في تقريرٍ صدر بعد يومٍ واحدٍ من إعلان الحكومة العراقية انتصارها على تنظيم الدولة الاسلامية “داعش” في الموصل، اتهمت منظمة العفو الدولية لحقوق الانسان الجماعة المسلحة بارتكاب جرائم حرب، بيد أنها ذكرت ايضاً أن القوات العراقية والتحالف الذى تقوده الولايات المتحدة، قد انتهك على الارجح القانون خلال النزاع من أجل السيطرة على المدينة.
وقد أعلن رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، “النصر بشكلٍ كامل” في الموصل في 10 يوليو 2017، على الرغم من استمرار الاشتباكات المتقطعة مع عناصر من داعش، في حين قدر مسؤولون في الأمم المتحدة أن مئات المدنيين لا يزالون تحت الحصار.
كما هلل البيت الأبيض لهذا النصر في بيانٍ بوصفه “تقدماً هائلاً.” وذكر البيان “يُشير النصر في الموصل، حيث أعلن التنظيم قيام خلافته المزعومة قبل ثلاث سنوات، إلى أن أيام التنظيم في العراق وسوريا باتت معدودة.” وأضاف “سنواصل السعي للقضاء عليه نهائياً.” ومع ذلك، وصفت منظمة العفو الدولية المعركة لتحرير غرب الموصل، التي شرعت بها قوات عراقية بقيادة أمريكية في أكتوبر الماضي 2016 في محاولةٍ لطرد داعش من المدينة والمناطق المحيطة بها، بـ”الكارثة المدنية.”
وقالت المنظمة في تقريرٍ صدر في 11 يوليو 2017 “عمدت الجماعة المسلحة التي تسمي نفسها تنظيم “الدولة الإسلامية” إلى استغلال المدنيين في غرب الموصل بلا رأفة ولا رحمة، فدفعت بهم إلى مناطق الصراع بصورة منهجية، واتخذت منهم دروعاً بشرية، وحالت بينهم وبين الفرار للنجاة بأرواحهم.” وأضافت “كما تعرض المدنيون لاعتداءات غير مشروعة لا هوادة فيها من جانب قوات الحكومة العراقية، وقوات التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة”.
فقد قام الباحثون بزيارة غرب الموصل ومخيمات النازحين في نينوى وأربيل في مارس ومايو 2017، وأجروا مقابلاتٍ مع 151 من المدنيين. وخلص الباحثون إلى “أن تنظيم “الدولة الإسلامية” ارتكب انتهاكات خطيرة للقانون الإنساني الدولي، بما في ذلك جرائم حرب. كما يبدو أن قوات الحكومة العراقية وقوات التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة قد ارتكبت انتهاكات متكررة للقانون الإنساني الدولي، بعضها قد ُيَعُّد بمثابة جرائم حرب.”
وقال أحد الرجال الذين تمت مقابلتهم أنه عند محاولته الفرار، أصيب برصاص قناصٍ في ساقه. وعند عودته إلى منزله بعد أن التجأ إلى مبنىً مهجور، إجتاز جثث حوالي 75 شخصاً- بعضهم من جيرانه- الذي حاولوا الفرار أيضاً. كما ذكر التقرير أيضاً أنه بسبب صعوبة الفرار، اختارت العديد من الأسر الفرار عبر خطوط المواجهة الأمامية أثناء اندلاع القتال، عندما يكون مقاتلوا داعش مشغولون.
ووصف عبد الله، البالغ من العمر 22 عاماً، كيف هرب وعائلته من منزلهم أثناء تقدم القوات العراقية، وسط أصوات الضربات الجوية والسيارات المفخخة وإطلاق النار. وقال عبد الله للباحثين “عندما هربنا من المنزل، كان يتعيّن على كل فردٍ الاعتناء بنفسه.” وتابع “كنا نركض، نركض بأسرع ما يمكن. كان عناصر [داعش] يطلقون النار على القوات العراقية وعلينا. فقد قتلت إمرأة برصاص قناصٍ أمامي.”
كما وصف مدنيون أخرون كيف قام التنظيم المتشدد بمصادرة أو حجب الماء والغذاء وحرمان المدنيين من الرعاية الطبية ذلك أن المستشفيات كانت تعالج مقاتلي التنظيم، أو في بعض الأحيان، لأن المقاتلين وأسرهم كانوا يعيشون في المستشفيات لحماية أنفسهم من الضربات الجوية. كما واصل التقرير انتقاد القوات الموالية للحكومة لاستخدامها “القصف العشوائي.” وقالت منظمة “إيروارز،” احدى منظمات رصد الضحايا المدنيين في غرب الموصل، ان ما يقرب من 5800 شخص ربما لقوا مصرعهم على يد القوات العراقية وقوات التحالف.
وقال التقرير أيضاً ” تقاعست القوات الموالية للحكومة عن توفير الحماية الكافية للمدنيين، إذ شنت هجمات غير متناسبة أو عشوائية، فيما يبدو، مما أسفر عن سقوط الآلاف من القتلى والجرحى في صفوف المدنيين، وتدمير المنازل ومرافق البنية التحتية.” كما أدان التقرير، على وجه الخصوص، استخدام القذائف الصاروخية المرتجلة (IRAMs)، وصواريخ المدفعية غير الموجهة التي تجمع بين الذخائر العسكرية والأجزاء المؤقتة، وصواريخ غراد، وهي منظمومة إطلاق صاروخية متعددة سوفيتية الصنع. وذكر التقرير أيضاً أن استخدام “القذائف الصاروخية المرتجلة، العشوائية بطبيعتها، واستخدامها في المناطق المدنية المأهولة بالسكان مثل غرب الموصل، ينتهك دوماً القانون الإنساني الدولي.”
ووثق الباحثون 45 هجوماً قتل فيه ما لا يقل عن 426 مدنياً وجرح أكثر من 100 في أحياء غرب الموصل. وفي أشد هذه الهجمات دموية، قتل ما لا يقل عن 105 مدني في غارة جوية استهدفت اثنين من القناصة في حي الموصل الجديدة في 17 مارس 2017. وفي حالةٍ أخرى، استهدفت غارة جوية مسجد خالد بن الوليد الذي كان يصلي فيه 60 إلى 70 شخصاً، مما أدى إلى انهيار السقف وتدمير منزلين قريبين. وقال شاهد عيان أن ما لا يقل عن أربعة أشخاص لقوا مصرعهم وأصيب العشرات. وقال الشاهد أيضاً أن سيارة تابعة للشرطة الدينية لداعش كانت تقف خارج المسجد، بينما تواجد واحد أو اثنين من مقاتلي داعش داخل المسجد للصلاة وقت الهجوم، إلا أن معظم من كانوا في الداخل من المدنيين. وفي بعض الحالات، حاولت القوات الحكومية تحذير المدنيين وحثهم على الغادرة بإلقاء المنشورات وعبر البث الإذاعي. وأضاف التقرير، أنه بالرغم من تلقي المدنيين لهذه التحذيرات، إلا أنهم غالباً ما كانوا يمنعون من الفرار.
وخلص التقرير إلى “عامل تنظيم “الدولة الإسلامية” المدنيين معاملة مروعة، وأثارت الأساليب التي استخدمها صعوبات بالغة أمام القوات الموالية للحكومة في غرب الموصل. غير أن استخدام التنظيم لدروع بشرية لا يقلل من عبء الالتزام الواقع على عاتق القوات الحكومية بأن تحرص على اختيار أهداف مشروعة، وأن تستخدم في مهاجمتها أساليب لا تتسم بالعشوائية، ولا تفتقر إلى التناسب.” وأوصت منظمة العفو الدولية بأن يدفع التحالف تعويضاتٍ للضحايا وأسر الضحايا الذين جرحوا وقتلوا في التفجيرات وأن ينشئ لجنة مستقلة للتحقيق في الانتهاكات المحتملة للقانون الدولي.
ورداً على اتهامات التقرير، قال قائد القوات الجوية الامريكية الجنرال اندرو كروفت، لبرنامج Morning Edition على إذاعة National Public Radio، أن التحالف “باعتقادي، قام بأفضل ما يمكن القيام به لتفادي وقوع خسائر في صفوف المدنيين.”