في سبتمبر 2011، تعهد ملك السعودية الراحل لمواطنات البلاد، اللواتي همشنّ لفترة طويلة بسبب المحرمات الاجتماعية والتقاليد الصارمة، بالسماح لهنّ بالمشاركة والتصويت في الانتخابات البلدية المحلية. وباعتباره الملك المُصلح بعد عقودٍ من قمع حقوق المرأة، كانت كلمات الملك عبد الله كالموسيقى التي تطرب لها الآذان، ليس من قِبل النساء فحسب، بل أيضاً الرجال المتحررين.
وفي تصريحٍ لتلفزيون البلاد، أعلن الملك عبد الله “ولأننا نرفض تهميش دور المرأة في المجتمع السعودي في كل المجالات التي تتوافق مع الشريعة، وبعد التشاور مع كثير من علمائنا في هيئة كبار العلماء، وآخرين من خارجها، والذين استحسنوا هذا التوجه وأيدوه بالسماح بمشاركة المرأة كعضو في مجلس الشورى اعتباراً من الدورة القادمة.” وأضاف “يحق للمرأة السعودية أن ترشح نفسها لعضوية المجالس البلدية، ولها الحق كذلك في المشاركة في ترشيح المرشحين بضوابط الشرع الحنيف.” وبينما أعلنت هذه التصريحات في عام 2011، إلا أنه كان من البديهي أنها ستدخل حيز التنفيذ بعد أربع سنوات، أي في عام 2015.
بعد إعلانه هذا، كان هناك انتقادات صامتة من المحافظين في البلاد، أعرب عنها غالبيتهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي مستخدمين أسماءً مستعارة. ورغم أن انتقادات المحافظين لم تبث علناً قط خوفاً من رد فعل الحكومة، إلا أنها كانت متداولة محلياً. إلا أنه كان هناك تفاؤلٌ حذر، فقد أخبرتنا إحدى النساء التي فضلت عدم الكشف عن اسمها ساخرةً “إذاً يمكنني التصويت ولكنني لا أستطيع الحصول على رخصة للقيادة. إذا ما استخدمت اسمي قد أخرق قانون الوصاية.”
ووصفت الناشطة الاجتماعية، سفانة دحلان، التي لم تعد تمارس نشاطها كما في السابق، من مدينة جدة السعودية التي تعتبر أكثر مدن البلاد تحرراً، هذه الخطوة بـ”النقلة النوعية،” وذلك على الرغم من الاعتراضات من قِبل المحافظين في البلاد ووسائل الإعلام الأجنبية الذين لم يؤمنوا أنّ مثل هذه الخطوة ستحرز التقدم الكافي لمنح المرأة الحرية الكاملة. سيكون يوماً تاريخياً، فقد قالت دحلان “أعتقد أنها خطوة كبيرة، إلا أنها ستستغرق وقتاً. عادةً ما يرفض الناس التغيير في البداية، ولكن بمجرد تبنيه، وبمجرد أن يأخذ مكانه ويبدأ الناس برؤية نتائجه، سيتحول الناس لقبول هذه الفكرة.”
وعلى الصعيد الدولي، اعتبر قرار الملك خطوة غير كافية. وبوصف الإعلان بـ”الذي طال انتظاره،” قالت منظمة العفو الدولية أنه كان جزءاً من ما هو مطلوب لتحقيق المساواة بين الجنسين.
وقال المتحدث باسم منظمة العفو الدولية “دعونا لا ننسى أن المرأة السعودية لن تكون فعلاً قادرة على الذهاب بنفسها إلى مراكز الاقتراع لأنها لا تزال محظورة تماماً عن القيادة.” كما سلط الضوء أيضاً على الظروف السائدة في البلاد التي تمنع حتى الآن سفر أو عمل أو دراسة أو زواج المرأة السعودية دون الحصول على إذنٍ صريح من ولي أمرها، مما يجعلها عُرضة للإساءة.
وأثناء كيل المديح لإعلان الملك بإجراء انتخابات كاملة وحرة تتضمن النساء السعوديات، قالت سارة ليا ويتسن، مديرة قسم الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش “إنّ وعد الملك عبد الله بالسماح أخيراً للنساء بالتصويت خطوة موضع ترحيب بعيداً عن التمييز واستبعاد المرأة السعودية التي عانت لفترة طويلة. إن تفعيل التصويت والترشح في الانتخابات البلدية هو إنجاز كبير غير مسبوق للمرأة السعودية.” ومع ذلك، حثت ويتسن الحكومة السعودية على إزالة الحواجز التي تحول دون تقدم المرأة.
وأخيراً، جاء اليوم الموعود في أوائل ديسمبر 2015، عندما ترشح ما مجموعه 7,896 مرشح، من بينهم 979 إمرأة، للظفر بالمقاعد الـ3,159 للمجالس البلدية في جميع أنحاء البلاد. وعلى الرغم من أنّ نسبة التصويت المضمون كانت واحد لعشرة لصالح الرجال، إلا أنه اعتبر حدثاً هاماً يؤكد مشاركة المرأة.
كان القاسم المشترك في البرامج الانتخابية للعديد من المرشحات وعود بإنشاء المزيد من دور الحضانة لإطالة ساعات رعاية الأطفال للأمهات العاملات، وإنشاء مراكز شبابية للأنشطة الرياضية والثقافية، وتحسين الطرقات، وتحسين طرق جمع القمامة، ومدن صديقة للبيئة.
تتكون مجالس البلدية من سكان المدينة، الذين يتم انتخاب نصفهم وتعيين النصف الآخر من قِبل الحكومة. تتمتع هذه المجالس بالسُلطة، على الرغم من أن تفاصيلها غير واضحة، بالتحقيق بالقضايا التي تتعلق بالجوانب البلدية لسكان مناطقهم، ولفت انتباه رئيس البلدية والمحافظ لهذه القضايا لاتخاذ الاجراءات الملائمة. تتراواح مجالات اهتمامهم ما بين جمع القمامة وأنقاض البناء، وتوافر الحدائق العامة وصولاً إلى المخاطر على الطرقات، أي كل ما يهم سكان تلك المدينة أو البلدة.
وصرّحت إحدى المرشحات عشية الانتخابات “حتى وإن لم أفز بالانتخابات، فقد حققت الفوز.” ونُقل عن هيفاء الحبابي، وهي أستاذة في إحدى الجامعات المحلية، قولها “هذه هي البداية فقط. تذكروا كلماتي،” هذا ما أخبرته لطلابها في الجامعة مؤكدة أنّ هذه الانتخابات تغيير بارز في المملكة العربية السعودية. وقالت الحبابي “أخبرهم… أن بلدنا بلد الشباب. قد يبدو أننا أحرزنا التقدم من أموال النفط، إلا أننا تمكنا حقاً في إيجاد طريقنا. لا تشككوا في ذلك. هذه الانتخابات خطوة أخرى للمرأة، وإن كانت مجرد خطوة صغيرة.”
تم انتخاب عشرين إمرأة في المجالس البلدية في جميع أنحاء البلاد، ولربما يعتبر هذا رقماً متواضعاً بالنسبة للعالم الغربي، إلا أنه كان كافياً لخلق ضجة واسعة النطاق محلياً. وعلى الفور تقريباً، ظهر خلافٌ عندما أصرت مرشحتان منتخبتان خلال الدورة الأولى للمجلس البلدي في جدة المنتخب حديثاً، على السماح لهنّ بالجلوس في نفس القاعة وعلى نفس الطاولة مع نظرائهم من الرجال، دون أي حواجز تفصل بينهم.
أعقب ذلك نقاشٌ محتدم، بعد أن رفضت العضوتين المنتخبتين في المجلس، لمى السليمان ورشا حفظي، الجلوس خلف حائط زجاجي في مكاتب منفصلة خلال اجتماعات المجلس، وأصروا على الجلوس مع نظرائهم من الذكور على طاولة واحدة، على الرغم من اعتراضات بعض الأعضاء الذكور الأصوليين. وقالت النساء “إن لم يكن بمقدورنا الجلوس على طاولة واحدة أثناء الاجتماع الشهري العام، فلن يكون بمقدورنا أيضاً الجلوس في ورش العمل، أو اجتماعات اللجنة، أو لقاءات الجمهور، والذي من شأنه تهميش دورنا إلى حد كبير.”
ومما أثار استياء الكثيرين أيضاً، إعلان وزير الشؤون القروية والبلدية السعودي عن ملحقٍ للوائح الصادرة بعد ظهور نتائج الانتخابات، والذي نصّ على جلوس أعضاء المجلس من النساء في غرفة منفصلة أثناء الاجتماعات والمناقشات، والتواصل مع زملائهم من خلال الدوائر التلفزيونية المغلقة والميكروفونات!
أدين قراره على نطاقٍ واسع باعتباره مؤشراً على استسلامه للعناصر المتشددة في البلاد. وكتبت سمر الفطاني، وهي مدافعة عن حقوق المرأة السعودية، “يُطبق هؤلاء الرجال فكرهم المتطرف لتهميش دور النساء وعرقلة مشاركتهن على قدم المساواة في عملية صنع القرار. إنّ فكرة أنّ وجودهن يشكل خطيئة أمرٌ غير مقبول، ولم يعد بالإمكان تحمله من قِبل أي إمرأة محترمة في بلدنا اليوم.”