وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

مؤتمر تغير المناخ الـ28: نظرة مستقبلية إلى 2028، ونقاشات حول التربة الملحية والتكيف في الزراعة

كان مؤتمر تغير المناخ الـ28 (COP28) في دبي بمثابة تحول محوري في مؤتمرات المناخ، حيث أدخل مبادرات رائدة وركز على أنظمة الأغذية الزراعية.

مؤتمر الأمم المتحدة الـ28 لتغير المناخ (COP28) في دبي
مؤتمر الأمم المتحدة الـ28 لتغير المناخ (COP28) في دبي Matt Luna / Fanack.

تميّز مؤتمر الأمم المتحدة الـ28 لتغير المناخ (COP28) في دبي عن المؤتمرات السابقة بنظرته المستقبلية المتطلعة إلى استكشاف أساليب جديدة. فقد استُخدم خطاب للمرة الأولى عن التخلص التدريجي من الوقود الأحفوري في اتفاقية وقّعت عليها 198 دولة بعد جلسات تجاوزت وقتها المحدد. وفوق ذلك، تعهد المؤتمر في يومه الأول بإيداع 700 مليون دولار في صندوق الخسائر والأضرار، فضلاً عن تخصيص يوم للمناخ والإغاثة والتعافي والسلام في إعلان دعمته 80 دولة. 

كما أكّد المؤتمر في إعلان وقّعت عليه 159 دولة على أن “النظم الزراعية والغذائية يجب أن تتكيف وتتحول عاجلاً من أجل الاستجابة لضرورات تغير المناخ”.

يواجه المزارعون في أنحاء العالم مشكلات أصعب في ظل حالة الغموض المناخي التي أصبحت واقعاً لا مفر منه، إذ لم يعد من السهل توفير الغذاء لأعداد السكان المتزايدة. ويقرّ إعلان المؤتمر بشأن الزراعة بأن “التأثيرات المناخية الضارة غير المسبوقة تهدد بشكل متزايد قدرة النظم الزراعية والغذائية على الصمود”، فضلاً عن قدرة كثير من الناس، لا سيما الأضعف منهم، على إنتاج الغذاء والحصول عليه في مواجهة تزايد الجوع وسوء التغذية والضغوط الاقتصادية.

كان يوم الأحد 10 ديسمبر، 2023 هو يوم الغذاء والمياه والزراعة في مؤتمر تغير المناخ الـ28، إذ شاركت فيه المنظمات والحكومات التي تعمل على إيجاد طرق مستقبلية لتوفير الغذاء. كما عُقدت فعالية جانبية تركّز على المستقبل في جناح ائتلاف النظم الغذائية (إلى جوار جناح المياه من أجل المناخ). واستضافت الفعالية حلقة نقاش حول الترويج لإعلان عام 2028 باعتباره “عام الزراعة الملحية”، والتركيز فيه على الزراعة القادرة على التكيف مع المناخ من أجل إيجاد نظم إنتاج مستدامة ونظم بيئية صحية في المناطق المتأثرة بالملوحة.

وأدار هذا الحدث الجانبي المبعوثة الهولندية الخاصة لشؤون المياه الدولية، مايكي فان غينيكن. وفي تصريحٍ لفَنَك، قالت السيدة فان جينكن: “الزراعة المالحة هي موضوع يحتاج فيه مديرو المياه والمهندسون الزراعيون إلى العمل معًا. أرى ثلاث أولويات. أولاً، يتعين علينا أن ندير المياه العذبة بطريقة يمكننا من خلالها الحد من التملح. ثانيًا، نحتاج إلى تطوير وتنفيذ تقنيات زراعية ملحية على نطاق واسع لضمان إنتاج الغذاء. وثالثًا، مع تغير المناخ، نحتاج نأخذ توافر المياه العذبة في الاعتبار في تخطيطنا المكاني والاقتصادي. لن تكون جميع الأنشطة ممكنة في كل مكان حتى مع أفضل التقنيات “.

ومن أجل تحقيق ذلك، يعمل المركز الدولي للزراعة الملحية (إكبا)، وهو مركز أبحاث زراعية غير ربحي في دبي، على تحديد واختبار وإدخال المحاصيل والتقنيات الموفرة للموارد والذكية مناخياً والمناسبة للمناطق المتأثرة بالملوحة وندرة المياه. ببساطة، يعمل المركز على زراعة محاصيل موفرة للمياه في الأراضي المتأثرة بالملوحة.

cop 28 icba
ممثلا فنك رينير هيتينك ومات لونا في حفل إطلاق “مزرعة الدُخن التجريبية: من البذور إلى الاستهلاك” في المقر الرئيسي لإكبا في دبي مع الدكتورة طريفة الزعابي (يسار الوسط) ونيرميتا تشاندراشيكار (يمين الوسط) في الصورة.. Fanack

وفي 7 ديسمبر، حضر ممثلا فنك رينير هيتينك ومات لونا حفل إطلاق “مزرعة الدُخن التجريبية: من البذور إلى الاستهلاك” في المقر الرئيسي لإكبا في دبي. وجاء هذا الافتتاح في إطار مشاركة إكبا في مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ، وكذلك للمساهمة في أهداف “السنة الدولية للدُخن 2023” التي أعلنتها منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو). واستعرض مركز إكبا مزرعته التجريبية المستدامة للدُخن مع التركيز على سلسلة القيمة بأكملها، من البذور إلى الاستهلاك.

والدُخن من الحبوب الغنية بالمغذيات التي يستهلكها البشر منذ نحو 4000 عام، وإن لم يكن على نطاق واسع. ويتميز الدُخن ببصمته الكربونية المنخفضة وملاءمته للظروف المناخية الصعبة، لا سيما البيئات الهامشية. ويُعد الدُخن غنياً بمزيج فريد من العناصر الغذائية تشمل الفيتامينات والمعادن والألياف الغذائية، ما يجعله مناسباً أيضاً لعلف الماشية. وأُنشئ نموذج مزرعة الدخن التجريبية بالتعاون مع مؤسسة SELCO التي تعمل على إنشاء نظام بيئي يمكّن الطاقة المستدامة والبيئات الحضرية (هدف التنمية المستدامة السابع) والخدمات الأساسية التي تدعم الصحة والتعليم وسبل العيش.

وقالت الدكتورة طريفة الزعابي، المدير العام للمركز الدولي للزراعة الملحية: “بينما نعمل نحو تحسين أنظمتنا الزراعية والغذائية باتجاه الاستدامة والتكيّف، يتعين علينا العناية بالمحاصيل المهملة وغير المستغلة بشكل كاف، مثل الدخن. ولأن الدُخن نبتة ذكية مناخياً وغنية بالعناصر الغذائية، يمكن أن تكون أداة فعّالة في جهودنا لتكييف أنظمتنا الزراعية والغذائية مع تغير المناخ، وتحسين أمن الغذاء والتغذية. وهذا يتطلب إجراء دراسات بحثية تطبيقية وتوسيع نطاق الابتكارات لتحقيق تأثير دائم”. 

كما ترأست د. الزعابي حفل إطلاق فعالية “تحالف النساء من أجل العمل المناخي” في جناح دولة الإمارات في المؤتمر في 4 ديسمبر. ويهدف تحالف النساء من أجل العمل المناخي إلى “جمع القيادات النسائية والعلماء وصناع السياسات والمزارعين والمؤسسات التي تعمل تحقيق المساواة بين الجنسين وتخفيف آثار تغير المناخ في الزراعة”.

وبعد استعراض مزرعة الدُخن التجريبية وكيفية معالجته بعد حصاده، جرّب الحاضرون أطعمة محضرة من حبوب الدُخن. إذ أعدّ الشيف لوكا كوبري، وهو مدير مطعم Healthy Farm Eatery بالإمارات، مافن وبسكويتاً وكعكاً وعصيدة لتوضيح قدرة الدُخن الخالي من الغلوتين على أن يكون طعاماً لذيذاً بقدر كونه مصدراً غذائياً بديلاً. كما يمكن الجمع بين دقيق الدُخن والقمح في المخبوزات لتحضير الوصفات التقليدية.

ومن جانبها، قالت السيدة نيرميتا تشاندراسيكار، مديرة البرامج في مؤسسة SELCO: “من المهم أن ننظر إلى منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا عندما يتعلق الأمر بتبني عمليات معالجة زراعية غير مركزية ومستدامة وتعتمد على مصادر الطاقة النظيفة بدءاً من الأراضي الزراعية الصغيرة”. وحتى الآن، وزّع المركز أكثر من 1700 عينة من الوراثة النباتية للدخن على شركائه في 29 دولة.

وحضر الفعالية نحو 40 مندوباً أدلى بعضهم بكلمات، من بينهم سعادة المهندس محمد موسى الأميري، الوكيل المساعد لقطاع التنوع الغذائي بوزارة التغير المناخي والبيئة بدولة الإمارات العربية المتحدة، وسعادة عبد الحكيم الواعر، مساعد المدير العام لمنظمة الفاو وممثلها الإقليمي في منطقة الشرق الأدنى وشمال إفريقيا وسعادة المهندس محمد جمال الساعاتي، المستشار الخاص لرئيس مجموعة البنك الإسلامي للتنمية.

كما عُقدت فعالية جانبية أخرى على هامش المؤتمر بين يومي 9 و10 ديسمبر تناولت الزراعة والقدرة على التكيف، من بينها “حماية مستقبلنا من تغير المناخ – دور التربة”، و”المزارعون والمنتجون التقليديون في قلب تحول النظم الغذائية”، و”بناء نظم غذائية ذات كفاءة مائية عالية”، و”تسريع تحويل النظم الغذائية”، و”إطلاق العنان لإمكانات مياه الصرف الصحي في النظم الغذائية المستدامة”.

ويدعو إعلان مؤتمر الأطراف بشأن الزراعة إلى ما يلي:

  • توسيع نطاق أنشطة التكيف والصمود.
  • تعزيز الأمن الغذائي والتغذية لدعم الفئات الضعيفة.
  • دعم العاملين في النظم الزراعية والغذائية، بما في ذلك النساء والشباب.
  • تعزيز الإدارة المتكاملة للمياه في النظم الزراعية والغذائية.
  • السعي إلى تحقيق المشاركة الواسعة والشفافة والشاملة، بما في ذلك المشاركة في السياسات وتنفيذ الابتكارات القائمة على العلم.

وقد ناقشت هذه الفعاليات وغيرها من فعاليات المؤتمر الخطوات اللازمة لتجاوز مرحلة رفع الوعي إلى تنمية الشراكات وجذب التمويل لمواجهة تحديات إطعام مزيد من الناس في ظل التأثيرات المناخية المتزايدة.

وإدراكاً لأهمية الزراعة والناس في مساحة مشتركة محدودة على الأرض، قال سعادة المهندس محمد جمال الساعاتي في فعالية إكبا: “في طفولتي في السعودية، كنت أرى مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية تحيط بالمكان الذي كنا نعيش فيه. وعندما عدت إلى الوطن بعد دراستي الجامعية، رأيت مباني سكنية مبنية مكانها”.

user placeholder
written by
Michella
المزيد Michella articles