وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

أزمة المياه في العراق تهدد البلاد بخطر النزوح وعدم الاستقرار

أزمة المياه في العراق
منظر جوي يظهر بقايا قرية غاري كسروكة المغمورة التي هُجرت قبل 36 عامًا ، والتي عادت إلى الظهور بعد انخفاض كبير في منسوب المياه في مدينة دهوك شمال العراق. اسماعيل عدنان / وكالة الصحافة الفرنسية

جاستن صالحاني

يواجه أهل العراق أزمة في ندرة المياه قد تؤدي خلال السنوات القادمة إلى الاضطراب والنزوح  في ظل خطر تغير المناخ والمشروعات الإقليمية لتركيا والدول المجاورة التي تهدد إمدادات المياه في البلاد. ويرى محللون أن عدم تحديث البنية التحتية لإمدادات المياه والاتفاقيات الإقليمية، فضلًا عن تنويع الاقتصاد ليشمل مصادر دخل غير نفطية، قد يضر باستقرار العراق على المدى البعيد.

وقال هاري إستيبانيان، الخبير في شؤون الطاقة والمياه في العراق، لفنك “إنّ التوتّر في البلاد يزداد كلما واجهت خطر جفاف”.

ووفقًا للّجنة الدولية للصليب الأحمر، فقد ارتفعت درجات الحرارة ارتفاعًا كبيرًا  في العراق خلال السنوات الأخيرة، وشهد القرن الماضي بوجه عام ارتفاعًا  قدره 0.7 درجة مئوية. وتقلّ خصوبة الأرض نتيجةً ارتفاع متوسط  درجة الحرارة  ما يؤثّر على السّكان والصناعة.

ويشهد الشرق الأوسط ارتفاعًا في ظاهرة الاحتباس الحراري بمعدل أسرع من المتوسط العالمي، كما تتزايد موجات الحر وتشتد، وهذا ما يؤدي إلى زيادة  ملوحة  التربة. ومع استمرار ارتفاع درجات الحرارة، يُتوقع أن تتعرض الفئات الأضعف من سكان العراق إلى أزمات أكبر على صعيد سوء التغذية والجوع.

وفي صيف 2018، استقبلت مستشفيات البصرة 118 ألف شخص بسبب مشاكل صحية تتعلق بجودة المياه. وفي 2019، أعلنت منظمة الهجرة الدولية التابعة للأمم المتحدة في تقرير لها أن 21,314 عراقيًا قد تعرضوا للتهجير الداخلي في المحافظات الوسطى والجنوبية بسبب نقص المياه الصالحة للشرب. ويُتوقع أن ينزح العراقيون عن بيوتهم في أنحاء كثيرة من البلاد خلال السنوات القادمة نظرًا  لتعرض نحو 54% من الأراضي العراقية لخطر زيادة الملوحة. أما في جنوب العراق، فقد لوثت حقول النفط مصادر المياه وجعلتها غير صالحة للشرب في حين جفت ثاني أكبر بحيرة في البلاد.

وقال صياد عراقي يُدعى عبد الله لقناة فرانس 24 :”نبحر للصيد وبعد ثمانية أو عشرة أيام نعود بنحو 500 كيلوغرام ، بينما كنا نصيد ثلاثة أو أربعة أطنان قبل عشرين عامًا”.

ويُتوقع أن يكون المزارعون هم الفئة الأكثر تعرضًا لخطر هذه الأزمة. ويساهم قطاع الزراعة بنحو 5% فقط من الناتج المحلي الإجمالي العراقي، ولكن يعمل به نحو ثلث مواطني البلاد ممّن يعيشون في المناطق الريفية. كما أصاب الجفاف أماكن أخرى بما في ذلك الأهوار الجنوبية التي ترعى فيها الجواميس وحيوانات أخرى، ما يدفع الناس إلى التفكير في هجرها بحثًا  عن بيئة مستقرة.

وقال إستيبانيان: “معظم المزارعين، وهم نحو 70% من العائلات،هجروا أراضيهم،  وما يحدث من شأنه أن يغير طبيعة النظام البيئي وحياة السكان تغييرًا  شاملًا”.

ولا تعد أزمة نقص المياه مسألة محلية فحسب، بل إقليمية أيضًا ، إذ إنّ مصدر المياه الرئيسة في العراق هو نهرا دجلة والفرات اللذان يمثلان 98% من المياه السطحية في البلاد،. وكلاهما ينبع من تركيا، ويمرّ  الفرات عبر سوريا وتمتد روافده حتى إيران. وقد أقامت تركيا 22 سدًّا و 19 محطة هيدروليكية ضمن مشروع جنوب شرق الأناضول الذي يسمح لها بالتحكم في إمدادات العراق وسوريا من المياه. وقد يجف النهران تمامًا في العراق بحلول سنة 2040 بسبب سلوك الدول المجاورة.

قال إستيبانيان: “رفضت تركيا وإيران على مدار 75 عامًا  التوقيع على أي اتفاق مشترك مع العراق بذريعة أن النهرين لا يُعتبران من الأنهار العابرة للحدود. وفي ظل هذا الوضع، تقول تركيا إنها ستلبي المتطلبات المحلية وتستغل أكبر قدر ممكن من النهرين قبل أن تمرّ مياه الفرات إلى سوريا أو مياه دجلة إلى العراق”.

وما تزال المحادثات الإقليمية جارية بشأن قضية المياه، لكن إستيبانيان يرى أن تركيا لن تغير سياستها. لا سيما أنها المتحكم الرئيس. وفي ظل تداعيات التغيرات المناخية على الدول المجاورة للعراق خلال السنوات القادمة، سيؤدي ذلك إلى تقليل حصة العراق من المياه.

وأوضح إستيبانيان: “مشكلة العراق معقدة، فهي لا ترتبط بتوفير المياه فحسب، بل بحسن إدارتها أيضًا وفعل ما يلزم للحفاظ عليها”.

تجري حاليًا  محاولات من أجل تحديث البنية التحتية لإدارة المياه، لكن يبدو جليًا لمتابعي الشأن العراقي أنها تسير ببطء. ويستهلك الري في العراق أكثر من ثلاثة أرباع المياه المتوفرة، وقد أصدر مرصد العراق الاقتصادي ، التابع للبنك الدولي، تقريرًا  يدعو فيه إلى “إصلاحات واسعة في قطاع المياه للاستغلال الأمثل لما توفره من فرص، وحسن إدارة ما يرتبط بها من مخاطر”. كما دعا العراق إلى العمل بالكفاءة اللازمة في إدارة الحلول المؤسسية والإقليمية.

وبيّن إستيبانيان أن “العراق يستعمل الطريقة نفسها في ري الحقول منذ 4000 عام، وتحتاج البلاد الآن إلى تطوير تقنيات جديدة بعد فشل الوصول إلى أي اتفاق مع إيران وتركيا. ويجب عليها أيضًا البحث عن مصادر أخرى للمياه مثل المطر”.

ومن جانب آخر، فإن نهر شط العرب في العراق تنبع نحو 40% من مياهه من إيران، وتتنازع  البلدان الحق فيه منذ أكثر من 85 عامًا.

وقد التمست الحكومات العراقية – دون جدوى تُذكر- دعم المجتمع الدولي مرارًا من أجل حل أزمة المياه. وقال إستيبانيان إن الحكومات العراقية تدرك حاجة البلاد إلى تنويع اقتصادها وعدم الاعتماد على النفط فقط،،  لكن سائر المحاولات تسير ببطء واضح. فقد انصرف انشغال الحكومة في السنوات الأخيرة إلى مواجهة مجموعات مثل تنظيم الدولة الإسلامية، أو مكافحة الفساد، أو معالجة القضايا العسكرية على المستوى الإقليمي.

وقد بحثت عدة هيئات ومنظمات دولية مثل برنامج الغذاء العالمي والاتحاد الأوروبي واليونيسف وسائل تحديث البنية التحتية لإدارة المياه في العراق من خلال تطوير القنوات والمصارف وشبكات الري، بالإضافة إلى تقديم عدة دورات تدريبية تختص بقطاع الصناعة. ولكن دون استيعاب السياق الإقليمي الأوسع، سوف تستمر معاناة العراق على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي والجغرافي.

ويرى إستيبانيان إنه رغم حاجة البلاد الماسّة إلى تغييرات عدة على المدى البعيد، فإن العراق لن يشهد أوضاعًا مستقرة على المدى القريب، بل سيواجه اضطرابات ومستجدات مختلفة من عام لآخر. فقد يطمئن أهل العراق في حال هطول الأمطار الغزيرة والثلوج في أنحاء متفرقة من البلاد، ولكن ذلك لن يدوم مع ظهور الجفاف من جديد، أي أن تعرّض البلاد للخطر مسالة وقت فحسب.

واختتم إستيبانيان قائلًا: “كنت أتوقع أن تسوء الأمور هذا العام. ولكن موسم الأمطار أتى بالخير وتبقى الأزمة قائمة”.