“افتح أبواب المعبر خليني أشوف حياتي، فكرة السفر صارت أتقل من الشناتي، ظهري انحنى وجواز سفر فوق كتافي، تقدر تعد طب كم سجين في هذا الحبس.”
هذه هي كلمات مغني الراب الفلسطيني منعم عوض، الذي وجه صرخة نداءٍ مناشداً العالم في عام 2017 لفك الحصار الذي فرضته إسرائيل على قطاع غزة في عام 2007، وفتح معابر غزة الرئيسية أمام مواطني القطاع للسفر للخارج ولحرية التجارة الفلسطينية، وذلك عبر أدائه لأغنية راب من تأليفه، قام بنشرها عبر موقع اليوتوب تحت عنوان السجين رقم (11848).
هذه الأغنية ما هي إلا مجرد محاولة موسيقية منفردة من عدة محاولات أخرى للشباب الغزي، الذين أرادوا أن يلفتوا أنظار العالم إلى معاناتهم من الأزمات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، الناتجة عن الحصار الإسرائيلي والانقسام الداخلي، وذلك عبر استخدام موسيقى الراب للاحتجاج بشكلٍ سلمي على الأوضاع السياسية المتأزمة، وفي نفس الوقت نقد بعض العادات والتقاليد المحافظة في المجتمع الفلسطيني.
وتُعد موسيقى الراب فرع من فروع موسيقى الهيب هوب، الذي برز في المجتمعات الأمريكية الإفريقية في الولايات المتحدة الأمريكية خلال فترة السبعينات، والتي استخدمت لتسليط الضوء على التمييز العنصري والمشاكل الاجتماعية مثل الفقر والبطالة.
بدأت موسيقى الراب تنتشر بين الشباب الفلسطيني في قطاع غزة منذ عام 2002، وذلك رغبةً من الشباب الغزي في التعبير عن مشاعرهم الثائرة ونقدهم لبعض الممارسات السياسية والاجتماعية السلبية في مجتمعهم، عبر توظيف موسيقى الراب دون الانخراط في أعمال العنف.
ويقول مغني الراب منعم عوض لنا في فنك، أنه في ظل معاناته من البطالة و ضمن الظروف المعيشية الصعبة التي يعيشها في مخيم جباليا للاجئين، وجد منعم في موسيقى الراب ، المساحة الحرة والوسيلة السلمية المناسبة له للتنفيس عن غضبه و ثورته، وضد البطالة التي يعاني منها أغلب شباب قطاع غزة.
وهو يعتبر أن معظم المواطنين الفلسطينيين بغزة هم مجرد سجناء بسبب القيود المشددة المفروضة على حرية سفرهم وتنقلهم نتيجة الإغلاق المستمر لمعبر رفح البري مع مصر، والتي تعدّ البوابة الرئيسية لقطاع غزة للعالم الخارجي.
و يؤكد منعم لفنك، أنه هو من يقوم بتأليف كلمات أغاني الراب التي يؤديها بنفسه، وهو من ينتج أعماله بنفسه، لأنه لم يجد حتى الآن شركات الإنتاج الفنية المناسبة التي يمكن أن تتبنى أعماله و تدعمها، وذلك نظراً لحساسية المواضيع التي تتناولها موسيقى الراب، والتي قد لا يتقبلها الجميع في قطاع غزة.
في حين يستخدم مغني الراب ابراهيم غنيم، مؤسس فرقة MC، موسيقى الراب للثورة على الانقسام الفلسطيني وللتعبير عن غضب الشباب الشديد و إحباطهم من فشل المصالحة الفلسطينية بين فتح في الضفة الغربية وحماس في غزة، حيث يصرخ غنيم في وجه قادة طرفي الانقسام الفلسطيني.
ففي أغنيته التي حملت عنوان “كلاكيت أخر مرة،” يقول إبراهيم “ملينا من الإعادة لو فيكم راجل ينهي يبادر.” وفي مشهد درامي قصير يُصور القادة الفلسطينيين يتجادلون فيما بينهم حول توقيع اتفاق المصالحة، ومن ثم يقومون بتمزيق هذا الاتفاق عدة مرات بسبب عجزهم التوصل لتفاهم حقيقي بينهم.
و يقول إبراهيم لنا في فنك، أن الراب بالنسبة له، ليس سوى موسيقى معبرة عن صوت الشباب الثائر الذي قهره الانقسام الفلسطيني والحصار. ومع ذلك، تمنع السلطة التنفيذية التابعة لحركة حماس تنظيم أية حفلات راب عامة ومختلطة في قطاع غزة.
وعلى الرغم من هذا المنع العام، نجح إبراهيم في إحدى المرات بالحصول على تصريحٍ خاص من قبل حماس لأداء أغانيه في حفلٍ خاص في إحدى قاعات الاحتفالات المغلقة بغزة خلال شهر فبراير 2018.
إلا أنه تفاجأ وجمهوره المدعو للحفلة خلال 72 ساعة قبل بدء الحفل، بإلغاء مالك القاعة حجز القاعة المخصصة لإجراء هذا الحفل، وذلك بسبب تعرض مالك القاعة لضغطٍ من الشرطة. أدى ذلك إلى شعور إبراهيم بالإحباط والحاجة الماسة لمغادرة القطاع، بحثاً عن فرص خارجية لتنظيم حفلات الراب خاصة به في أجواء أكثر حرية.
ولكن إبراهيم كحال غيره من الشباب، تم حرمانه من السفر للمشاركة في عدة حفلات راب دولية يتم تنظيمها خارج قطاع غزة، و ذلك بسبب إغلاق معبر رفح البري، و بسبب الرفض الإسرائيلي المتكرر لمنحه تصريح للسفر عبر معبر إيرز.
فقد أعرب إبراهيم عن أسفه لعدم تمكنه من السفر، الأمر الذي يحول دون تحقيق حلمه الكبير بالوصول إلي العالمية عبر المشاركة في فرق راب عالمية، من أجل إيصال الصوت الفلسطيني المحاصر لكافة أنحاء العالم.
تتنوع اتجاهات مؤدي الراب بقطاع غزة بين من يجيد الغناء باللغة العربية ويوجه رسالته للشباب العربي فقط، وبين من يحاول إدماج كلمات من اللغة الانجليزية ضمن بعض المقاطع الغنائية العربية، لكي يستقطب الجمهور الغربي.
لذا يحاول بعض الموسيقيين الشباب في غزة تأسيس شركات فنية خاصة بهم. فعلى سبيل المثال، أسس الشاب عبد العظيم الهرباوي، شركته الفنية الخاصة (Fire Music) لتكون حاضنة لأعماله الموسيقية المتعلقة بالراب، وذلك بالتعاون مع فريق من المؤديين الشباب الذين يمزجون بعض مقاطع موسيقى الراب الخاصة بهم بكلمات من اللغة الإنجليزية.
ولم يقتصر تشكيل فرق الراب في قطاع غزة على الأصدقاء فقط وأصحاب التوجهات الفنية المشتركة، بل أصبح هناك فرق راب عائلية، يقودها بعض الأشقاء لإيصال صوت الشباب الغزي لقادة المجتمع الفلسطيني، ولدعوة سكان القطاع لتبني ثقافة الأمل من أجل الاستمرار في الحياة.
فعلى سبيل المثال، أسس الأخوان محمد السوسي وأسامه السوسي فرقة راب ثنائية، وأنتجا عدة أعمال راب موسيقية تم نشرها عبر قناة اليوتوب الخاصة بهما تحت عنوان “صناع الثورة.”
وعن الأسباب التي دفعت الأخوين لتأدية أغاني راب فلسطينية يقول مغني الراب محمد السوسي لفنك أن حبه الشديد هو وأخيه للموسيقى والغناء هو ما دفعهما بشكلٍ رئيسي لتأدية الراب وإنتاج موسيقاه، بالإضافة إلي رغبتهما بالتعبير عن انتمائهما للقضية الفلسطينية وإيمانهما بعدالتها، جعلهما ذلك يفكران بتأدية أغاني راب تدعم صمود الشعب الفلسطيني بقطاع غزة، وتعبر عن ثورتهما ضد الحصار والانقسام الفلسطيني دون استغلال الأحداث السياسية الجارية من أجل الشهرة وسرعة الانتشار.
وفي إحدى الأغاني، يُعبر الأخوان السوسي عن حبهما لمسقط رأسهما قطاع غزة ويناشدان غزة سوياً بالقول، “غزة بترجاكي تفتحي قلبك للسما، لأسمع أحلامي معك لأبعد مدى،” حيث يُعبر الشابان عن رغبتهما بعودة الأمل لغزة، و أن تصبح غزة مكاناً لتحقيق أحلام الشباب، و إلا سيضطر معظم الشباب للهجرة لخارج الوطن لتحقيق أحلامهم.
كما يواجه شباب الراب الغزي عدة تحدياتٍ وصعوباتٍ في مجال إنتاج موسيقى الراب، تتمثل بنقص التمويل اللازم لإنتاج أعمالهم الفنية وتغطية التكاليف المالية المتعلقة باستئجار استديو خاص لتسجيل أغانيهم. ونتيجةً للحظر المفروض على الحفلات العامة، يلجأ معظم شباب الراب للترويج لأعمالهم الفنية عبر قناة اليوتوب الخاصة بهم، وعبر المشاركة ضمن إحدى فقرات حفلات شبابية واجتماعية أخرى تقيمها بعض المؤسسات غير الحكومية في المناسبات الاجتماعية.
وعلاوة على ذلك، لا زال هناك نظرة سلبية من قبل بعض أفراد المجتمع الغزي تجاه موسيقى الراب، حيث يعتبرها البعض بأنها تُروج لثقافة غربية قد تتناقض مع عادات وتقاليد المجتمع الفلسطيني المحافظ، لما تشمله أحياناً من بعض الألفاظ غير الملائمة لثقافة المجتمع الفلسطيني.
وعلى الرغم من مواجهة شباب الراب الغزي عدة تحديات مجتمعية وسياسية واقتصادية، إلا أن هؤلاء الشباب لا زالوا مصممين على الاستمرار في إنتاج موسيقاهم الخاصة في سبيل التعبير عن أفكار الشباب الثائر ضد الحصار والانقسام و الحروب ، و من أجل إسماع صوت الشباب الغاضب و المهمش، لعلهم يجدون حلاً لمشاكل الشباب الفلسطيني المتواجد بقطاع غزة.