وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

الحياة في سوريا: وهم الوعود وقسوة الحقائق

Syria- Aleppo
أشخاص يمشون بجوار أنقاض المباني التي لحقت بها أضرار بالغة أو دمرت خلال المعارك بين المتمردين وقوات النظام ، في حي صلاح الدين السابق الذي كانت تسيطر عليه المعارضة في مدينة حلب في شمال سوريا في 11 فبراير 2019. Photo AFP

تشهد سوريا تغييراتٍ اجتماعية وعسكرية واقتصادية منذ اندلاع الحرب في ربيع عام 2011. وفي عام 2018 ، استعاد النظام، بمساعدة حلفائه الروس والإيرانيين، مساحاتٍ كبيرة من الأراضي السورية التي كانت بيد المتمردين. فقد استخدم النظام كل السبل لتحقيق هذا التحول، وبدأوا بالعمل على ترجمة التغيير العسكري سياسياً واقتصاديا واجتماعياً واعلامياً بطبيعة الحال.

التحول العسكري حرك مشاريع تتعلق بعودة اللاجئين من دول الجوار وأوروبا، بالإضافة إلى عودة النازحين داخل الأراضي السورية إلى بيوتهم. فهل تحققت هذه التحولات؟ كيف تعامل النظام اقتصادياً مع انهيار سعر صرف الليرة السورية وارتفاع التضخم؟ هل عاد اللاجئون إلى ديارهم؟ هل استعاد النازحون بيوتهم المهدمة؟ هل عادت الحياة إلى سابق عهدها كما روج النظام ومسانديه وبعض وسائل الإعلام الأوروبية؟ هل بدأت بالفعل مشاريع إعادة الإعمار، وكم خصص النظام من ميزانيته لعام 2019 لهذه المشاريع؟

مليار دولار لإعادة الإعمار

خصصت الحكومة، بحسب مجلس الشعب، مبلغ مليار دولار أمريكي في موازنة العام الجاري 2019 لإعادة الإعمار وتأهيل المنشآت العامة والتعويض عن الأضرار التي لحقت بالمنشآت الخاصة، وإعادة المهجرين إلى بيوتهم وتأمين السكن لأولئك الذين تدمرت بيوتهم. هذا الرقم بحسب الخبير الاقتصادي السوري، مصطفى السيد، لا يكفي حتى لإزالة الأنقاض من المدينة الشرقية دير الزور. بل أن أكثر الأرقام تفائلاً في حساب تكلفة إعادة الإعمار في سوريا وصلت إلى أكثر من 400 مليار دولار. كما أن واقع الدمار أصاب عشرات المدن السورية على رأسها حلب ودير الزور والرقة وحمص وحماة وإدلب ودرعا في ريف دمشق. المدن إلى اليوم لا زالت تكتشف أوضاع عمرانية كارثية نتاج العمليات العسكرية التي شهدتها، أخرها كانت في حلب حيث أعلن مجلس المدينة أن أكثر من 80 ألف مبنى طابقي معرض للإنهيار في أي وقت، والتي تقع ضمن 36 حياً في المدينة.

في ظل هذه الأوضاع الاقتصادية الكارثية، والتركة العملاقة من الحرب التي استمرت أكثر من ثماني سنوات، هل تتمكن روسيا أو إيران من تنفيذ مشاريع إعادة الإعمار كما نفذوا مشاريع الحرب؟ هل يمكن للاتفاقيات التي وقعتها الحكومة السورية مع إيران وروسيا أن تعيد الحياة للإقتصاد السوري؟ لا يمر شهر دون عقد اجتماعاتٍ لرجال أعمال ومندوبي شركات روسية وإيرانية مع مسؤولين في الحكومة السورية بهدف ربط تنفيذ عمليات إعادة الإعمار بمؤسسات وشركات هذين البلدين، كإنشاء محطات توليد الطاقة، وربط الصناعات الكيميائية السورية مع الشركات الروسية.

كل هذه التحركات مرتبطة بالواقع السياسي للنظام السوري، الذي نفذ عدداً من الشروط مقابل فتح المجال للشركات المرتبطة بالولايات المتحدة الامريكية لتنفيذ مشاريع إعادة إعمار في سوريا. مع ذلك، لا يمكن الجزم في هذا الأمر خاصة مع حزمة العقوبات الأمريكية التي وقعها الكونغرس ضمن قانون “سيزر” لحماية المدنيين في سوريا، مؤخراً. لكن كيف يؤثر هذا على السوريين داخل البلاد؟

Syria Rebuilding AR3000
المصدر: Wikipedia, menaviz.worldbank.org/calculator and The World Bank Group.اضغط للتكبير. @Fanack.com ©Fanack CC BY 4.0

مئة دولار متوسط رواتب السوريين

لم تحسّن مجموعة التحولات العسكرية والسياسية في سوريا من قيمة الليرة السورية مقابل الدولار، كما أنها لم تزد من دخل العاملين والموظفين في سوريا.

يتراوح متوسط الأجور في القطاع العام السوري، بحسب المكتب المركزي للإحصاء، بين 30 ألف و39 ألف ليرة سورية بشكل تقريبي شهرياً، أي أقل من 100 دولار أمريكي بسعر الصرف الحالي. أما في القطاع الخاص، فيتراوح دخل الموظف ما بين 60 ألفاً و65 ألف ليرة سورية شهرياً، أي حوالي 110 دولار أمريكي.

هذا أقل بكثير من المبلغ المطلوب لتغطية الاحتياجات الأساسية، بالنظر إلى آخر دراسة أجراها المكتب المركزي على الأسعار، خلال العام 2016. خلال ذلك العام، سجلت الأسعار ارتفاعاً وصل لحدود 679.63% قياساً بالعام 2010، حيث أن أقل أجور المنازل في منطقة جرمانا بريف دمشق، بحسب بحثٍ أجري لكتابة هذا المقال، حوالي مائة دولار شهرياً لغرفة نوم واحدة فقط.

جميع ما سبق يترافق مع ارتفاع معدلات البطالة لحدود 42%، حسب آخر إحصاء للمكتب المركزي والذي أجري عام 2016. السبب الرئيس في ارتفاع معدلات البطالة دمار المنشآت والمعامل الخاصة، بحسب تقارير المكتب المركزي.

أثر ما ذكر آنفاً على الأمن الغذائي للعائلات السورية، والذي تم تعريفه على أنه الوصول الموثوق إلى كمية كافية من الطعام المغذي بأسعار معقولة. وفي مسح أجرته هيئة تخطيط الدولة، عام 2017، تبين أن 23.4% فقط من السوريين يحظون بأمن غذائي، و31% غير آمنين غذائياً و45.6% يقعون في المنطقة الهشة القابلة للتحول إلى طبقة غير آمنة غذائياً. وبحسب إحسان عامر، الذي أجرى الدراسة، فإن هذه الأرقام لا تدل على معدلات الفقر في سوريا، فقد “يكون الشخص آمن غذائياً لكنه فقير في نفس الوقت، وهناك أسر تحصل على وجبة واحدة يومياً، وأخرى تحصل على وجبتين، وهناك من يأكل الخبز والشاي فقط.”

ثورة الغاز

يبدو أن القشة الأخيرة كانت أزمة الغاز التي ظهرت في أوائل عام 2018، والتي دفعت حتى الموالين للنظام السوري إلى الشوارع ليسجلوا اعتراضهم على ما وصلت إليه الأحوال. ففي ديسمبر، وصل سعر أسطوانة الغاز12 ألف ليرة سورية (23,30 دولار) في حلب، و10 آلاف ليرة (19,42 دولار) في طرطوس واللاذقية، وفي دمشق وريفها وصلت إلى 7 آلاف ليرة (13,59 دولار)، مقارنةً بسعرها الحكومي البالغ 2,500 ليرة سورية (4,8 دولار). أزمة دفعت النظام لإبرام عقود مع شركات خاصة لاستجرار الغاز المنزلي عبر البر من لبنان.

أزمة الغاز ليست النتيجة الوحيدة للحرب السورية، إلا أنها ظهرت بشكلٍ فج بسبب عدم توفر باقي المواد النفطية. كما أظهرت الأزمة واقع الحكومة السورية التي وقفت عاجزة أمام هذه الأزمة التي تتكرر بشكل مختلف الشدة كل عام تقريباً.

السوريون إلى أين؟

خمسة ملايين سوري يعيشون خارج الأراضي السورية، ومثلهم نازحون على الأرض السورية خارج بيوتهم. تقريباً نصف السكان بلا عمل، بينما تعاني البقية منهم الجوع والفقر المدقع. حوالي 300 ألف قتيل وحوالي 250 ألف في السجون أو مغيبون قسرياً. جيش مُنهك وممزق لعشرات الميليشيات التابعة لجهات محلية وإقليمية ودولية مختلفة. فشلٌ واضح ببرامج إعادة الإعمار في ظل التلويح بالمزيد من العقوبات والحصار على العمل الاقتصادي في سوريا. مفاوضاتٌ رسمية بين طرفي النزاع جل ما خلصت إليه لجنة تشكيل دستور جديدٍ للبلاد، في ظل وقف إطلاق نار غير محترم.

وعلاوةً على ذلك، يستمر النظام في عمليات التجنيد الإلزامي لآلاف السوريين وسحب العشرات أيضاً إلى صفوف الاحتياط ضمن التحضيرات العسكرية لعملية واسعة في إدلب، محافظةٌ يقطنها اليوم أكثر من ثلاثة ملايين سوري. من المحتمل أن يتوجه الآلاف منهم إلى تركيا ويسقط المئات ما بين قتيلٍ وجريح وتدمر المدن فتزداد رقعة الخراب مقابل عجز النظام عن رفع أنقاض مخيم اليرموك في جنوب دمشق.