مع بداية موسم الذروة السياحية في تونس وفي خضم الحملات الانتخابية للانتخابات الرئاسية في سبتمبر، تم تنفيذ هجومين انتحاريين في العاصمة التونسية تونس في 27 يونيو 2019.
حصلت الهجمات في تتابع سريع، مما أسفر عن جرح حوالي 10 أشخاص، إصابة اثنين منهما حرجة. استهدف التفجير الأول دوريةً للشرطة في وسط المدينة، مما أسفر عن مقتل ضابط. وبعد عشر دقائق، فجر مهاجمٌ آخر نفسه في ساحة انتظار السيارات بمركز شرطة الجرجاني، مما أسفر عن إصابة أربعة من ضباط الشرطة. أعلن تنظيم الدولة الإسلامية مسؤوليته عن الهجومين، لكنه لم يقدم أي دليل يدعم هذا الادعاء.
جاء رد رئيس الوزراء يوسف الشاهد حازماً، متعهداً بالانتقام الفوري والقوي. ففي اليوم التالي، قُبض على 25 مطلوباً لصلتهم المزعومة بجماعاتٍ إرهابية أو لمناصرتهم أعمالاَ إرهابية، بعد شن 493 غارة في جميع أنحاء البلاد.
وقال الشاهد إنه تم القضاء على آخر عضوٍ مفترض في الخلية الإرهابية وراء الهجمات. ومع ذلك، انتقد نشطاء حقوق الإنسان نهج رئيس الوزراء بعدم التسامح مطلقاً، قائلين إنه ينتهك سيادة القانون.
ففي صباح يوم الهجمات، أعدت وكالة الأنباء التونسية تقريراً عن محاولة “عناصر إرهابية” غير معروفة تخريب جهاز إرسالٍ لاسلكي على جبل أورباتا، على بعد حوالي 280 كلم جنوب تونس.
أعادت الإنفجارات التي هزت تونس الذاكرة إلى الانفجار الذي وقع يوم 29 أكتوبر 2018، والذي قامت به امرأة عاطلة عن العمل تبلغ من العمر 30 عاماً والتي تحمل شهادةً علمية متقدمة ولا تملك أي خلفيةٍ متشددة، بالقرب من دورية للشرطة في نفس المنطقة. كان هذا أول تفجيرٍ انتحاري غطته وسائل الإعلام على نطاق واسع منذ عام 2015، عندما قتلت ثلاثٍ هجمات كبيرة استهدفت أعضاء البرلمان وقوات الأمن والسائحين الأجانب حوالي 60 شخصاً.
وخلافاً لرأي خبراء الأمن الأجانب الذين يعزون تراجع العنف الإرهابي في تونس إلى “المهارات التقنية المتنامية وخبرة قوات الأمن،” صرح وزير الدفاع عبد الكريم الزبيدي أن “الصراعات السياسية الحالية هي المسؤولة عن 90% من مشاكل البلاد، بما في ذلك فشل الأمن.”
فقد وعد الشاهد، المعروف بكونه سياسي جاد، بشن حربٍ على الإرهاب في أعقاب الهجمات الأخيرة. وخلال عملية مطاردة خارج العاصمة، تعقبت الشرطة أيمن سميري، “العقل المدبر” المزعوم وراء التفجيرات الانتحارية، إلى ضاحية إنتلاكا للطبقة العاملة. ومع ذلك، فجر المشتبه فيه نفسه قبل أن تتمكن الشرطة من اعتقاله.
دفع هذا الهجوم الثالث الشاهد لحظر ارتداء النقاب في المؤسسات العامة لأسباب أمنية، بعد أن أفاد شهود عيان أن سميري، الذي تم وصفه بأنه متشدد يبلغ من العمر 23 عاماً فحسب، كان يرتدي النقاب للتمويه. من جهتها، نفت وزارة الداخلية هذه التقارير.
بالنسبة لأنصار الشاهد، فإن حظر النقاب قضيةٌ لا بد منها وإن أتت متأخرة، إذ حثوا البرلمان على تمديد العمل بالإجراء، بل وحتى إضفاء الطابع الرسمي عليه بتكريسه في القانون.
ومع ذلك، قال جمال مسلم، رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، لوكالة فرانس برس للأنباء “يمكن أن يكون القرار مؤقتاً فقط ويجب مراجعته بمجرد عودة الوضع الأمني إلى طبيعته.”
إن افتراض حسن نية الحكومة له حدود، إذ قالت لنا في فَنَك أميمة مهدي من محامين بلا حدود “تستخدم الحكومة ‘الأمن‘ لإدخال قوانين تتعارض مع سيادة القانون، وكبح الحريات المدنية وكبح جماح المنظمات غير الحكومية.”
إذ كان يشير، من بين أمورٍ أخرى، إلى “إجراء إس 17” المثير للجدل والذي يتطلب من “المشتبه بهم” إبلاغ سلطات الحدود برحلتهم إلى الخارج وتحركاتهم داخل البلاد على حد سواء، مع إمكانية أن تمنعهم السلطات من السفر.
“القوانين واضحة،” قالت مهدي، وتابعت “نحن، تحالفٌ من تسع منظمات من منظمات المجتمع المدني، نشعر بقلقٍ خاص إزاء ما لا نعرفه. إن التعتيم الكامل لوزارة الداخلية يجعل من المستحيل بالنسبة لنا تكوين فكرة عن شرعية الإجراءات المتخذة رداً على التهديد الإرهابي.”
وأضاف: “لدينا بعض المؤشرات المثيرة للقلق رغم ذلك. على سبيل المثال، قال المفتش العام للسجون في عام 2018 إن 90% من نزلاء السجون كانوا رهن الاحتجاز قبل المحاكمة، متهمين الشرطة ضمنياً بالاعتقالات التعسفية والاحتجاز التعسفي. هذه الاعتقالات مصرحٌ بها بموجب قانون مكافحة الإرهاب الذي يحتوي على بعض البنود الغامضة والشاملة للغاية، والتي تستند إلى ‘نهج واحد يصلح للجميع‘.”
“إن تعريف الإرهاب في هذا القانون شامل للغاية، مما يجعل القانون ينطبق بشكلٍ أساسي على جميع أشكال الاحتجاج الاجتماعي،” أكد عمر الوسلاتي، وهو قاضٍ ومدافع عن حقوق الإنسان. وأضاف “علاوة على ذلك، يسمح القانون للسلطات باحتجاز المشتبه بهم لمدة أسبوعين دون السماح لهم الإتصال مع محامٍ ويُعيد العمل بعقوبة الإعدام. صحيح أنه كان هناك تعليق [لعقوبة الإعدام] منذ عام 1991، لكن ماذا لو قرر شخص مجنون تغيير ذلك؟ ”
كان قانون مكافحة الإرهاب التونسي، الذي تمت الموافقة عليه في يوليو 2015، بمثابة رد فعلٍ على الذعر الذي أعقب الهجمات الكبيرة في ذلك العام. وقالت منظمات حقوق الإنسان إن القانون يمكن أن يفتح الباب أمام ممارسات ترقى إلى مستوى التعذيب ويكون له رد فعل استبدادي.
فقد خلصت دراسة أجريت على 164 قضية أجرتها محامون بلا حدود بالتعاون مع منظمتين أخريين لحقوق الإنسان إلى حدوث انتهاكات منهجية للحق في محاكمةٍ عادلة والتأثير الضار لقانون مكافحة الإرهاب على نظام العدالة الجنائية بأكمله.
وفي يونيو 2019، أبرز تقريرٌ صادر عن مقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بالحق في حرية التجمع السلمي وتكوين الجمعيات الانتهاكات الخطيرة والتهديدات لهذه الحقوق.
فقد قال الوسلاتي، “إن الدولة التونسية تنتج الإرهابيين،” وتابع “تُظهر السلطات إنكاراً لحق الشباب في الوجود، وخاصة أولئك الذين يعيشون في المناطق الفقيرة والمهملة. يتعرض الشباب الإسلاميون المتطرفون بشكلٍ منهجي للمضايقة والمطاردة من قبل ضباط الشرطة، كجزءٍ من سياسة غير رسمية.”
وأضافت مهدي: “إن عدم وجود إجماع برلماني على كل موضوع يمكن تصوره هو في الواقع نعمة في ثوب نقمة. على أي حال، سيكون من المستحيل اعتماد القانون الكارثي الجديد بشأن السلطات خلال حالة الطوارىء قبل انتخابات 2019.”
في الوقت نفسه، حذرت آمنة القلالي، مديرة مكتب هيومن رايتس ووتش في تونس، من أن “الصلاحيات غير المحدودة الممنوحة بموجب هذا القانون ستشكل خطوة إلى الوراء فيما يتعلق بالعديد من الحقوق التي ناضل التونسيون من أجلها منذ ثورة 2011.”