وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

المملكة العربية السعودية تبسط سيطرتها الإعلامية خارج الشرق الأوسط

Saudi Arabia- The Independent
Photo: www.newsworks.org

في يوليو 2017، استحوذ المستثمر السعودي البارز، سلطان محمد أبو الجدايل، على حصةٍ تتراوح نسبتها ما بين 25% إلى 50% من شركة ديجيتال نيوز آند ميديا، وهي الشركة الأم المسيطرة على الصحيفة اليومية البريطانية، ذي إندبندنت. آنذاك، كان هناك مخاوفٌ من أن تؤثر حصة أبو الجدايل على الخط التحريري للصحيفة، إلا أن متحدثاً باسم الصحيفة أكدّ لصحيفة الغارديان بأن الخط التحريري للإندبندنت “محمي رسمياً” بموجب اتفاقية جديدة وقعت بين المساهمين. ومع ذلك، أعرب الصحفيون والنقاد، مرةً أخرى، عن مخاوفهم، مع تحالف الإندبندنت بفخر مع مجموعةٍ إعلامية ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالعائلة المالكة السعودية في 19 يوليو 2018.

بدأت هذه الشراكة بنشر أربعة مواقع تحمل اسم الإندبندنت، باللغة العربية والفارسية والأوردو والتركية منذ بداية عام 2019. ومع ذلك، يخاطر المحتوى على هذه المواقع بالإنحراف عن القيم الليبرالية التي طالما دافعت عنها الصحيفة الإنجليزية.

سيتم إنتاج جميع محتوى هذه المنصات من قِبل صحفيي المجموعة السعودية للأبحاث والتسويق (SRMG)، المقيمين في لندن وإسلام أباد، واسطنبول، ونيويورك. كما سيتم أيضاً ترجمة بعض المحتوى من موقع الصحيفة باللغة الإنجليزية.

الأمير بندر بن عبد الله بن محمد بن فرحان آل سعود، وزير الثقافة في المملكة، هو رئيس المجموعة السعودية للأبحاث والتسويق، والذي تصدر عناوين الصحف لأول مرة عندما اشترى لوحة ليوناردو دافنشي “المسيح” مقابل 450 مليون دولار.

فقد وعدت الإندبندنت بأن جميع ممارسات التحرير ستعكس المعايير العالمية وتأمل في تعزيز النقاش بين الجماهير الجديدة. لكن النقاد متخوفون، إذ يخشون أن تستخدم المنصات الجديدة لنشر المواقف السعودية في جميع أنحاء المنطقة. إن مثل هذه المخاوف شرعية، آخذين بعين الاعتبار تصنيف منظمة مراسلون بلا حدود للمملكة العربية السعودية في المرتبة 169 من بين 180 دولة على مؤشر حرية الصحافة العالمية. كما خلصت مجموعة الحريات الصحيفة إلى أن المملكة لا تملك وسائل إعلام مستقلة وأن الرقابة هناك شديدة للغاية.

بيد أن صحيفة الإندبدنت ليست أول منفذٍ إعلامي رئيسي يتعاقد مع المجموعة السعودية للأبحاث والتسويق، ففي عام 2017، انضمت بلومبرج إلى الشركة الإعلامية، مشيرةً إلى أن الخطوة جاءت كخطوةٍ منطقية لمساعدة المملكة على تحقيق رؤيتها الطموحة 2030.

وقال جاستن سميث، الرئيس التنفيذي لمجموعة بلومبرج ميديا: “إن التحول كما عبرت عنه القيادة السعودية هو قصةٌ مثيرة، وتود بلومبرج أن تلعب دوراً من خلال كونها مزوداً مستقلاً وغير متحيز للمعلومات في المنطقة.”

كما قال سميث إن بلومبرج تشارك نفس المبادىء التي يتبعها صانعو السياسة في رؤية 2030، بما في ذلك الإيمان بقدرة الأسواق الحرة والشفافية والتقدم والحداثة.

ولربما يرغب سميث في التراجع عن تصريحاته بعد عملية القتل المروعة للكاتب الصحفي في واشنطن بوست جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في اسطنبول. فقد كشفت تلك الحادثة عن الحد الذي قد يذهب إليه ولي عهد المملكة محمد بن سلمان من أجل إسكات الصحفيين.

في الواقع، إن أي شخصٍ ينشر حتى أبسط انتقادٍ للمملكة على وسائل التواصل الاجتماعي يخاطر بتعرضه للإنتقام على يد الدولة. ففي سبتمبر 2018، أصدرت المملكة العربية السعودية قانوناً يجرم التهكم الإلكتروني، مما يجعل أي تعبير عن الرأي عرضةً للعقاب بما يصل إلى خمس سنوات من السجن وغرامة قدرها 800 ألف دولار.

وتنص المادة 6 من قانون مكافحة جرائم المعلوماتية في البلاد على حظر “إنتاج ما من شأنه المساس بالنظام العام، أو القيم الدينية، أو الآداب العامة، أو حرمة الحياة الخاصة، أو إعداده، أو إرساله، أو تخزينه عن طريق الشبكة المعلوماتية، أو أحد أجهزة الحاسب الآلي.” كانت هذه المادة الذريعة التي استخدمت لحجب نتفليكس بث حلقة من برنامج “قانون باتريوت” في المملكة.

في الحلقة، يُدين الكوميدي حسن منهج، مقدم البرنامج، محمد بن سلمان وأي شخصٍ يتعامل مع ولي العهد. ويقول منهج في الحلقة “هناك أشخاص في المملكة العربية السعودية يقاتلون من إجل الإصلاح الحقيقي، إلا أن محمد بن سلمان ليس واحداً منهم.” وتابع الكوميدي قوله “تطلب الأمر مقتل الصحفي في واشنطن بوست ليقول الجميع، يا إلهي، أعتقد أنه ليس مصلح حقيقي.”

بعد حظر الحلقة، سخر منهج من السلطات السعودية على نحوٍ أكبر، إذ قال إن السعوديين ساهموا في إثارة اهتمامٍ عالمي ببرنامجه، وأن الحظر كان بلا جدوى، حيث لا يزال من الممكن مشاهدة الحلقة على يوتيوب داخل المملكة.

وبالرغم من النكات، أخبر منهج ذا أتلانتك أنه ناقش التداعيات المحتملة لانتقاد المملكة العربية السعودية مع عائلته ويعترف الآن بأنه يعيش في خوفٍ من النظام السعودي.

في غضون ذلك، ردت نتفليكس على انتقادات سحبها الحلقة، بالقول بأنها تدعم الحرية الفنية بقوة في جميع أنحاء العالم، وأنها حجبت الحلقة فقط في المملكة العربية السعودية بعد طلبٍ قانوني من المملكة.

لم يعجب هذا التفسير كارين عطية، محررة الرأي في واشنطن بوست، والصديقة المقربة من خاشقجي، التي عندما سمعت الأخبار، غرّدت عبر تويتر بقولها، “من الشائن أن تسحب نتفليكس إحدى حلقات [منهج] المنتقدة للملكة العربية السعودية.”

كما أعربت جماعات حقوق الإنسان عن قلقها، إذ قالت سماح حديد، مديرة حملات الشرق الأوسط في منظمة العفو الدولية، في بيانٍ إن فرض السعودية الرقابة على نتفليكس باستخدام قانون جرائم الإنترنت ليست مفاجأة، ففي نهاية المطاف، شنت المملكة حملةً وحشية ضد المعارضة منذ وصول محمد بن سلمان إلى السلطة في يونيو 2017.

وقالت حديد: “ولقد سبق للسلطات أن استخدمت قوانين مكافحة جرائم الإنترنت لإسكات أصوات المعارضين، ممّا يخلق بيئة من الخوف لأولئك الذين يتجرؤون على رفع أصواتهم في السعودية”.

وأضافت، “فمن خلال الرضوخ لمطالب السلطات السعودية، تكون نتفليكس عرضة لخطر تسهيل سياسة المملكة بعدم التسامح مطلقاً مع حرية التعبير، ومساعدة السلطات على حرمان الناس من حقهم في الحصول على المعلومات بحرية”.