في 25 يناير 2016، قام المراسل التلفزيوني شادي أبو زيد والممثل الشاب أحمد مالك، بتوزيع بالونات على ضباط الشرطة، متظاهرين بالاحتفال بعيد الشرطة في مصر. كما شهد ذلك اليوم أيضاً الذكرى الخامسة للثورة المصرية، عندما وقف المتظاهرون في وجه الشرطة.
البالونات التي وزعها أبو زيد ومالك كانت في الواقع أوقية ذكرية منفوخة. نُشر الفيديو الذي يسخرون فيه من أفرد الشرطة، الذي خرجوا لتأدية واجبهم بقمع أي احتجاجاتٍ محتملة موالية للثورة، على وسائل التواصل الاجتماعي وانتشر كالنار في الهشيم.
انطوت المزحة على رسالة سياسية، فكما قال أبو زيد في الفيديو: “طالما لا توجد احتجاجات أو أي أصوات للمعارضة، سنسخر منكم حتى الموت. آمل أن تستمتعوا بذلك.”وفي وقتٍ لاحق، أعلن أبو زيد ومالك ندمهما على ما فعلاه. فقد هاجمهم الإعلام لـ”إهانة” الشرطة، وتم إيقاف مالك من نقابة الممثلين، فيما أخلى برنامج “أبلة فاهيتا“مسؤوليته بخصوص الفيديو.
وسرعان ما اعتذر مالك عما بدر منه، بينما بقيّ أبو زيد يميل إلى التمرد. وكتب أبو زيد على صفحته على الفيسبوك “ايه؟ قفشتوا ليه؟ أنا بهزر،” وأضاف “معاكم سلاح ومعاكم السلطة والقانون، بس كل أسلحتكم دي إحنا هنعمل منها نكت، كوميكس أو فيديو صغير.”
استقطب تعليقه هذا تهديداتٍ له على وسائل التواصل الاجتماعي، بما في ذلك مقاطع فيديو نشرها ضباط شرطة ووزير الداخلية، اللواء مجدي عبد الغفار الذي قال فيه “تركناهم كي يحاكمهم المجتمع.” يؤدي أبو زيد حالياً الخدمة العسكرية، ولم نتمكن من الوصول إليه للتعليق. ويُظهر رد الفعل العنيف كيف أن مساحة الهجاء السياسي في مصر آخذة بالتقلص بشكلٍ سريع.
فقد كان هذا معاكساً تماماً لما حصل بعد ثورة عام 2011، عندما ازدهر الهجاء السياسي، إذ كان باسم يوسف الشخصية الأبرز في هذا المشهد، والذي علّق على الأحداث السياسية في برنامجه الساخر “البرنامج،” حيث غالباً ما سخر من الرئيس الإسلامي، محمد مرسي، وجماعة الإخوان المسلمين الحاكمة آنذاك. يُشابه مفهوم برنامجه برنامج ذا ديلي شو الأمريكي، حيث أطلق على باسم اسم جون ستيوارت مصر.
تحوّلت الموجة بعد الإطاحة بمرسي في الثالث من يوليو 2013. وبعد استراحة لمدة ثلاثة أشهر، بدأ عرض الموسم الثالث من برنامج يوسف في شهر أكتوبر 2013. وفي الحلقة الأولى، سخر باسم من عشق وسائل الإعلام والمصريين للجنرال الذي تربع على كرسي الرئاسة، عبد الفتاح السيسي.
وبعد الحلقة، أعلنت شبكة قنوات سي بي سي ايقافها البرنامج لانتهاكه “السياسة التحريرية.” عاد البرنامج في فبراير2014 على قناة إم بي سي مصر، ومع ذلك، أوقف البرنامج مجدداً في أبريل 2014، حتى “لا يؤثر على الناخبين خلال الانتخابات الرئاسية [في مايو 2014]،” كما صرحت الإم بي سي.
وفي يونيو 2014، أعلن باسم يوسف عن توقف عرض البرنامج بشكلٍ دائم، إذ قال “المناخ الحالي في مصر غير مناسب لاستمرار البرنامج السياسي الساخر.” يعيش باسم حالياً في منفى اختياري في الولايات المتحدة الامريكية.
وفي يناير 2016، بوشر بعرض برنامج ساخر آخر؛ ساتردي نايت لايف الأمريكي بنسخته العربية. فقد صرح خالد منصور، أحد أعضاء طاقم التمثيل، لشبكة سي إن إن أنهم كانوا يحاولون السير على خطى باسم يوسف، إذ قال “البرنامج حدد مسار هذا النوع من الكوميديا،” وأضاف “نحن نحاول العيش على هذا الإرث.”
ومع ذلك، على عكس البرنامج، يتجنب ساتردي نايت لايف الخوض في القضايا السياسية الحساسة. وأوضح الكاتب الرئيسي جورج سامي لوكالة الاسوشيتد برس التحديات التي ترافق السخرية في مصر، “الجميع يُثيرون العداوة… لا يمكنك قول نكتة لطيفة دون الإساءة لأحد.”
وقال طارق الجنايني، المنتج المشارك، أن “السياسة لم تعد مضحكة. نحن نعيش في فترة انتقالية، لذا لا يمكن لأحد أن يطيق المزاح حول هذا الموضوع.” وبالتالي، يجعل هذا الارتقاء إلى إرث يوسف أمراً مستحيلاً، إن لم تكن مهمةً مستحيلة. ووسط حملة القمع الجارية على أي صوتٍ من أصوات المعارضة، يُنظر إلى الهجاء السياسي باعتباره تهديداً لسلطة وشرعية النظام، الذي يواصل التأكيد على أنه في مرحلة انتقالية نحو الديمقراطية.
وبينما تسبب المتاعب الاقتصادية ضغوطاً مالية، إلى جانب اضطراباتٍ اجتماعية جديدة محتملة، يريد النظام الحفاظ على قبضةٍ من حديد على الرأي العام وتدفق المعلومات. فلا مساحةً متاحة لفيديو مدتة دقيقتين يسخر من الشرطة على موقع فيسبوك، فما بالك ببرنامجٍ تلفزيوني ساخر.
وفي أكتوبر 2015، حُكم على المجند في الجيش، عمرو نوهان، بالسجن ثلاث سنوات بتهمة محاولة قلب نظام الحكم، بسبب نشره صورة على الفيسبوك تُظهر السيسي على هيئة ميكي ماوس. وفي مايو 2016، تم اعتقال 5 أعضاء من فرقة أطفال الشوارع الساخرة بتهمة التحريض على الاحتجاجات وإهانة مؤسسات الدولة بعد نشر شريط فيديو يسخر من السيسي ومؤيديه. وأفرج عنهم في سبتمبر2016، بعد أن وافقت محكمة الاستئناف على إخلاء سبيلهم.
ومع ذلك، تواصل النكات الساخرة إيجاد طريقٍ لها على وسائل التواصل الاجتماعي، وبخاصة بعد الخطب العامة التي يُلقيها الرئيس، سواء عندما طلب من الشعب المصري التبرع بـ”الفكة” للدولة، أو عندما قال أنه “سيبيع نفسه” من أجل مصر.
وفي الوقت الراهن، هذا ما تبقى من إرث باسم يوسف السياسي الساخر في مصر.