وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

السعودية منذ أحداث 11 سبتمبر حتى وفاة الملك عبد الله

تركت هجمات 11 سبتمبر على السعودية أثراً عميقاً. واستغل الإصلاحيون داخل المملكة أحداث 11 سبتمبر للمطالبة بالتغيير الاجتماعي. وردت الحكومة بقمع التيارات الدينية العنيفة والإصلاحيين الذين رأوا أن النظام السياسي هو من ينتج التطرف.

السعودية أحداث 11 سبتمبر
نُشرت القوات الأمنية السعودية في 16 ديسمبر 2004 في وسط الرياض، عقب دعوة الحركة الإسلامية للإصلاح المعارضة ومقرها لندن، إلى الخروج في احتجاجات لتغيير النظام في المملكة. تحظر القوانين الصارمة في السعودية تنظيم المظاهرات السياسية. AFP PHOTO/BILAL QABALAN

تداعيات أحداث 11 سبتمبر

فقد كان من بين الخاطفين التسعة عشر للطائرة خمسة عشر سعودياً، وهو ما أثار موجة انتقادات عارمة على الصعيد الدولي، لا سيما في الولايات المتحدة، حيث سيطر الغضب على الرأي العام بعد الاحتفالات العفوية بالهجمات في عدد من البلاد العربية. وزعم بعض الآراء في الولايات المتحدة أن المملكة تقدّم للأطفال تعليما يجعل منهم إرهابيين رغم أنها تدّعي صداقة الأمريكيين في العلن.

كانت هجمات 11 سبتمبر ضربة قوية للعلاقات السعودية الأمريكية. لذلك بذلت الحكومة أقصى جهدها لتخفيف الضرر الواقع عليها، فقطعت علاقتها بحركة طالبان واعتقلت بعض المتهمين على خلفية تهم متعلقة بالإرهاب داخل المملكة. وأدركت السعودية بأنّ عليها إعادة بناء علاقاتها بالولايات المتحدة على المدى الطويل. فبدأت بالسعي إلى تعزيز عملية السلام مع إسرائيل.

وفي مارس 2002، دعمت السعودية مبادرة السلام العربية في إحدى قمم جامعة الدول العربية. واقترحت المملكة انسحاب إسرائيل إلى حدود ما قبل عام 1967 مقابل التطبيع الكامل مع الدول العربية، وتتضمن الاقتراح عبارات مبهمة عن عودة اللاجئين الفلسطينيين. ولكن الاقتراح فشل على أثر اندلاع عملية الدرع الواقي عام 2002، وهي عملية عسكرية واسعة شنتها إسرائيل في الضفة الغربية وقطاع غزة خلال الانتفاضة الثانية لتحييد الميليشيات الفلسطينية وإضعاف علاقاتها بالسلطة الفلسطينية.

استغل الإصلاحيون داخل المملكة أحداث 11 سبتمبر للمطالبة بالتغيير الاجتماعي، وتنوعت توجهات الإصلاحيين، فكان بينهم الليبراليون والمسلمون السنّة والشيعة، وكان لكثير منهم تاريخ في النشاط السلمي المناهض للحكم الاستبدادي. وردت الحكومة بقمع التيارات الدينية العنيفة والإصلاحيين الذين رأوا أن النظام السياسي هو من ينتج التطرف.

قيادة مسنّة

لم يكن آل سعود في وضع جيد يسمح لهم بالتعامل مع المشكلات الداخلية والخارجية. وكانت القيادة العجوز مرتبطة بالنخبة المحافظة التي تعرضت للانتقادات من الإسلاميين الأصغر والأكثر تطرفاً، وكذلك من الإصلاحيين الليبراليين.

تولى الملك فهد الحكم عام 1982 وهو الابن الثامن عشر لعبد العزيز آل سعود، وبلغ الثمانينيات من عمره مع مطلع الألفية الجديدة. وقد تُوفي عام 2005 ليخلفه الملك عبد الله، الابن العاشر لعبد العزيز آل سعود، والذي كان في أوائل الثمانينيات أيضاً. وسمي الملك عبد الله أخيه سلطان ولياً للعهد وهو الابن الخامس عشر لعبد العزيز آل سعود والذي تولى وزارة الدفاع منذ عام 1963 وكان في أوائل السبعينيات.

وحين تُوفي سلطان عام 2011، خلفه نايف بن عبد العزيز ولياً للعهد، وقد وُلد عام 1934 وهو الابن الثالث والعشرون لعبد العزيز آل سعود، وشغل منصب وزير الداخلية منذ عام 1975 وكان يبلغ من العمر 77 عاماً. وتُوفي نايف عام 2012، وسُميّ سلمان الابن الخامس والعشرون لعبد العزيز ولياً للعهد. وقد شغل سلمان منصب أمير منطقة الرياض منذ عام 1963، فكانت تلك حكومة المسنين.

السعودية منذ أحداث 11 سبتمبر
الحرس الملكي السعودي في الخدمة ومن خلفهم صور للملك عبد الله بن عبد العزيز (يمين) وولي العهد الأمير سلمان بن عبد العزيز (وسط) والنائب الثاني لرئيس الوزراء مقرن بن عبد العزيز في أثناء الرقصة التقليدية المعروفة باسم “العرضة” في مهرجان الجنادرية الثقافي في الدرعية بالرياض، 18 فبراير 2014. AFP PHOTO/POOL/FAYEZ NURELDINE

مطالبات بالإصلاح

في أعقاب هجمات 11 سبتمبر، انتشرت دعوات تطالب بالإصلاح وأحداث إرهابية متكررة. وقد عبر ذلك عن الجانبين المتعارضين في المجتمع السعودي آنذاك: الحركة المتشددة التي تستعمل العنف لضرب استقرار السعودية وإجبار القوات الأجنبية على ترك البلاد، في مقابل الحركة الإصلاحية المعتدلة التي تنادي بتغييرات سياسية واجتماعية ودينية.

وضمن الأحداث التي أدت إلى اندلاع احتجاجات كان حريق مدرسة البنات في مكة بشهر مارس عام 2002، حين ماتت خمسة عشرة فتاة حرقاً لأنّ هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر منعت رجال الإنقاذ من دخول المدرسة. كما منعت الهيئة الفتيات من مغادرة المبنى بحجة أنّهن لا يرتدين الملابس المحتشمة اللازمة. وقد تبيّن فيما بعد أنّ تلك الواقعة كانت لحظة محورية في العلاقة ما بين المواطنين والدولة لا سيما هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وبعدما تصاعد ضغط الرأي العام، جُردت الهيئة من الامتيازات والصلاحيات التي كانت تتمتع بها في سنوات ما بعد تلك الواقعة.

وأثارت قضية ملابس المرأة اضطرابات أخرى عام 2003 حين نشرت إحدى الصحف صوراً لمشاركات بمنتدى اقتصادي في جدة من دون حجاب. وكانت لبنى العليان إحدى أغنى وأبرز سيدات الأعمال في المملكة، من بين المشاركات. وقد انزعجت وغضبت المؤسسة الدينية الرسمية من ذلك الحدث وكان رد فعلها عنيفاً، وصارت المشكلة أكبر من مسألة ملابس النساء، إذ استُبعدت النساء على نحو كبير من النشاط الاقتصادي، فلم تزد نسبة النساء في القوى العاملة عن 5% علماً بأنّهن يمثلن نحو 58% من خريجي الجامعات السعودية.

وفي عام 2003، تلقى ولي العهد الأمير عبد الله خمسة التماسات تطالب بإعادة الهيكلة السياسية والاجتماعية للمملكة في عدد من الملفات تشمل الملكية الدستورية، والانتخابات، والفصل بين السلطات، وحرية التعبير. وورد في التماس آخر مطالبة بوضع حد للتمييز ضد المواطنين الشيعة. وبعد ذلك التقى ولي العهد الأمير عبد الله بعدد من المتقدمين بتلك الالتماسات ووعد بإجراء حوار وطني وإجراء انتخابات محلية. وفي أكتوبر 2003، وعدت الحكومة بإجراء انتخابات على نصف مقاعد المجالس المحلية في غضون عام، ولكن اقتربت نهاية العام من دون إجراء أي استعدادات. وفي نهاية عام 2003، قدم الملتمسون مطالب أكثر جذرية تطالب بوضع دستور. ولم تكن الحكومة تنوي النظر في مثل هذه المطالب. وفي الوقت نفسه، كانت هناك حملة إرهابية قد بدأت.

الإرهاب

شهد عام 2003 موجة من الهجمات الإرهابية بعد غزو العراق بقيادة الولايات المتحدة. ورغم إدانة الحكومة السعودية للغزو وامتناعها عن المشاركة فيه، بدأ تنظيم القاعدة في جزيرة العرب يستعد لشن هجمات على المصالح الغربية والأجانب في السعودية. وقد تدرب معظم أتباع تنظيم القاعدة في معسكرات أفغانستان في الثمانينيات والتسعينيات ثم عادوا إلى المملكة مع انهيار حكم طالبان. وفي 12 مايو، هاجم انتحاريون مجمعات سكنية في الرياض يسكنها الأمريكيون والأوروبيون، ونتج عن ذلك مقتل 30 شخصاً وإصابة 200 آخرين. فكانت تلك بداية المواجهة الشاملة بين القاعدة وحكومة المملكة ووقعت اشتباكات كثيرة بين الشرطة والمسلحين على مدار الشهور الست اللاحقة في كل أنحاء البلاد.

ووقع هجوم دموي في الرياض في 8 نوفمبر أسفر عن مقتل 17 شخصاً وإصابة 120 آخرين. ولما كان كثير من القتلى من العرب والمسلمين ومن بينهم أطفال كذلك، ثار الرأي العام على القاعدة. وفي نهاية العام وحتى 2004، بدأت الخلايا الإرهابية تركّز على الأهداف المحلية والمسؤولين السعوديين. وبحلول منتصف عام 2004، تركّزت الهجمات أكثر على الأجانب الغربيين وقوات الأمن السعودية. وتصدى الجيش والشرطة لتلك الهجمات ونفذا عدداً من العمليات الناجحة بحلول منتصف 2005، ونتج عنها اعتقال ما بين 600 إلى ألف شخص. وقد ساهم ذلك في كسر شوكة الحركة الإسلامية الإرهابية.

الاقتصاد

بحلول مطلع الألفية، واجهت حكومة الملك عبد الله مشكلة تتمثل في انخفاض عائدات النفط. فقد بقيت أسعار النفط على حالها ولم ترتفع مجدداً حتى عام 2003/2004. ويرجع ذلك الانخفاض جزئياً إلى ارتفاع إنتاج النفط من دول خارج منظمة الأوبك.

وفي عام 2002، انخفض نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، وارتفعت البطالة إلى نحو 30% بين الشباب، وبدأ الفقر يرتفع.

ولذلك اتبعت الحكومة سياسة تحرير اقتصادي بهدف جذب استثمارات جديدة وخلق فرص عمل. واستُخدم جزء من الثروة النفطية لإنشاء مدن صناعية جديدة. ولكن مثل هذه المحاولات التي استهدفت تنشيط القطاعات غير النفطية لم تنجح في معالجة المطالب الاجتماعية والسياسية. ورغم ارتفاع البطالة، ظلّت المملكة تعتمد على الأجانب. وفي عام 2003، قدّرت الحكومة السعودية إجمالي العمالة الوافدة بنحو 8.8 مليون رجل وامرأة، وهو ما يمثل 67% من القوى العاملة. وكان عدد الهنود من العمالة الوافدة ما بين مليون إلى مليون ونصف هندي. وكان معظم نصيب العمالة المنزلية من إندونيسيا وسريلانكا (يُقدّر عددهم بنحو 850 ألف عامل). وعادة ما كانت ظروف العمل محفوفة بالمخاطر وأدت إلى انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان.

ومن عام 2003 فصاعداً، بدأ الاقتصاد السعودي يتعافى بفضل الزيادة السريعة في أسعار النفط ودخول الاقتصاد في واحدة من أطول فترات الازدهار. وحقق الناتج المحلي الإجمالي نمواً بنسبة 5% على مدار السنوات الخمسة اللاحقة، وذلك على الرغم من تراجعه بسبب الأزمة المالية العالمية لعام 2008.

السعودية والشرق الأوسط

بعدما تولى الملك عبد الله العرش عام 2005، تطورت الاتصالات السرية بين إسرائيل والمملكة. وكانت حكومة إيهود أولمرت حريصة على التعامل مع الدول العربية، وأشادت بخطة السلام التي دعمتها السعودية عام 2002. والتقت مصلحة البلدين في إنهاء حرب عام 2006 في لبنان والحد من الخطط الإيرانية لتطوير سلاح نووي.

رأت السعودية أنّ إيران دولة خطيرة للغاية وعدو توسعي بطبعه وداعمة للتطرف الإسلامي، كما أنّها تشجع الحركات المتمردة بين المواطنين الشيعة في شرق المملكة. وقد دعمت السعودية صدام حسين في العراق باعتباره حليفاً لها ضد إيران، لا سيما في الحرب العراقية الإيرانية. ولكن حكومة ما بعد صدام أصبحت تحت سيطرة الشيعة وهو ما أدى إلى تفكك العلاقة بين البلدين. وفي عام 2006، أصبح نوري المالكي رئيساً للوزراء في العراق، وكان يُعد حليفاً لإيران. ولكنه سعى بنفسه من أجل التصالح مع المملكة وجعلها أول محطة في زياراته الخارجية بعدما تولى مهام منصبه.

وقبل ذلك بعام، تولى محمود أحمدي نجاد رئاسة الجمهورية الإيرانية، فزادت مخاوف السعودية من سياسته الخارجية المتشددة ومساعيه لصناعة قنبلة نووية. وزادت المخاوف أكثر عقب الربيع العربي الذي شهد احتجاجات في البحرين، فأرسلت المملكة ألف جندي للمساهمة في قمعها، وقد وصفت السعودية تلك الاحتجاجات بأنّها مدعومة من إيران لزعزعة نظام العائلة الملكية السنية.

وكان الرئيس المصري حسني مبارك أقرب حليف إقليمي للسعودية في العقد الأول من الألفية. ورغم انقطاع العلاقات بين البلدين بعد توقيع اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل عام 1979، فقد عادت مرة أخرى في أثناء الحرب العراقية الإيرانية. وما لبثت التوترات أن ظهرت من جديد بسبب التنافس بين البلدين على زعامة العالم العربي. وقد كان الملك عبد الله واضحاً في فترة الثورة المصرية عام 2011، وانتقد “التدخل في أمن واستقرار مصر العربية والمسلمة من قبل بعض مثيري الفتن باسم حرية التعبير مستغلين الأحداث الجارية لنشر أجندتهم الهدامة”.

الربيع العربي

نجت المملكة من الانتفاضات العربية أو “الربيع العربي”. ولم يُلب أحد الدعوة ليوم الغضب في 11 مارس عام 2011. وقد اعتمدت السعودية في مواجهة الربيع العربي على استراتيجية ذات ثلاثة ركائز: حشد دعم علماء الدين الذين أصدروا فتاوى تدين الاحتجاجات في البلاد الأخرى، والإنفاق ببذخ على حزمة من الخدمات الاجتماعية بقيمة 130 مليار دولار من أموال الثروة النفطية، والترهيب الشديد من قوات الأمن. ولكن استياء الشيعة في المنطقة الشرقية لم يهدأ مع تصاعد الاحتجاجات.

وفي عام 2012، ألقت الحكومة السعودية باللوم على إيران عقب سلسلة من الاحتجاجات بسبب التمييز ضد الشيعة. وبعد عامين، في أكتوبر 2014، حكمت المحكمة الجزائية المتخصصة في المملكة على رجل الدين الشيعي نمر النمر بالإعدام بسبب مشاركته في الاحتجاجات. ورغم أن النمر لم يُعدم في ذلك الوقت (نُفذ الحكم عام 2016)، ساءت العلاقات بين المملكة وإيران في بداية عام 2015 أكثر فأكثر.

حرب اليمن وبداية حقبة جديدة من تاريخ المملكة

اشتبكت إيران والسعودية في حرب أهلية بالوكالة في اليمن، وأخذ كل طرف منهم يدعم الفصائل المتنازعة بسبب العداء بينهما. وفي عام 2012، خرجت جماعة الحوثي الشيعية عن طاعة الحكومة اليمنية وأجبرت الرئيس علي عبد الله صالح على الاستقالة. وزعمت المملكة أن إيران تدعم جماعة الحوثي مالياً وعسكرياً. ولما سيطرت جماعة الحوثي على صنعاء عاصمة اليمن منذ سبتمبر 2014، اضطُر الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي إلى الفرار صوب الرياض، ثم تدخلت الحكومة السعودية وبدأت قصف اليمن في مارس عام 2015.
وفي 23 يناير 2015، تُوفي الملك عبد الله عن عمر يناهز 91 عاماً، وخلفه أخيه غير الشقيق ولي العهد الأمير سلمان الابن الخامس والعشرين لعبد العزيز آل سعود والبالغ من العمر 79 عاماً. وصحيح أنّ ذلك لم يخرج عن عُرف الأسرة الحاكمة في شيء، لكن تبين فيما بعد أنّ هذه اللحظة شهدت نهاية جيل حكم السعودية فترة طويلة، وبداية حقبة جديدة في تاريخ السعودية.

Advertisement
Fanack Water Palestine