وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

الغرب والصوفية: عن رواية إليف شافاك “قواعد العشق الأربعون”

الغرب والصوفية
الكاتبة التركية-البريطانية إليف شفق تقف مع كتابها ”10 دقائق و 38 ثانية في هذا العالم الغريب” خلال مكالمة الصور للمؤلفين المختارين لجائزة بوكر 2019 للرواية في مركز ساوث بانك بلندن في 13 أكتوبر 2019. تولغا أكمين / وكالة الصحافة الفرنسية

دانا حوراني

في عام 2010، نشرت إليف شافاك، الروائية التركية المولودة في فرنسا، روايتها الشهيرة عالميًا “قواعد العشق الأربعون” التي بيعت منها ملايين النسخ في أنحاء العالم بعد ترجمتها إلى 37 لغة لتصبح إحدى أكثر الروايات مبيعًا في التاريخ.

وتسرد الرواية قصتين منفصلتين حدثتا في زمنين منفصلين، تدور أحداثهما عن تقاليد مختلفة. الأولى هي قصة إيلا روبنشتاين، وهي ربة منزل أمريكية في الأربعينيات وأم لثلاثة أطفال، تعيش حياة حزينة ومملة مع زوج خائن. أما القصة الثانية فتبدأ عندما تقرأ إيلا رواية “تجديف عذب” لكاتب يُدعى عزيزي زهارا والتي تنقل قرّاءها إلى القرن الثالث عشر في الشرق الأوسط لتروي قصة الشاعر الصوفي الفارسي جلال الدين الرومي وشيخه شمس التبريزي.

تبحث إيلا بطلة الرواية عن مخرج من حياة الطبقة الوسطى التعيسة. وبعدما اطلعت على قصة جلال الدين الرومي مع شمس التبريزي، بدأ اهتمامها بالروائي زهارا الذي سرعان ما بادلته الرسائل الإلكترونية ليتوطد التواصل بينهما. وكما حرّر شمس التبريزي جلال الدين الرومي من قيوده الاجتماعية، تحررت إيلا من أغلال حياتها الدنيوية بفضل زاهارا.

ورغم مرور 12عامًا على صدور الرواية، يرى النقاد والباحثون أنها لم تزل مؤثرة في الأدب الصوفي في الشرق الأوسط.

وقال أحمد كامل الباحث اللبناني في الصوفية لفنك: “عرفت إليف شافاك كيف تؤلّف رواية تجذب  جمهورًا  من العالم أجمع. لكنني أرى إنجازها الأهم أنها استدرجت الناس إلى عالم الصوفية“.

من إليف شافاك؟

وُلدت شافاك، التي تكاد تكون أشهر روائية في تركيا، في مدينة ستراسبورغ عام 1971 من أب  فيلسوف وأم تعمل في السلك الدبلوماسي. لكنهما سرعان ما انفصلا لتنتقل للعيش مع أمها في العاصمة التركية أنقرة وهي في الخامسة من عمرها.

وقضت الكاتبة سنواتها ما بين الغرب حيث درست، وتركيا حيث أصبحت أستاذة جامعية.

وقالت شافاك في حوار لها مع الغارديان إنها لم تشعر قط بأنها مهاجرة، لكنها تعتبر نفسها من البدو أو الرحالة الذين لا يعرفون الاستقرار في مكان واحد.

وبدأ اهتمامها بالصوفية منذ نحو 25 عامًا عندما جذبها الشاعر الصوفي جلال الدين الرومي، وذلك رغم أن عائلتها لم تكن متدينة.

وكان الرومي مصدر إلهامها، فكتبت “قواعد العشق الأربعين”. كما كانت الرواية محاولة للتوفيق بين المفاهيم المتعارضة مثل الماضي والحاضر، والشرق والغرب، والروحانية والدنيوية.

وقالت شافاك لموقع غودريدز: “أردت أن أبيّن صدى أفكار شاعر وفيلسوف من القرن الثالث عشر في حياتنا المعاصرة في القرن الحادي والعشرين”.

ويرى كامل، الذي يتبع  نهج التصوف، أن شافاك نشرت التصوف على نطاق شعبي، وهو ما دفعه إلى التعبير عن معتقداته الروحانية في بيئته المحافظة.

وأضاف: “قبل صدور الرواية، كنت لا أناقش أمور الصوفية إلا مع قلة من الناس، لكنني فجأةً وجدت الرواية في يد كل من أعرفهم، وصار السؤال عن جلال الدين الرومي وتراثه شائعًا  بينهم”.

تأثير الرواية

يهتم أحمد كامل بجمع كتب الصوفية، وقد لاحظ زيادة في المنشورات الصوفية بعد نجاح رواية شافاك. ونتيجة لذلك دخل العديد من الفلاسفة والصّوفيّين سوق الأدب الغربي مثل ابن عربي، وأحمد الغزالي، وروزبهان البقلي، والحلاج.

وقد أصبحت هذه الأسماء شخصيات رئيسة في الكتب الصوفية التي نُشرت بين عامي 2015 و2018. ويرى كامل أن شافاك أحسنت صنعًا  باختيار جلال الدين الرومي لتقديم الصوفية إلى الجمهور الغربي.

وأضاف: “شعر الرومي سهل رقيق لا يُشبه أشعار غيره من الصّوفيّين ولو اختارت شافاك فلاسفة معقدين مثل ابن عربي أو الحلاج، لاستصعب القارئ ذلك”.

وقد ذكر تقرير في بي بي سي عام 2014 أن الكتب التي تتناول جلال الدين الرومي تجاوزت مبيعاتها الملايين من النسخ في الولايات المتحدة، ليكون بذلك أشهر شاعر في مطلع العقد الماضي.

ولا يرى كامل أن هذه الشعبية تعني تبحر الجمهور الغربي كله في بحار الصوفية وتقاليدها، إذ يكتفي بعضهم بالاستمتاع بشعرها العذب فحسب.

لكن الباحثين لا يُجمعون على ذلك. إذ قال الناقد الأدبي والروائي اللبناني محمد الصغير لفنك إن شافاك قدمت نسخة خفيفة من الصوفية تناسب الجمهور الغربي.

امتياز بائن

يرى محمد الصغير أن قلة الأعمال الأدبية عن الصوفية في الشرق الأوسط في فترة صدور رواية شافاك ساهمت في نجاحها.

وقال: “الرواية في حد ذاتها استثنائية وقيّمة. لكن يجب الانتباه إلى الامتياز الذي حظيت به شافاك لافتقار كُتّاب الشرق الأوسط إلى الموارد المادية والتعليمية”.

ويرى الصغير أن الرواية لم تنصف الصوفية فهي بسيطة التركيب وضعيفة في تصوير الشخصيات الصوفية، وكثير من أجوائها لا يرتبط بالواقع التاريخي. فقد ظهر شمس التبريزي “وكأنه رجل من زمننا المعاصر، أو مثل مُدرّب يوغا يقرأ القرآن”. كما انتقدت مراجعة للرواية في موقع ذا نيو ريببليك ما ورد فيها من تصوير للشرق الأوسط القديم في غير زمانه، إذ بدا “وكأن ما يُميزه عن مجتمعنا هو غياب السيارات والهواتف فحسب”.

كما يرى الصغير أن نظام التعليم الذي لا يقدّم أنشطة مثل ورش الكتابة الإبداعية يصعّب على كُتّاب الشرق الأوسط الاقتداء بأعمال شافاك.

وقال الصغير لفنك: “عادةً ما تكون الخيارات البديلة باهظة الثمن أو غير متاحة أصلًا. وفي المحصلة يصعب على كُتّاب الشرق الأوسط الوصول إلى شريحة واسعة من القراء، ويركن كثير منهم إلى أساليب الكتابة القديمة التي نجحت في الستينيات والسبعينيات فحسب”.

وفي المقابل، يرى الروائي الصوفي المصري كريم الجمّال أن رواية شافاك تدفعه إلى التعبير عن ولعه بالتصوف من خلال الأدب. كما يرى أن أهمية الأعمال الأدبية الصوفية تكمن في الطريقة التي تصور بها الإسلام في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

فقد قدّمت هذه الأعمال بحسب رأيه صورة مختلفة عن الإسلام مغايرة عن صورة الإرهاب والتطرف.

وقال الجمّال لفنك: “هذه الصورة الجديدة تحل محل الأنماط التي خلقتها الجماعات الإرهابية مثل تنظيم الدولة وتنظيم القاعدة، أو الدعاية الغربية المعادية للشرق الأوسط. كما تُعين المغتربين على العودة إلى جذورهم بحريّة ودون خوف من القوالب النمطية عن العرب”.

ويؤكد الجمّال على أهمية دور كتّاب المنطقة في نقل التجارب الروحانية الفريدة للناس والتعريف بأبعاد الصوفية، إذ إنّ الصوفية ” ليست مجموعة عادات وطقوس، بل طريقة ومنهج يسعى إليه الإنسان لينعم بالسلام والنُبل”.

وأضاف الجمّال: “لقد نجحت شافاك في التعريف بجوهر الصوفية وهو الحب والتقبل. ولكن يبقى على الكُتّاب أن يقدموا أوجهًا عدةٍ للصوفية حتى نحفظ تراثنا، ونُعرّف العالم بتاريخنا وتجاربنا”.