وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

هل تستقبل المملكة العربيّة السّعوديّة زوّارًا من مجتمع الميم عين؟

على الرغم من أن إدراج أفراد مجتمع الميم عين قد يكون خدعة تسويقيّة لتعزيز السياحة في السّعوديّة، إلا أنه قد يكون له فوائد طويلة الأمد للمجتمع السّعوديّ.

 السّعوديّة مجتمع الميم عين
منتزه ذا جروفز الترفيهي بالرياض. فايز نور الدين / وكالة الصحافة الفرنسية

دانا حوراني

في ظلّ التّطوّرات الأخيرة، حدّث الموقع الإلكتروني للهيئة السّعوديّة للسّياحة visitsaudi.com قسمًا جديدًا في صفحة الأسئلة الأكثر تكرارًا، يطرح السؤال التالي: “هل مرحّب بزيارة المثليّين للمملكة العربيّة السّعوديّة؟” وجاءت الإجابة كالتّالي:

“لا نطلب من أيّ شخص الكشف عن التّفاصيل الشّخصيّة. نرحّب بالجميع لزيارة بلادنا.”

من غير المعروف متى حُدِّث الموقع الإلكترونيّ تحديدًا، فقد كان القانون ساريًا قبل 14 شباط 2023 بحسب تصريح إحدى النّاطقات باسم الهيئة السّعوديّة للسّياحة للسي إن إن CNN، لكنّ السّؤال والإجابة عنه غابا عن النّسخة السّابقة من الموقع الإلكترونيّ.

وليس ذلك إلّا إضافة إلى القائمة الطّويلة من التّطوّرات الاجتماعيّة والاقتصاديّة الّتي شهدتها المملكة في السّنوات الأخيرة. إنّما تجدر الإشارة إلى أنّ المثليّة الجنسيّة ما زالت غير قانونيّة في المملكة، وترافقها تشريعات نادرًا ما تطبَّق اليوم.

تنبع هذه التّشريعات من الشّريعة الإسلاميّة الّتي تمنع ممارسة الجنس على أنواعه من دون زواج، وذلك يتضمّن ممارسة الجنس بين شخصين من الجنس نفسه. في ظلّ هذا القانون، العقوبة القصوى هي الإعدام.

وعلى الرّغم من ظاهر انفتاح المملكة العربيّة السّعوديّة على العالم في السّنين الأخيرة، نتيجة لرؤية حاكمها الجديد محمّد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود، يقول الخبراء أنّ الحاصل في ما يتعلّق بمجتمع ميم عين ليس إلّا خدعة تسويقيّة لجذب السّيّاح الأجانب، لا إشارة إلى تغيّر اجتماعيّ يحتاج إلى وقت طويل ليظهر، ويتطلّب إصلاحات وقوانين جديدة.

تغييرات جديدة في المملكة

بعد استلام وليّ العهد محمّد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود (MBS) الحكم عام 2016، بدأ عمليّة تحويل المملكة الّتي كانت، حتّى الآونة الأخيرة، منغلقة أمام التّحديث ومعظم الزّوّار الأجانب.

لقد سُمِح للنّساء منذ عام 2016 بقيادة السّيّارات، والسّفر بمفردهنّ، وحضور الفعّاليّات الرّياضيّة، واتّباع قوانين أقلّ تشدّدًا في ما يتعلّق بارتداء الحجاب. لم تعد دور السّينما محرّمة، وبدأت قوانين التّمييز بين الجنسين تُلغى تدريجيًّا، وخُفّضت حدّة النّداء إلى الصّلاة، ولم تعد الأعمال تُغلق أثناء الصّلاة.

كما سمحت الإعفاءات الجديدة على التّأشيرات السّياحيّة، الموضوعة عام 2019، بنزول الرّجال والنّساء الأجانب في الفندق نفسه من دون التّصريح عن طبيعة علاقتهما.

وظهر بيور بيتش (Pure Beach) للمرّة الأولى عام 2021 في جدّة على البحر الأحمر، مشكّلًا نقطة تحوّل كأوّل شاطئ في المملكة العربيّة السّعوديّة يسمح للنّساء بارتداء لباس السّباحة. لكن ما زالت المملكة تحافظ على بعض القيود التّقليديّة، مثل منع الكحول.

وتلى ذلك تطوّر آخر بعد اختتام كأس العالم في قطر في تشرين الثّاني عام 2022، إذ سمحت المملكة العربيّة السّعوديّة والإمارات العربيّة المتّحدة لكلّ حاملي البطاقات بالعبور من دون تأشيرة. اغتنم هذه الفرصة كثيرون من المشجّعين لزيارة مكّة المكرّمة والمشاركة في العمرة، وهي رحلة الحجّ الأساسيّة لدى الإسلام.

لطالما عانت المملكة لجذب السّيّاح خارج نطاق رحلة الحجّ، فكانت وجهة حجّ أكثر من وجهة مرح. إضافة إلى ذلك، عبّر ضيوف سابقون عن قلقهم حيال تعامل إداراة الهجرة غير المرحِّب في صالة المطار، وعن خوفهم من الشّرطة الدّينيّة المعروفة بهيئة الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر (CPVPV).

وبذلك، أبطل مجلس الوزراء السّعوديّ عام 2019 صلاحيّات الشّرطة الدّينيّة، وكلّفها بتقديم تقاريرها إلى الشّرطة وقوى الأمن.

جاء كلّ ذلك وسط موجة من الإصلاحات الطّموحة، على رأسها برنامج مشاريع “رؤية المملكة العربيّة السّعوديّة 2030” الخاصّ بوليّ العهد محمّد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود. وُصِف هذا البرنامج في موقعه الإلكترونيّ الرّسميّ بـ “مخطّط فريد للإصلاح الاقتصاديّ والاجتماعيّ التّحويليّ يفتح المملكة على العالم.”

لكلّ شيء ثمن

على الرّغم من تخفيف التّشريعات في المملكة، والسّماح بحرّيّات أكثر وحقوق أكثر للأفراد، واستضافة أكبر مهرجان موسيقيّ في الشّرق الأوسط الآن، ما زالت تواجه بعض العقبات.

فقد سُجِن ما لا يقلّ عن 15 كاتبًا، ومدوِّنًا، وناشطًا عام 2019، وأُعدِم 37 فردًا من المعتقلين تضمّنوا قصّارًا، ومعارضين، ومعوّقين.

وعلى الرّغم من تصريح المملكة بالتّساهل في قوانين عقوبات الإعدام، وثّقت المنظّمة الأوروبّيّة السّعوديّة لحقوق الإنسان (ESOHR) ارتفاعًا مقلقًا في انتهاكات حقوق الإنسان في السّنوات الخمس السّابقة، بما في ذلك الإعدام الجماعيّ الظّالم لـ81 فردًا في 12 آذار 2022.

أمّا في ما يتعلّق بمجتمع الميم عين، فما زال أفراده يُعتقَلون ويتعرّضون للوصمة الاجتماعيّة في ظلّ غياب المنظّمات الخاصّة بهم، ما يحدّ من التّقارير الصّادرة في خصوص التّمييز ضدّهم.

بحسب دارين بورن، المدير التّنفيذيّ لشركة السّفر الفاخرة Out Of Office، وأكبر موقع للسّفر في العالم لمجتمع الميم عين Travel Gay، قد يكون التّرحيب بالمسافرين من مجتمع الميم عين استراتيجيّة حكيمة في مجال إدارة الأعمال.

وقال بورن للـ CNN “تظهر الأبحاث أنّهم ينفقون مالًا أكثر من الأزواج مغايري الجنس في أيّ وجهة سفر، ويميلون إلى السّفر مرّات أكثر خلال السّنة. إنّهم فئة سكّانيّة مثيرة للاهتمام ومربحة للغاية، والبلدان تستثمر الكثير من الأموال لجذبهم.”

إلّا أنّ مستوى الرّفاهيّة والرّاحة للمسافرين إلى المملكة العربيّة السّعوديّة من مجتمع الميم عين ما زال غير واضح. قال بورن إنّ المسافرين يفضّلون وجهات مثل جزر المالديف ودبي، ويحتاجون من السّلطات السّعوديّة توفير نسبة أعلى من الأمان لهم قبل أن يزوروها بأعداد كبيرة.

التّقدّم بحذر

أعلمت نورا*، ناشطة سعوديّة تبلغ من العمر 29 عامًا، وهي تنتمي إلى مجتمع الميم عين، فناك أنّ هذا الموقف المرحِّب مصحوب بقيود ستطبّق على الأفراد الّذين لا يعرّفون أنفسهم بالجنس الّذي أعطي لهم عند الولادة.

وفسّرت أنّ “الأشخاص الّذين يعرّفون أنفسهم كغير ثنائيّي الجنس أو غير متحوّلين جنسيًّا قد يواجهون وضعًا مختلفًا. فالظّاهر أنّ موقفهم المرحِّب يعني أنّهم لن يستجوبوا أحدًا حول ميوله الجنسيّ ما لم يظهره للعلن.”

إضافة إلى ذلك، تشير نورا إلى أنّ قوانين الحشمة المطبّقة على الأزواج المغايرين، مثل منع التّعبير العلنيّ عن المشاعر، ستطبّق أيضًا على أفراد مجتمع الميم عين.

وأردفت “عند الذّهاب إلى هناك، من الأفضل استيعاب أنّه ليس بإمكانك المصارحة بمثليّتك، مثل حمل علم الفخر أو ارتداء ثياب قد تعتبر غير محتشمة، أو إظهار علامات ميولك الجنسيّ بوضوح.

من منظار نورا، الّتي نشأت في ظلّ حكم الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، وهو والد محمّد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود، إنّ هذه التّغييرات خطوات تجعل بلدها أكثر أمانًا وتوفّر مستقبلًا أفضل.

قالت “صدرت انتقادات كثيرة لقوانين محمّد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود المتعلّقة بالسّجن، الّتي بموجبها يحاكَم كلّ من يجاهر برأيه بعقوبة السّجن مدى الحياة أو الإعدام. لكن للأشخاص من جيلي، الّذين نشأوا في زمن أكثر تشدّدًا، ما يقدّمه محمّد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود أفضل بكثير.” شارحة أنّ السّير في الطّريق بشعر قصير كان يخيفها من التّنمّر بسبب تسريحتها غير التّقليديّة، أيّام عبد العزيز آل سعود.

أمّا الآن فيمكن للنّساء التّجوّل من دون حجاب، كما يمكنهنّ القيادة والعمل والعيش باستقلاليّة عن أولياء أمورهنّ الرّجال.

عمليّة طويلة الأمد

على الرّغم من اعتراف نورا بكون ذلك استراتيجيّة ريادة أعمال أخرى لجذب الزّوّار من حول العالم وتعزيز القطاع السّياحيّ، تشير إلى إمكانيّة استفادة المجتمع السّعوديّ من ذلك على المدى الطّويل.

تشرح قائلة: “ليس من عوائدنا قبول الأفراد من مجتمع الميم عين، ويختلف الحال في المناطق المدنيّة عن الحال في المناطق القرويّة بشكل ملحوظ في صلب البلد. إلّا أنّ الانفتاح على الزّوّار المثليّين قد يكون خطوة في اتّجاه قبول هؤلاء الأفراد واعتماد موقف مستنير حيالهم، فيما هم مجبورون على التّحفّظ والتّستّر بسبب القواعد الاجتماعيّة المتحفّظة والمحرّمات.”

يؤمن بيرثو ماكسو، من المنظّمة الإنسانيّة غير الحكوميّة “فخر لبنان” بإمكانيّة تفسير هذه الاستراتيجيّة التّسويقيّة على أنّها غسيل ورديّ pinkwashing إذا لم ترافقها إصلاحات جدّيّة أخرى.

الغسيل الورديّ هو عمليّة التّرويج لحقوق مجتمع الميم عين كإشارة إلى الحرّيّة والدّيمقراطيّة، بهدف الإلهاء عن العنف ضدّ البلدان أو المجموعات الأخرى، أو تشريعه.

ومثل نورا، يصرّ ماكسو على أنّ هذه خطوة إيجابيّة نحو مستقبل أكثر تطوّرًا للمملكة العربيّة السّعوديّة، الّتي تحتاج إلى سنّ قوانين تحرص على سلامة المسافرين من مجتمع الميم عين.

قال ماكسو لفناك: “أنا متأكّد من أنّ موقفهم الجديد المرحِّب سيجذب الأجانب من البيض الّذين ينظرون إلى المملكة العربيّة السّعوديّة كوجهة غامضة لم تُعرَف قطّ كوجهة سياحيّة. لكنّني أشكّ أنّ العرب من مجتمع الميم عين سيتفاعلون بالطّريقة نفسها.”

وأكمل قائلًا إنّ ذلك نتيجة غياب الضّمانة والأمان اللّذين توفّرهما بلدان الشّرق الأوسط وشمال إفريقيا، حيث الموقف من أفراد مجتمع الميم عين غير متوقّع ومتقلّب. خلال شهر الفخر في حزيران 2022، استهدف المسلمون والمسيحيّون على حدّ سواء فعّاليّات مجتمع العين ميم وأعماله الفنّيّة في لبنان، وهو أحد البلدان الأكثر انفتاحًا وحرّيّة في الشّرق الأوسط.

أشار أخيرًا إلى أنّه “من المهمّ التّذكّر أنّ المملكة العربيّة السّعوديّة ما زالت بلدًا مسلمًا متحفّظًا يحتاج إلى الوقت ليتقدّم بالكامل في ما يتعلّق بحقوق مواطنيه من مجتمع الميم عين. والإجراء الأمثل هو توخّي الحذر ومعرفة الحقائق إلى أن تصدر قوانين جديدة وتوضع قيد التّنفيذ.”