التصوف ولكن ضُيق الخناق على المتصوفة للغاية. وعمدت الوهابية إلى مصادرة الأغراض الثمينة الموجودة في قبر الرسول بالمدينة

انزعج العثمانيون من أمر الحركة الوهابية وانتشار دعوتها على نطاق أوسع في شبه الجزيرة العربية. إذ سيطر الوهابيون على منطقة عسير جنوب الحجاز، وهاجموا اليمن واحتلوا قطر والبحرين وأجزاء تقع حاليا ضمن حدود دولة الإمارات، كما هاجموا مراكز الشيعة في العراق.

طلب العثمانيون المساعدة من والي مصر محمد علي، وكان قد أنشأ جيشاً حديثاً فأرسله إلى غزو الحجاز عام 1812. ونجح جيشه في طرد الوهابيين من المدينة ومكة في ذلك العام. وواصل الجيش زحفه ليستولى على الدرعية في سبتمبر ودمروها بعد فترة قصيرة. وأُسر عبد الله بن سعود حاكم الدولة السعودية الأولى وأُعدم في إسطنبول.

الوهابيون وبناء الدولة السعودية
أنقاض الدرعية التي تعتبرها اليونسكو ضمن مواقع التراث العالمي بالرياض. المصدر: Robert Harding Premium / robertharding via AFP

انكسر الوهابيون بصورة مؤقتة عقب تلك الأحداث. وعندما غادر جيش محمد علي منطقة نجد عام 1819، عادت معظم أراضي المنطقة لسيطرة الحكام المحليين السابقين على الحركة الوهابية.

عودة الحركة الوهابية: الدولة السعودية الثانية (1824-1891)

أنشأ أحد الناجين من آل سعود وهو تركي بن عبد الله عاصمة جديدة له في الرياض وأخذ في إعادة بناء الدولة الوهابية-السعودية تدريجياً. وبحلول ثلاثينيات القرن التاسع عشر، كان بن عبد الله قد استعاد معظم الأراضي التي خضعت للدولة الأولى في الأحساء وعمان وشرق الجزيرة العربية.

ولكن لم تنعم الدولة بقدر كبير من الاستقرار قبل منتصف العقد التالي عندما تولى فيصل بن تركي زمام الحكم. نجح فيصل في السيطرة على بعض المناطق القديمة من الدولة السعودية في نجد، لكن كان ثمن ذلك خضوعه ولو صورياً على الأقل للدولة العثمانية ودفع ضريبة سنوية.

وفرض عليه العثمانيون إرسال الضريبة عن طريق شريف مكة إمعاناً في إذلاله. وقد تعرضت الدولة للخطر من إمارة آل رشيد المجاورة التي استولت عام 1894 على الرياض ودمرت حصونها وعينت في العام نفسه محمد بن فيصل نائباً للحاكم.

خريطة الدولة السعودية الثانية (1850).
المصدر:Fanack, after Wikimedia Commons

Advertisement
Fanack Water Palestine