تحوّل العديد من السوريين، بعد الإنتفاضة الشعبية عام 2011، إلى الفن، سيما الموسيقى، لتسجيل الثورة والتعبير عن آمالهم لمستقبل أكثر عدلاً. وعلى النقيض من الطبيعة التنازلية للثقافة الرسمية قبل عام 2011، خرجت الثقافة الثورية بشكلٍ تصاعدي، فضلاً عن كونها تتيح المزيد من التنوع. فعلى سبيل المثال، أقيم في مدينة الرقة الشرقية أول حفلٍ للهيب هوب قبل وقتٍ قصير من استيلاء تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” عليها. وعلى الرغم من أنّ التعبير الموسيقي في سوريا ليس بالأمر الجديد، إلا أنه منذ اندلاع الحرب فحسب بات سياسياً بشكلٍ علني.
وقالت أوليفيا (لم ترغب في الكشف عن اسم عائلتها)، التي تمتلك شغفاً تجاه الراب وبدأت مشروعاً ثقافياً يحمل اسم Nashara لنشر ثقافة الراب السوري في فرنسا، لـFanack، “يتحدث مغنوا الراب السوريين عن قبل وبعد 2011،” وأضافت “يشعرون اليوم أنه يتوجب عليهم قول أمور محددة… يميلون إلى التحدث عن السياسة والسجن والتعذيب في سوريا وأماكن أخرى؛ هذه مواضيع متكررة.”
وقد فر السيد درويش، أحد أعضاء فرقة الهيب هوب الثلاثية المشهورة، لتلتة، إلى لبنان بعد أن تعرض للتعذيب لمشاركته في الأيام الأولى للثورة. وقال للصحفية جاين لويز أندرسون عام 2012 “إذا ما ألقي القبض عليك [تقدم عرضاً علنياً دون تصريح] قد تعتقلك [قوات النظام].” وأضاف “في الواقع لا يوجد قانون. يمكنك البقاء في أحد فروع الاستخبارات لشهرٍ مثلاً دون توجيه أي اتهام لك. بالنسبة لي هذه مخاطرة كبيرة، وليس بالنسبة لي فحسب، بل بالنسبة لجميع الناس الذين أعرفهم. واليوم، ليست الحكومة من تمنعنا في الواقع من تقديم العروض. هناك الموت، الناس يتضورون جوعاً. لا يمكنك تقديم عرض وتوقع حضور الناس.”
وكما قال، فقد ساعدته الموسيقى على الاستمرار. “إنه أمرٌ تعاني منه كل يوم. مثل التفكير المتواصل لـ24 ساعة على مدار الأسبوع بالأصدقاء الذين فقدتهم، وأن تعاني مما يعاني منه الآخرون، التعرض لإطلاق النار، أو اللحاق بك من قِبل الشبيحة [الموالين للحكومة]، والاختباء في منازل الآخرين. الورق يفهمك أكثر من أي شخص، لأنه لا يملك رأياً، إنه طريقة للتعافي والكتابة هي العلاج.”
بدأت والدته، وهي معلمة لغة انجليزية، بترجمة أغانية. “يا ديب” إحداها: “بتذكر صوت الجارة عم تبكي وتصرخ ع ولادها، عم بتسكر أبوابها لأن الحرب على البواب. اسمع ما عم بحكيلك قصة حتى أفكارك سليلك، عم احكي واقع بلكي ضميرك صحيلك. طلعت من مساحة الموت مخطوف وجهي بذكر، عرفت وين خبي، خبيت وجهي عندهم.”
فقد كان للحرب السورية تأثير كهذا على المنطقة حتى أن مغنوا الراب الذين لم يعايشوا الأمر مباشرةً أصبحوا يغنون الراب عن انعكساتها. وقال Chyno، وهو مغني راب سوري فلبيني يعيش في بيروت، “شعرت أني أتطرق للموضوع بالرغم من أني أكثر ألفة مع المشهد اللبناني.”
وأضاف “لم أكن أنظر إلى موسيقاي باعتبارها سياسية لأنها تتحدث عن قصص الناس، البشر. إلا أن الأمر انتهى بجذبي جماعاتٍ سياسية؛ النشطاء اليساريون والليبراليون والتقدميون، على سبيل المثال. وعلى مدى السنوات الثلاث الماضية، أصبحت أشعر أن عملي يأخذ منحى سياسي بشكلٍ أكبر.”
مشروعه الأخير هو الموسيقى التصويرية لمسلسل على الانترنت بعنوان الضالين، الذي يعالج قضية تجنيد داعش للشباب. وقال “خلال عملية تطوير المسلسل، أجرينا الكثير من البحث ومع مجموعات تركيز للأطفال الذين يعتبرون إرهابيين مزعومين.” وأضاف “كان الأمر مثيراً جداً للاهتمام، يمكنك حقاً أن تشعر من القصة الديناميات وردود الفعل المختلفة تجاه الافتقار إلى الأمل والإرهاب.”
وعلى الرغم من أن هذا المشروع باللغة العربية، إلا أن ألبوماته باللغة الإنجليزية “لأنها موجهة إلى الغرب، مثل [The Ones]، الذي يتحدث عن الإسلاموفوبيا.” وقبل انتقاله إلى بيروت، أمضى Chyno العديد من السنوات في سوريا حيث كانوا “يقومون بأشياء ممتعة. كنا شباباً ومن الطبقة المتوسطة لذا كانت الحياة أسهل، كما أن [مغنيوا الراب السوريين] الذين أعرفهم الآن في أوروبا، الذين يتحدثون عن السياسة صراحةً والعدوانيون، غالبيتهم أيضاً من الطبقة المتوسطة.”
وعلى الرغم من أن العديد من مغنيّ الراب غادروا سوريا، تحاول مجموعة صغيرة من الطلاب ملء الفجوة من خلال تطوير مهاراتهم الخاصة. ففي دمشق، يقوم سراج، البالغ من العمر 18 عاماً، بغناء الراب مع أصدقائه. ويقول “الراب طريقتنا للتعبير عن أنفسنا. سنواصل الكتابة عن كل شيء نشعر به ولن نغلق النافذة طالما نتنفس.” وأضاف “الواقع حولنا هو مصدر إلهامنا. ففي نهاية المطاف، أنا أغني الراب لأتحدث عن الأمور التي ينبغي أن نتحدث عنها. ومن وجهة نظري، لا يمكن مزج السياسة بالفن. إلا أن الوقت الذي نعيش فيه يجبرنا على التحدث عن السياسة وألا نصمت.”