منذ أبريل 2017، شرعت السلطة الفلسطينية ومقرها الضفة الغربية في تنفيذ سلسلةٍ من الإجراءات العقابية الرامية إلى إجبار حماس، التي استولت على قطاع غزة من القوات الموالية للرئيس محمود عباس في عام 2007، التخلي عن سيطرتها على القطاع. ومع ذلك، يقول النقاد أن هذه الاجراءات لم تؤد إلا إلى تدهور الظروف المعيشية لسكان غزة الذين يواجهون كارثةً إنسانية نتيجةً لحصارٍ دام عشر سنوات وثلاثة حروب اسرائيلية. وفي عام 2015، أصدرت الأمم المتحدة تقريراً يحذر من أن القطاع قد يصبح غير صالحٍ للسكن بحلول عام 2020.
من المتضرر الحقيقي؟
في يوليو 2017، أقال عباس أكثر من 6 آلاف موظف يعملون في قطاعات الصحة والتعليم وغيرها من القطاعات الحكومية في غزة، بإحالتهم إلى التقاعد المبكر. وجاء ذلك بعد قرارٍ سابق بخفض رواتب حوالي 50 ألف موظفٍ من موظفي السلطة في القطاع بما تتجاوز نسبته الـ30%.
وسعت السلطة الفلسطينية، في بيانٍ لها، تبرير هذا القرار بأنه “نتيجة للحصار المالي المفروض على السلطة الفلسطينية،” في إشارة ٍ إلى الانخفاض الكبير في المساعدات الدولية. كما أوضح البيان أيضاً الدوافع السياسية وراء القرار، أي “تمرد حماس ضد المحكمة الدستورية التي أنشأها الرئيس محمود عباس وتفعيل اللجنة الإدارية للعمل في قطاع غزة كبديل للحكومة.”
كما فرضت السلطة الفلسطينية ما يُسمى بضريبة “البلو” على السولار الصناعي المخصص لمحطة توليد الكهرباء في غزة. وبسبب عدم مقدرتها على دفع الضرائب، نفذ الوقود من المحطة في أبريل 2017، مما ترك المدارس والمستشفيات والشركات، عاملةً بشكلٍ جزئي فحسب. وبما أن تزويد المياه إلى العديد من المنازل يعتمد على المضخات الكهربائية، يواجه العديد من الناس صعوباتٍ في غسل الملابس والطهي.
وفي يونيو 2017، وافقت إسرائيل على طلبٍ من السلطة الفلسطينية بخفض إمدادات الكهرباء إلى غزة، من 125 ميجاواط، أو 30% من إجمالي احتياجات القطاع من الكهرباء، إلى 78 ميجاواط، وعليه، تقلصت في الوقت الراهن ساعات وصل الكهرباء ما بين ساعتين إلى أربع ساعات من الكهرباء في اليوم الواحد.
ويأمل عباس بأن تزداد الظروف المعيشية سوءاً إلى الحد الذي سيدفع بالغزيين إلى الثورة ضد حماس. وهذا أمرٌ صعب، إن لم يكن مستحيلاً، لسببين: نصف سكان غزة يؤيدون حماس والنصف الآخر يخشاها.
التدهور الاقتصادي وارتفاع نسبة البطالة
وفقاً للعديد من المنظمات الدولية، بمن فيها البنك الدولي، فإن اقتصاد قطاع غزة “على وشك الانهيار.” فقد ارتفعت معدلات الفقر إلى من 65%، نتيجة عقدٍ من الحصار، والحرب وضعف الحكم. كما أدت الظروف الاقتصادية القاسية الناجمة عن الحصار أيضاً إلى ارتفاع معدلات البطالة إلى 47% – وهي أعلى نسبة في العالم – حيث تبلغ نسبة البطالة بين الشباب 65%. ونتيجةً لذلك، ينتشر انعدام الأمن الغذائي على نطاق واسع. ويعاني شخص من كل اثنين من انعدام الأمن الغذائي، بينما يعاني شخص من كل ثلاثة من انعدام الأمن الغذائي الشديد، بحيث يعتمدون على المساعدات الخارجية لتلبية احتياجاتهم الغذائية اليومية.
وخلال الحرب الاسرائيلية الأخيرة على القطاع في يوليو- أغسطس 2014، أصيب حوالي 10% من مصانع غزة بأضرار أو دمرت جرّاء القصف الاسرائيلي، وفقاً للاتحاد العام للصناعات الفلسطينية. كما أوقفت معظم المنشآت الصناعية إنتاجها خلال الحرب، مما تسبب بخسائر قُدرت بأكثر من 70 مليون دولار. وذكرت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (فاو) أن حوالي 42 ألف فدان من الأراضي الزراعية تعرضت لضررٍ مباشر ضخم، وأن نصف مخزون الدواجن فُقد بسبب الضربات المباشرة أو بسبب الافتقار إلى الرعاية ذلك أن الوصول إلى الاراضي الزراعية على طول الحدود مع اسرائيل بات مستحيلاً. وأضافت المنظمة خسارة أكثر من 9% من معدل صيد الأسماك السنوي.
ازمة الكهرباء وأزمة المياه الصالحة للشرب والتلوث البيئي
منذ قصف الطائرات الحربية الإسرائيلية لمحطة توليد الكهرباء في غزة منتصف عام 2006، وعلى الرغم من اصلاح المحطة واعادتها للعمل، الا ان ازمة الكهرباء ما زالت تراوح مكانها ولم تجد لها حلاً. ولم يتم تطوير قطاع الكهرباء منذ أكثر من عقدٍ من الزمان، كما لم يأخذ بالحسبان الارتفاع السنوي للاحتياج نتيجة للزيادة السكانية، إذ يحتاج قطاع غزة إلى حوالي 440 ميجاواط من الكهرباء لتلبية الطلب اليومي. فقد كان يتم تغذية القطاع، على افضل تقدير، من ثلاث خطوط، إسرائيل ومصر ومحطة الكهرباء، بقدرة لا تتجاوز النصف. وعلاوة على ذلك، تتوقف امدادات السولار الصناعي من الضفة الغربية بانتظام وتارة تتوقف الخطوط المصرية عن العمل. وفي يونيو 2017، وافقت إسرائيل على طلبٍ من السلطة الفلسطينية بخفض إمدادات الكهرباء إلى غزة، من 125 ميجاواط إلى 78 ميجاواط،. ويصل السكان اليوم ساعتين إلى أربع ساعات وصل كهرباء في اليوم الواحد. وفي ظل موجة الحر الشديد، وصف العديد من السكان الظروف الحالية بأسوأ ما يمكن أن يتذكروه.
اما بالنسبة لمياه الشرب الصالحة، فغزة تعطش ومياها الصالحة للاستهلاك ستنفد خلال أربعة اعوام. في هذا الشأن صرح مدير عام مصلحة مياه الساحل في قطاع، بأنه منذ العام 2016 لم يكن بالاستطاعة جلب مياه صالحة من الخزان الجوفي الوحيد في قطاع غزة لأنه قد تم القضاء عليها. وعلاوة على ذلك، فإن 95% من مياه الآبار هي مياه مالحة بسبب الإستهلاك المفرط، وهذا يعني أن 5% فقط لا تزال صالحة للشرب. ويعاني حوالي نصف سكان غزة من نقصٍ في المياه. وتشمل الجهود الرامية إلى خفض هذا العجز، الذي يقدر بحوالي 100 مليون متر مكعب سنوياً، إنشاء محطات إضافية لتحلية المياه (تبلغ طاقتها الحالية 55 مليون متر مكعب)، ومعالجة مياه المجاري للاستخدام الزراعي وتجميع مياه الأمطار.
وقد جعلت مياه الصرف الصحي والمياه غير المعالجة التي تم ضخها في البحر، نصف شواطىء غزة غير صالحة للأغراض الترفيهية، وفقاً لما ذكرته سلطة جودة البيئة المحلية. وأوضحت السلطة في بيانٍ لها أن شاطئ بحر قطاع غزة بات يستقبل يومياً ما يزيد على 120 ألف متر مكعب من مياه الصرف الصحي غير المعالجة، وذلك بسبب انقطاع التيار الكهربائي عن محطات ضخ ومحطات معالجة الصرف الصحي. وأظهرت دراسة رسمية أن هذا يشكل خطراً جسيماً على الصحة والسلامة.
ازمة حرية الحركة والعلاج في الخارج
يوجد في قطاع غزة حالياً فقط ثلاثة معابر، إلا أنه من ناحيةٍ أخرى، يعدّ القطاع معزولاً بشكلٍ كبير عن العالم الخارجي. فمعبر بيت حانون/ إيرز، مخصص للأفراد من وإلى المناطق الإسرائيلية والضفة الغربية، ويفتح لعدة ساعات يومياً فقط ويسافر من خلاله بضع مئاتٍ فقط، منهم العاملين في المؤسسات الدولية وبعض الحالات المرضية.أما معبر كرم أبو سالم فهو معد للبضائع المستوردة والمصدرة الى الخارج فقط. المعبر الرئيسي للأشخاص هو معبر رفح بين غزة ومصر، الذي يفتح للحالات الإنسانية كل عدة شهور لعدة أيام فقط، إذ أن هناك قائمة تتعدي 20 ألف مواطن المسجلون للسفر عن طريق معبر رفح وينتظرون دورهم. فهناك مئات الالاف من الغزاويين الذين لم يغادروا قطاع غزة يوماً ما.
يتم نقل المرضى الذين لا يمكن علاجهم بشكلٍ ملائم في مستشفيات غزة للعلاج في أماكن أخرى. ويتوجب الحصول على مساعدة مالية من السلطة الفلسطينية وتصريح سفر إسرائيلي للإحالات المرضية إلى المستشفيات الإسرائيلية. ومن الصعب جداً الحصول على هذا التصريح وتتم الموافقة على عددٍ قليلٍ فحسب من الإحالات. كما يقبل الأردن أيضاُ الإحالات الطبية، إلا أن سكان غزة يحتاجون إلى تصريحٍ أردني وتصريح إسرائيلي حيث أن السفر إلى الأردن يتم عبر الأراضي الإسرائيلية، التي يصعب الحصول عليها أيضاً. وتمثل مصر الملاذ الأخير للغزيين، ومع ذلك، فإن الإغلاق شبه الدائم لمعبر رفح يجعل هذا الخيار خياراً نظرياً إلى حدٍ كبير.
تفاهمات حماس- مصر- دحلان
أعلنت حماس في 18 يونيو 2017، أن وفداً بقيادة يحيى السنوار، القائد العام الجديد لحماس، قد التقى برؤساء المخابرات المصرية في القاهرة. ووفقاً لما ذكرته وسائل الاعلام التابعة لحماس عقب الزيارة التي استمرت اسبوعاً، فقد تم التوصل الى “تفاهماتٍ” تدعمها دولة الإمارات العربية المتحدة. ويشمل ذلك اتفاق تقاسم السلطة مع زعيم فتح المخلوع والند السابق محمد دحلان، الذي يعيش في المنفى في الإمارات العربية المتحدة. ويمكن لأهداف هذا التحالف، الذي كان مستحيلاً يوماً ما، والتي من المتوقع أن تؤدي إلى فتح معبر رفح بشكلٍ منتظم وتخفيف انقطاع التيار الكهربائي، الذي يشل حياة الغزيين، تقليص تأثير عباس في القطاع، بشكلٍ أكبر. وكجزءٍ من الصفقة، قالت حماس أيضاً أنها ستزيد من إجراءاتها الأمنية على الحدود مع مصر وستتعاون مع مصر في محاربة الجهاديين في سيناء.
ومن بين القضايا الأخرى التي نوقشت، المصالحة الاجتماعية بين أسر أعضاء حماس وفتح الذين قتلوا خلال الحرب الأهلية بين الطرفين. وبالإضافة إلى ذلك، اتفق الطرفان على إنشاء صندوق التكافل الاجتماعي وجمع الأموال من الإمارات العربية المتحدة، التي وافقت على منح القطاع 15 مليون دولار شهرياً، لمساعدة الفقراء في غزة.
ومع الكشف عن تفاصيل الاتفاق، لا يزال الغزييون ينتظرون تحسين ظروفهم المعيشية.