وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

الراب المهداوي يظهر في العراق كشكلٍ جديد من أشكال التعبير الديني

Specials- Shiaa iraq
عراقيون شيعة يتجمعون خارج ضريح الإمام علي في مدينة النجف المقدسة. Photo: QASSEM ZEIN / AFP

غالباً ما يرتبط الراب بالتمرد والأقليات الاجتماعية التي تعبر عن غضبها وآمالها ومخاوفها باستخدام قوافي منظومة بذكاء. في العراق، حيث الإسلام الشيعي هو الدين المهيمن، أصبحت موسيقى الراب – وتحديداً راب المهداوي – وسيلةً لبعض رجال الدين الشيعة للتواصل مع جمهورٍ أصغر سناً.

فقد وصف موقع Rate Your Music، وهو قاعدة بيانات موسيقية تعاونية على الإنترنت، الراب المهداوي بأنه “اتجاهٌ جديد في عالم موسيقى الراب من العراق. وهو بشكلٍ أساسي مواعظ شيعية يتم غناؤها بأسلوب الراب باستخدام إيقاعات محدودة للغاية.”

سرعان ما اكتسب راب المهداوي، الذي نشأ في جنوب البلاد، شعبيةً في مناطق أخرى أيضاً، إذ يركز على رسائل الإنسانية والدمج الاجتماعي. فقد تم تكييف راب المهداوي، المستمد من اللطميات التقليدية، وهي أبيات رثاء حزينة يتم ترديدها حداداً على شخصياتٍ إسلامية، مع موسيقى الراب ذات النمط الغربي من أجل إشراك أتباعٍ أصغر سناً. من الجدير بالذكر أن اللطميات ترجع إلى ما قبل الإسلام، أي إلى العصور البابلية قبل 4 آلاف عام، بيد أن هناك من برز اسمه فيها، بمن فيهم باسم الكربلائي، في العراق الحديث.

فقد وصفت صحيفة عرب ويكلي في مقالٍ بتاريخ 12 مايو 2019 احتفالاً دينياً ضم موسيقى الراب المهداوي: “في المدحتية، وهي بلدة تبعد 100 كيلومتر جنوب بغداد، وقف المراهقون الذين يرتدون قمصان حمراء في صفوفٍ متراصة بجانب بعضهم البعض في مكان عبادتهم المحلي وكأنهم يستعدون للصلاة، لكن عندما صدحت مكبرات الصوت، بدأوا بضرب صدورهم فيما يشبه قرع طبولٍ متقطع وخرج صوت مغنٍ شاب يرتدي ثياباً سوداء، وهو ينشد بسرعة تليق بأشد معارك راب الأندرجراوند في نيويورك.”

نقل المقال أيضاً عن الشيخ سالم الجناحي، وهو شخصية دينية أكبر سناً، الذي قال إن نظرائه الأكثر محافظة “تورطوا في الفساد والسياسة، لذا بدأ الشباب ينفرون من الدين.” وأضاف مغني الراب كرار البديري: “هجر الشباب الدين والأخلاق بسبب رجال الدين المتخلفين… أصبح [الراب] إحدى الطرق الهامة التي نتواصل بها مع الشباب، لنشر رسالة السلام، والاعتدال، والأخلاق أيضاً.”

بالنسبة إلى مارسين رحيم الشمري، الباحثة في جامعة هارفارد والمهتمة بتداخل الدين والسياسة في الشرق الأوسط، فإن شعبية راب المهداوي لا تكمن فقط بجاذبيته للشباب، إذ قالت لفَنَك: “إنها أشبه بالتعبير عن الذات، طريقة جديدة وحديثة للتعبير عن إيمان الفرد.” غالباً ما ينشط مغنوا الراب المهداوي على وسائل التواصل الاجتماعي ويشاركون موسيقاهم بانتظام عبر الإنترنت.

من جهتهم، انتقد بعض رجال الدين الشيعة، مثل كاظم الحائري، هذا الشكل الموسيقي واستخدامه للاحتفال باستشهاد الشخصيات الدينية الرئيسية، وبحسب قوله “سيضر هذا الشيعة ودينهم.” كما أن جواز استخدام الموسيقى في أماكن العبادة الإسلامية محل خلاف، حيث يقول رجال دين متشددون إن الإسلام يحرم كل أشكال الموسيقى، حتى في الحياة اليومية خارج المسجد، في حين أن المسلمين الآخرين، مثل الصوفيين في العراق، يستخدمون الطبول والرقص في عبادتهم.

وقال الإمام لطيف العميدي لصحيفة عرب ويكلي، إن تلك “تيارات منحرفة دينية استغلت العواطف والواعز الديني والعقيدي عند بعض الشباب، فأدخلت ما ليس في الدين بالدين.” وأضاف “جلبت هذه الحركات المغنين والرقص والدي جي إلى الإسلام، وذلك بحجة أنهم يريدون استقطاب الشباب.”

وأشارت الشمري إلى أنه يوجد في العراق أنواعٌ مختلفة من رجال الدين الشيعة، وليس فقط المحافظين والعصريين: “لديك رجال دين مختلفون والتزام مختلف. ينتمي البعض إلى النخبة؛ إذ أنهم أقل عرضة للانخراط في قضايا صغيرة مثل غناء الراب أم لا في الدين. إنهم يهتمون بالشباب ولكنهم أكثر انخراطاً في السياسة أو في الأوساط الأكاديمية. ثم لديك الوعاظ الشعبيون، الأشخاص ذوو الشخصية الجذابة الذين يتحدثون بشكلٍ جيد ويصلون إلى مواقع السلطة لأن الناس يستمعون إليهم. إنهم منخرطون في المجتمع، لا سيما على وسائل التواصل الاجتماعي، ومن المرجح أن يعتبرهم الشباب قدوتهم. من المحتمل أن يكونوا من بين الأشخاص الذين كانوا في قلب اتجاه موسيقى الراب المهداوي.”

ومع ذلك، أشارت أيضاً إلى أن “الاحترام الديني في الدول العربية عموماً آخذٌ في التراجع، خاصة بين الشباب، وبالتالي بات رجال الدين أقل نفوذاً.” قد يكون هذا هو السبب في أن بعض رجال الدين حاولوا تكييف علاقاتهم وتغيير نهجهم، سواء بالنسبة للدين أو الشباب.

وبحسب الشمري، “لكن في نهاية المطاف، لا تشكل موسيقى الراب الدينية مشكلةً حقيقية أو مشكلةً كبيرة.” وتابعت القول “إذا أراد رجال الدين أن يستقطبوا الشباب، فهم بحاجة إلى العمل بشكلٍ ملموس وتطوير فهم أفضل لهم. بدلاً من أن يكون رد الفعل، على سبيل المثال عن طريق الإجابة على الأسئلة فقط إذا تم طرحها، مثل الشذوذ الجنسي أو ملابس النساء، يمكن لهم أن يكونوا أكثر نشاطاً، بمعنى أنهم بحاجة إلى بدء [الحوار]. عادةً ما يكونون مهنيين ومنفتحين حول مجموعة واسعة من الموضوعات، حتى يتمكنوا من بدء الحوار بأنفسهم، من خلال استهداف القضايا المهمة للشباب.”

لم تصدر أي سلطةٍ دينية في العراق بياناً رسمياً عن راب المهداوي حتى الآن، مما يُشير إلى أنها اتجاه ثقافي أكثر من كونها وسيلة “منحرفة” للتعبير. ومع ذلك، قد يكون هذا بمثابة تذكيرٍ بأنه مع تطور أشكال التعبير باستمرار، فإن الدين يتطور أيضاً.