تدور أحداث الفيلم “البحث عن أم كلثوم” الذي أخرجته المخرجة الإيرانية شيرين نيشات، حول موضوعٍ مقدس لدى المصريين، ولباقي العالم العربي إلى حدٍ ما: المطربة المصرية الأسطورة، أم كلثوم، التي لا تزال تتمتع بشهرةٍ كبيرة بالرغم من مرور 40 عاماً على وفاتها.
إن حقيقة تناول نيشات، باعتبارها غير عربية، حياة وإرث أم كلثوم عرضها للإنتقاد في مصر، وتم عرض الفيلم، الذي صدر في سبتمبر 2017، بشكلٍ محدودٍ في البلاد، إذ تم عرضه في مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة في فبراير 2018 وفي مهرجان أيام القاهرة السينمائية في أبريل 2018، ولم يتم توزيعه على دور العرض في مصر، على الرغم من عرضه في مهرجانات أفلام مرموقة في جميع أنحاء العالم.
إلا أن نيشات تُصر على أن تأثير أم كلثوم يتخطى العالم العربي وأن الصراع الذي واجهته أم كلثوم كفنانة في مجتمعٍ يُهيمن عليه الذكور يشبه تماماً الصراع الذي لا زالت تواجهه المرأة في إيران وأماكن أخرى.
في الواقع، كانت تسعى نيشات بدايةً إلى صنع فيلم يتحدث بشكلٍ مباشر عن السيرة الذاتية لأم كلثوم، إلا أنها في نهاية المطاف غيرت المسارات وصنعت فيلماً لقصة داخل قصة، الذي يتتبع خطوط مسيرة مخرجة إيرانية على غرار حياة نيشات نفسها، التي تصور فيلماً يتحدث عن إحدى الفنانات النجمات. تتشارك شخصية المخرجة “وجهات نظر نيشات والتحديات التي واجهتها كمخرجة إيرانية تحاول إخراج فيلمٍ عن مطربة مصرية شهيرة،” كما كتبت.
يستعرض الفيلم بعض الإنتقادات التي واجهتها نيشات بنفسها، بما في ذلك حقيقة أن أي شخصٍ غير عربي لا يستطيع في حقيقة الأمر فهم أو تقدير أم كلثوم. ففي أحد المشاهد على سبيل المثال تتساءل المخرجة عن سبب صنعها فيلم عن أم كلثوم بالرغم من كونها لا تتحدث العربية.
فقد أخرجت نيشات، وهي مخرجة إيرانية المولد تعيش في المنفى في نيويورك، أول أفلامها الذي حمل عنوان “نساء بلا رجال” عام 2009، حيث حصلت على جائزة الأسد الفضي لأفضل مخرج في مهرجان البندقية السينمائي الدولي. كما تم عرض فيلم “البحث عن أم كلثوم” لأول مرة في ذات المهرجان. وشارك نيشات في إخراج الفيلم، شوجا آزاري، وهو مخرج إيراني المولد أيضاً.
ففي حين تطرق فيلم “نساء بلا رجال” لمعاناة النساء داخل إيران، قالت نيشات إنها أرادت أن تنقل موضوع فيلمها التالي خارج حدود إيران ذلك أنها لم لم تتمكن من دخول البلاد منذ سنوات ولم تعد تمتلك نظرةً ثاقبة من الداخل. فقد تم منعها من دخول إيران بسبب عملها منذ عام 1996.
وفي لقاءٍ لها مع مجلة هاربر بازار، قالت نيشات “لم أتمكن من العودة إلى إيران منذ عام 1996، وكنت أشعر بالإحباط بسبب فكرة أن فنان ما مشغول باله دوماً بإيران ويصنع أعمالاً تعكس حنيناً كبيراً، دوماً ما يكون في إطار المنفى.” وأَضافت “لم يعد بالي مشغولاً ببلدٍ لا يمكنني الوصول إليه قط.”
وقالت المخرجة لقناة TRT World إنها تألف أم كلثوم منذ أيام نشأتها في إيران، عندما كان والداها يستمعان لأم كلثوم، وكانت أغانيها المفضلة لدى سائقي سيارات الأجرة والحافلات، تماماً كما هو الحال في العالم العربي. وأشارت إلى أن هناك تأثيراً عربياً قوياً في جنوب إيران، حيث يتم التحدث باللغة العربية أيضاً، وأن شعبية أم كلثوم في إيران مرتبطة أيضاً بتشابهها مع المطربين الكلاسيكيين الفارسيين.
ولكن أياً كان قدر المحبة التي تحظى بها أم كلثوم خارج مصر، فلا يمكن مقارنتها بمقدار الهوس بها داخل وطنها. فقد حضر جنازتها عام 1975 أربعة ملايين شخص.
كما أشار الكاتب المصري، مصطفى دالي، في الموقع الإلكتروني الشرق أوسطي المختص بالموسيقى، Scene Noise إلى أن: “بينما نفتخر بنجوميتها العالمية الخالدة، التي بالتأكيد لا نمانع مشاركتها مع العالم، إلا أننا واضحين تماماً بأنها تنتمي إلينا، وبأنها ملكنا، نحن فقط.”
وبالتالي، فلربما من غير المفاجىء عدم الترحيب بالفيلم بالأحضان في مصر. وعلاوة على ذلك، لم يساعد اختيار نيشات تصوير الفيلم في المغرب، بسبب مشاكل التأمين وصعوبة الحصول على تصاريح للتصوير في مصر، بالرغم من زيارتها لمصر بشكلٍ مكثف للبحث في حياة أم كلثوم للإعداد للفيلم، فضلاً عن كون الممثلة الرئيسية، ياسمين الرئيس، ممثلة معروفة في مصر.
كما أشار البعض أيضاً إلى عدم الدقة في تصوير الفيلم لمصر وحياة أم كلثوم. فعلى سبيل المثال، أشار موقع المصراوى الإخباري المصري إلى مشهد يظهر احتجاجاً نسائياً في عام 1914، على الرغم من أن أول احتجاج من هذا النوع عُرف في مصر عام 1919. كما انتقد تحليل لموقع المقال الإخباري الفيلم بسبب عدم الدقة في تصوير التفاصيل التاريخية، وكذلك الأماكن والأزياء، وخلص التحليل إلى أن الفيلم “مجرد محاولة لتفكيك أسطورة أم كلثوم، لكنها باءت بالفشل.”
كما اشتكى نقاد آخرون، كما أشارت المونيتور، من غياب الدقة التاريخية- ففي أحد المشاهد تتلعثم أم كلثوم أثناء الغناء أمام الرئيس جمال عبد الناصر، الأمر الذي لم يحدث قط- فضلاً عن انتقادهم للأزياء في الفيلم- إذ يُظهر أحد المشاهد أم كلثوم وهي ترتدي فستاناً بأكمام قصيرة وأحد الجماهير وهو يرتدي طربوشاً في حفلٍ لها في الستينيات، الذي قال الناقد إن المصريين كانوا قد توقفوا عن ارتدائه آنذاك.
كما أشارت المونيتور إلى أن شركة MC Distributors ومقرها بيروت التي تمتلك حقوق توزيع الفيلم في مصر، أنها تدرس جدوى عرض وتوزيع الفيلم على نطاق واسع في مصر، بسبب خوفهم من عدم تحقيقه نجاحاً جماهيرياً هناك.
وفي لقاءٍ لها مع Scene Noise، دافعت نيشات عن قرارها بصنع الفيلم، إذ قالت: “إذا ما كان هناك أمر واحد نتفق عليه جميعاً في الشرق الأوسط، على الرغم من اختلافاتنا الدينية والسياسية، هو حبنا لأم كلثوم.”
وأضافت “تعرضت لهجومٍ عدة مرات من قِبل بعض المجتمعات العربية لأني تجرأت على صنع فيلم عن أم كلثوم باعتباري غير عربية.” وتابعت القول “وبالنسبة لي، بصرف النظر عن الحجة بأن نجومية أم كلثوم تتجاوز ببساطة العالم العربي إلى العالم بأجمعه، وبأنها تحولت إلى رمزٍ بالنسبة لملايين النساء في المنطقة، فلا بد من الإعتراف بأن فنانة من خلفية شيعية مثلي- من بلدٍ في صراعٍ مباشر مع مصر- أمضت 6 سنوات لصنع فيلم تشكر فيه فنانة سُنيّة.”