دخلت الحرب في اليمن مرحلةً جديدة خطيرة، فقد انقلبت الميليشيات المتحالفة مع بعضها البعض منذ عام 2015 من الجنوب لقيادة المتمردين الحوثيين – العدو الرئيسي للتحالف الذي تقوده السعودية – في عام 2018 ضد بعضها البعض. ومنذ ذلك الحين، تنامت بشكلٍ كبير تطلعات الإنفصال الجنوبي، مما أدلى إلى تأليب القوات الموالية للرئيس عبد ربه منصور هادي ضد الانفصاليين الذين يطلقون على أنفسهم المجلس الانتقالي الجنوبي.
تدعم المملكة العربية السعودية الطرف الأول، بينما تدعم الإمارات العربية المتحدة الأخير. فالإمارات جزءٌ من التحالف الذي تقوده السعودية والذي يخوض حرباً ضد الحوثيين، وهي جماعة شيعية زيدية متمردة لا زالت تسيطر على العاصمة صنعاء.
ويحذر بيتر ساليسبري، وهو باحث استشاري أول في برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في تشاتام هاوس، من أنه إذا ما انفصل الجنوب قبل التوصل إلى تسويةٍ سياسية، سيؤدي ذلك إلى تعطيل محادثات السلام الحالية التي تقودها الأمم المتحدة.
وعلى الرغم من التحذيرات، إلا أنه يبدو أن الإنفصاليين يبذلون قصارى جهدهم من أجل الإستقلال أياً كان الثمن. ففي 28 يناير، أعلن المجلس الإنتقالي الجنوبي حالة الطوارىء في مدينة عدن الساحلية وتعهد بالإطاحة بحكومة هادي التي فرت من صنعاء في أواخر عام 2017. وعليه، أحاط المقاتلون من المجلس الإنتقالي الجنوبي بالقصر الرئاسي في عدن بعد يومين، مما أجبر رئيس وزراء الحكومة المعترف بها دولياً على الفرار. توسطت المملكة العربية السعودية في نهاية المطاف لوقف إطلاق النار، ومع ذلك لا تزال المنطقة تشهد توتراتٍ كبيرة.
ولطالما أراد المجلس الإنتقالي الجنوبي استقلال جنوب اليمن، الذي كان يمتلكه قبل التوحد مع الشمال في عام 1990. ومنذ ذلك الحين، كان الانفصاليون على خلافٍ مع الحكومة المركزية في صنعاء – وهي الهيئة التي ترأسها هادي منذ عام 2012 – متهمين إياها بالفساد وتهميش الجنوب.
وبحسب أبريل لونجلي ألي، المحللة رفيعة المستوى المختصة بالشأن اليمني في مجموعة الأزمات الدولية، فإن تفجر العنف بين القوات الموالية للحكومة والمقاتلين الموالين للمجلس الإنتقالي الجنوبي هو نتيجة لهذه المظالم السائدة.
ووفقاً لما قالته لصحيفة واشنطن بوست: “يُظهر [القتال الأخير] كيف دمرت الحرب البلاد، وجزأتها وفقاً لانقساماتٍ تاريخية.” وأضافت “إن الرواية التي تقول أن الحكومة الشرعية تحارب الحوثيين المدعومين من إيران تحجب حقيقة محلية معقدة، وتعرقل الجهود الرامية إلى تحقيق السلام.”
وأضاف آدم بارون، وهو زميل زائر لدى المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية،بقوله “تتجه الأمور ليصبح من الصعب الى حدٍ ما بالنسبة للوسطاء الدوليين المؤثرين، ويشمل ذلك الحكومة اليمنية نفسها، أن يقوموا بتهميش المجلس الانتقالي الجنوبي بنفس المستوى الذي كان يجري تهميشه به سابقاً”.
وفي حال تصاعد القتال بين الانفصاليين والميليشيات الموالية للحكومة، قد يلحق ذلك الضرر بالعلاقة بين الإمارات والسعودية. فالأولى تعادي بشكلٍ خاص حزب الإصلاح، وهو حزبٌ إسلامي سُنّي يعمل كحليفٍ مقرب من المملكة العربية السعودية وحكومة هادي. ناهيك عن أن الإمارات تدعم ما يُطلق عليه السلفيون المؤيدون للحكم الذاتي في الصراع.
وما يزيد الأمور تعقيداً، تعاون الإمارات مع الولايات المتحدة الأمريكية في حملةٍ سرية لمكافحة الإرهاب والتي تعتمد بشكلٍ شبه كلي على الجماعات الانفصالية. وعلى صعيدٍ متصل، توجه إلى الإمارات تهمٌ بإدارة سجونٍ يتم فيها احتجاز المشتبه بهم وتعذيبهم واستجوابهم من قبل ضباط أمريكيين. ويعتقد أن أعضاء من حزب الإصلاح معتقلين إلى جانب متشددينمن القاعدة في هذه السجون.
بيد أن مكافحة التمرد هذه قد تأتِ بنتائج عكسية، إذ سرعان ما توسعت جماعاتٌ مثل تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية وتنظيم الدولة الإسلامية “داعش،” في الجنوب بعد فترةٍ وجيزة من بدء التحالف بقيادة السعودية حملة القصف. والآن، ومع قيام الانفصاليين المدعومين من الإمارات العربية المتحدة بمكافحة هذه الجماعات الجهادية، يُأجج تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية المخاوف بشأن خطة الإمارات العربية المتحدة في اليمن على المدى الطويل.
وكتبت إليزابيث كيندال، وهي باحثة في كلية بيمبروك التابعة لجامعة أكسفورد، أن القبائل في الشرق تعتقد أن الإمارات تفضل المسلحين الذين يدعمون استقلال الجنوب. وزعمت أيضاً أن بعض زعماء القبائل يظنون أن لدى الإمارات مصالح تجارية في اليمن، ولهذا السبب ساعدت القوات الانفصالية الإمارات في السيطرة على الموانىء الرئيسية وكذلك على إنتاج النفط والغاز.
والأهم من ذلك كله، يُخاطر إغتيال الأئمة والاعتقالات التعسفية واستخدام التعذيب داخل السجون السرية بتوليد رد فعلٍ مجتمعي ضد الجماعات الانفصالية. وإذا ما حدث ذلك، تُحذر كيندال، سيكون المتطرفون أمثال تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية قادرون على كسب المزيد من النفوذ والسلطة.
غير أن الفصائل الانفصالية باتت تزن خياراتها اليوم بعد حصولها على دعمٍ خارجي من دولة الإمارات العربية المتحدة. ولكن يُشير ساليسبري إلى أن خطة الإمارات طويلة الأجل للجنوب لا تزال متناقضة. وبحسب ما أخبره به أحد الدبلوماسيين الغربيين أن الإمارات مهتمة فقط “باختبار قدرتها على تشكيل الأحداث في جميع أنحاء المنطقة.” وأضاف أن المشكلة تكمن في أنهم لا يفصحون لأي أحدٍ عن هدفهم.
وأياً كان الأمر، فإن احتلال جزيرة سقطرى اليمنية هو جزءٌ واضحٌ من الخطة. ففي 3 مايو، استولت القوات الإماراتية على مطار وميناء الجزيرة الاستراتيجي. وذكرت صحيفة ذي إندبندنت أن الإمارات قامت بضم الجزيرة ذات السيادة اليمنية، وبناء القواعد العسكرية، وإنشاء شبكات اتصالات. كما ورد أيضاً قيامها بنقل المدنيين في الجزيرة إلى الإمارات العربية المتحدة جواً للحصول على رعايةٍ طبية مجانية، بينما قامت بتوظيف 5 آلاف رجل كجنود.
بيد أن سكان آخرين يشككون في تواجد الإمارات في جزيرتهم، فقد جرت بالفعل بعض المظاهرات في عاصمة سقطرى، حديبو. كما صرحت حكومة هادي للصحافيين أن احتلال سقطرى هو عملٌ عدائي.
إن المسار الحالي للنزاع يهدد بجعل الوضع المتقلب بالفعل أكثر سوءاً. ففي الجنوب، يعدّ احتمال الانفصال الكامل أو تنامي الصراع بين قوات التحالف في عدن سيناريوهاتٍ محتملة. وكما يتوقع ساليسبري، ففي الحالة الأولى، يمكن أن يؤدي تشكيل دولةٍ مستقلة في نهاية المطاف إلى صدامات مع الجماعات الطائفية.
وفي هذه الأثناء، لا يزال موقف الحكومة صعباً، فلا يقتصر الأمر فقط على خسارتها الأراضي لصالح حلفائها في التحالف، بل صرح بعض أعضاء المجلس الانتقالي الجنوبي لساليسبري إنهم لجأوا إلى القوة للحصول على تمثيلٍ أكبر في الحكومة، بالإضافة إلى المزيد من النفوذ في المحادثات التي تجري بوساطة الأمم المتحدة. إلا أن هادي لا يزال متردداً في الموافقة على مطالب الانفصاليين، خوفاً من أن تتحول الجماعات الأخرى ذات المظالم طويلة الأمد إلى العنف لتحقيق أهدافٍ سياسية.
لربما هذا صحيح، إلا أن ساليسبري يعتقد أن صانعي القرار السياسي لم يعد بإمكانهم بعد الآن إهمال شكاوى الانفصاليين في الجنوب. ويؤكد على أن الأمم المتحدة والمجتمع الدولي يجب أن يستضيفوا محادثات سلامٍ أكثر شمولاً، بينما يتعين على المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة محاولة مواءمة استراتيجيتهما لتجنب المزيد من الصدامات بين القوات المدعومة من التحالف.
لن تعالج هذه التدابير المظالم في الجنوب، إلا أنه يمكنها على الأقل تخفيف حدة العنف وتجنيب مزيدٍ من الخسائر في الأرواح. أما بالنسبة لسقطرى، فإن الوجود الإماراتي فيها يوحي بأن أي جزءٍ من البلاد سيكون في مأمن ما دام اليمن مقسماً. وعلى أي حال، من الواضح أن وضع اليمن أكثر تعقيداً بكثير من حربٍ بالوكالة بين المملكة العربية السعودية وإيران، كما يتم غالباً صياغته. فهو ساحة معركة اجتمعت فيها المصالح الإقليمية والانقسامات التاريخية، مما أدى إلى واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية في عصرنا.