حلب الشهباء، هي ثاني أكبر المدن السورية فضلاً عن كونها العاصمة التجارية للبلاد. ولعدة قرون، كانت حلب واحدة من المدن الرئيسية في الامبراطورية العثمانية، إلى جانب كلٍ من القسطنطينية والقاهرة. ومع عدد سكانها الذي تجاوز مليونيّ نسمة، كانت المدينة السورية الأكثر اكتظاظاً بالسكان قبل الحرب الأهلية السورية التي اندلعت في أعقاب الثورة السورية عام 2011. فحلب، المدينة القديمة، واحدة من أقدم المدن المأهولة باستمرار في العالم، إذ تُشير التقديرات إلى أنها مأهولة بالسكان منذ الألفية السادسة قبل الميلاد.
تاريخياً، اكتسبت المدينة أهميتها نظراً لموقعها الاستراتيجي الجيوسياسي في نهاية “طريق الحرير،” الطريق التجاري الذي يربط بين الصين عبر وسط آسيا مع منطقة البحر الأبيض المتوسط من خلال بلاد ما بين النهرين القديمة (العراق اليوم). ومع ذلك، عند افتتاح قناة السويس عام 1869، تحولت طرق التجارة إلى البحر، وبدأت مدينة حلب تفقد أهميتها. ومع نهاية الحرب العالمية الأولى وسقوط الامبراطورية العثمانية في وقتٍ لاحق، فقدت حلب المنطقة المجاورة الشمالية لما أصبح في العصر الحديث تركيا، بالإضافة إلى فقدناها ربطها بالسكك الحديدية الرئيسية مع الموصل في العراق. وبالإضافة إلى ذلك، في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية، فاوضت تركيا على الاستحواذ الناجح لأنطاكية ولواء إسكندرون، التي كان الفرنسيون قد حكموها منذ عام 1920 كجزءٍ من انتدابهم على سوريا، وبالتالي تم حرمان حلب من وصولها إلى البحر. وفي عام 2006، تم اختيار المدينة كـ”عاصمة للثقافة الإسلامية،” حيث شهدت موجة من عمليات الترميم الناجحة لعددٍ لا يحصى من المعالم التاريخية، وخاصة الإسلامية.
ومع بداية عام 2016، شهدت المعركة اشتداداً مما تسبب بهجرة واسعة النطاق إما إلى تركيا أو إلى أماكن أخرى أقل عدائية في سوريا. وتُشير التقديرات إلى أن ما تبقى من السكان في المناطق الشرقية في حلب، والتي تُسيطر عليها المعارضة، قد انخفض إلى 250 ألف نسمة، بينما تستضيف المناطق الغربية، التي يُسيطر عليها النظام، مليون ونصف نسمة. وفي أوائل فبراير 2016، كسرت قوات النظام وحلفائهم حصار المعارضة لمدينتي نبل والزهراء الشيعيتين، والذي أستمر لمدة ثلاث سنوات من خلال قطع طريق المعارضة الرئيسي المؤدي إلى تركيا. ومن بين المدن الاستراتيجية الأخرى التي تمت إعادة السيطرة عليها من قِبل القوات الحكومية في فبراير 2016 كانت بلدات ماير، وكفر نايا ورتيان.
وخلال فصل الشتاء، تواصلت حرب استنزافٍ دون أي مكاسب واضحة لأيٍ من الجانبين المحاصرين. ومع ذلك، في 25 يونيو 2016، بدأ النظام والقوات المتحالفة معه هجوماً على الجهة الشمالية الغربية من حلب لقطع طريق الإمدادات الأخير للمعارضة داخل المدينة، طريق الكاستيلو، وبالتالي تطويق جماعات المعارضة المتبقية بشكلٍ كامل.
ومع ذلك، ومنذ اندلاع معركة حلب عام 2012، عانت المدينة دماراً هائلاً وباتت المدينة الأكثر تضرراً في الحرب الأهلية السورية. تنقسم حالياً ما بين الجزء الغربي الذي تُسيطر عليه الحكومة، والجزء الشرقي الذي تُسيطر عليه المعارضة.
“معركة حلب،” هي مواجهةٌ مستمرة ما بين قوى المعارضة مثل الجيش السوري الحر والجماعات المسلحة السُنيّة المتشددة بما في ذلك الجبهة الإسلامية وتعاونٌ جزئي مع جيش الفتح (وهو مركز قيادة مشترك بين الفصائل السورية المتمردة المعروفة باسم جيش الفتح)، ضد القوات المسلحة السورية (أو قوات النظام) المتحالفة مع حزب الله، وغيرها من الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران، وسلاح الجو الروسي ووحدات حماية الشعب الكردي.
فقد شهدت حلب أشرس المعارك بين جماعات المعارضة وقوات النظام، مما جعلها واحدة من أهم المعارك في الحرب الأهلية السورية. وقد اتسمت بالعديد من انتهاكات حقوق الإنسان من خلال استخدام الجيش السوري للبراميل المتفجرة بشكلٍ عشوائي، والاستهداف المتعمد للمدنيين، بما في ذلك المشافي والمدارس، وذلك من قِبل الحكومة السورية وحلفائها الروس، وجرّاء القصف الفوضوي من قِبل المعارضة للمناطق التي تُسيطر عليها الحكومة والمدنيين المحتجزين الذين يعيشون هناك.
وبحلول نهاية شهر يوليو 2016، تمكن الجيش السوري من محاصرة مدنية حلب بالكامل، من خلال قطع آخر خط إمدادٍ لفصائل المعارضة من الشمال. فقد أسقطت الطائرات الحكومية آلاف المنشورات التي طالبت من خلالها السكان التعاون مع الجيش ودعوة المقاتلين إلى الاستسلام. هذه الحملة، التي بدأها الرئيس السوري بشار الأسد، جاءت بعد يومٍ واحدٍ فقط من تصريح مبعوث الامم المتحدة لسوريا، ستيفان دي ميستورا، بأن الأمم المتحدة كانت تأمل في استئناف محادثات السلام في شهر أغسطس 2016 من هذا العام. فقد انهارت محاولاتٌ سابقة للتوصل لحلٍ دبلوماسي لإنهاء الحرب الأهلية المستعرة منذ خمس سنوات في سوريا في أبريل 2016 ، ويرجع ذلك جزئياً إلى الزيادة الطفيفة في أعمال العنف في حلب. ولم يكن للهدنة التي تدعمها الامم المتحدة والتي أعلنتها روسيا والولايات المتحدة في مارس 2016، أي تأثيرٍ يُذكر لوقف القتال.
ومع ذلك، وبعد أيام قليلة على قطع قوات النظام خط إمداداتهم، شنت المعارضة السورية هجوماً مضاداً واسع النطاق في جنوب حلب، في محاولةٍ لعزل الجانب من المدينة الذي تُسيطر عليه الحكومة، إلى جانب فتح خط إمداداتٍ جديد داخل المناطق التي تسيطر عليها المعارضة. وبعد أسبوعٍ من المعارك المحتدمة، تقدمت المعارضة داخل وخارج حلب داخل منطقة الراموسة، من خلال الهجوم عليها من كلا الجانبين. كما استولوا أيضاً على أكاديمية الأسد العسكرية، وهي حرمٌ جامعي لتدريب العسكريين من القوات الحكومية في جنوب غرب حلب. أعلنت قوات المعارضة فيما بعد كسر حصار الجيش على الجهة الشرقية التي تُسيطر عليها قوات المعارضة في حلب من خلال قطع خط إمدادات النظام إلى المنطقة الغربية من حلب، والتي تُسيطر عليها الحكومة.
إلا أن قوات النظام كانت لا تزال تقصف خط إمدادات المعارضة الجديد بالضربات الجوية. وأصبح كلا الجانبين محاصران. تعتبر هذه نقطة أساسية لفهم معركة حلب: لا أحد يفرض حصاراً على “حلب” ككل؛ إذ أن العديد من مختلف الجماعات المسلحة يحاصرون بعضهم البعض وأجزاء وقطع من المدينة. أما مدينة حلب، بالإضافة إلى المحافظة بشكلٍ أوسع، تبقى مجزأة بشكلٍ كبير.
وفي أوائل سبتمبر 2016، شن النظام السوري سلسلة من الهجمات وبدأ باستعادة المناطق. وفي الرابع من نفس الشهر، تمكن الجيش من استعادة السيطرة على كلية التسليح، وكلية المدفعية، والكليات التقنية في الأكاديمية العسكرية، وبالتالي محاصرة المنطقة الشرقية التي تسيطر عليها المعارضة مرة أخرى. وفي الأسبوع الذي يليه، أعادوا السيطرة تقريباً على جميع الأراضي التي سيطرت عليها المعارضة خلال الصيف، بما في ذلك حي الراموسة الاستراتيجي.
وفي أواخر سبتمبر 2016، شن النظام السوري والطيران الحربي الروسي قصفاً مباشراً على المدينة، الذي اعتبر هجوماً غير مسبوق في سنوات الحرب الأهلية السورية الست الماضية، والذي تضمن استخداماً مكثفاً للقنابل الحارقة المحرمة دولياً. كان نصف الضحايا من الأطفال، الذين استهدفوا بشكلٍ رئيسي من خلال القصف العشوائي للطائرات السورية والروسية، وذلك وفقاً لمنظمة أنقذوا الأطفال (Save the children). كما اتُهمت القوات الجوية السورية والروسية أيضاً من قِبل الولايات المتحدة الأمريكية باستهداف المشافي وقيامها بضرباتٍ جوية متعمدة والمعروفة بـ”الضربة المزدوجة” أو ما يُسمى (Double Tap)، من خلال الاستهداف المتعمد لعمال الإنقاذ وأول الأشخاص الذين يهرعون إلى مكان الحادث بعد دقائق من تعرضه للقصف.
وفي 18 أكتوبر 2016، أعلنت القوات الروسية والحكومة السورية وقف الحملة الجوية التي شرع بها في سبتمبر 2016 للسماح بإجلاء المرضى والجرحى شرق حلب، إلا أن قلةً لبوا الدعوة للمغادرة. ومع ذلك، وفي أواخر أكتوبر 2016 وبعد أن بدأ الجيش بحملته في الصيف لمنع وصول جميع جماعات المعارضة إلى حلب، شن جيش الفتح هجوماً عسكرياً أسماه “غزوة الشهيد القائد أبو عمر سراقب” تيمناً بالقائد العام لجيش الفتح، الذي قضى نحبه في سبتمبر 2016. كانت العملية تهدف إلى إنشاء خط إمداداتٍ جديد إلى مدينة حلب، وصد قوات النظام السوري على المشارف الغربية لمدينة حلب، إلا أنّ حدّة المعركة خفت بعد ثلاثة أيامٍ فحسب بسبب المقاومة الشرسة للقوات الحكومية. تحول الزخم نحو القوات الموالية للحكومة التي استعادت بعض المناطق الجنوبية الغربية من المدينة التي سيطرت 2016عليها قوات المعارضة منذ يوليو.
وفي 3 نوفمبر 2016، وفي محاولةٍ لتجديد الهجوم، تمكنت قوات المعارضة من دحر هجمات القوات الموالية للحكومة من خلال إطلاق مرحلة ثانية ضد مواقع الجيش السوري في الجزء الغربي من حي حلب الجديد وفي منطقة منيان.
ومع ذلك، في 7 نوفمبر 2016، رد الجانب السوري وحليفه الروسي من خلال شن هجومٍ مضادٍ مكثف ضد قوات المعارضة في شرق حلب للسيطرة على المدينة إلى الأبد. أرسلت روسيا أسطولاً عسكرياً مكوناً من ثماني سفن حربية إلى ميناء اللاذقية، بما في ذلك حاملة الطائرات الوحيدة في البلاد، الأميرال كوزنيتسوف، والطراد الأضخم، بطرس الأكبر، وكلاهما من قاعدة أسطول الشمال، وفرقاطة الأميرال غريغوروفيتش المزودة بصواريخ من نوع كاليبر. يشكل هذا الأسطول أكبر انتشارٍ عسكري روسي منذ الحرب الباردة.
وبحلول 13 نوفمبر 2016، أعاد الجيش السيطرة على مناطق مهمة بما في ذلك المنطقة الغربية لضاحية الأسد وقرية منيان خارج المدينة، وذلك وفقاً للمرصد السوري لحقوق الإنسان. كما تقدمت قوات النظام أيضاً نحو الجنوب، لتسيطر على منطقتين من مناطق قوات المعارضة. وفي ضوء ذلك، محت الانتكاسات المذكورة أعلاه جميع التقدم المحرز من قبل جماعات المعارضة خلال هجومها ضد حصار الحكومة على شرق حلب.
وبعد بضعة أيام، رفض النظام السوري المفوّض اقتراح الأمم المتحدة بإنهاء القتال العنيف في مدينة حلب من خلال العرض على الثوار الحفاظ على المنطقة الشرقية من حلب تحت سيطرة المعارضة في حال انسحاب مقاتليهم. فقد اعتبر وزير الخارجية السوري وليد المعلم الفكرة انتهاكاً لـ”السيادة الوطنية”.
في 12 ديسمبر 2016 سقطت كامل حلب في ايدي نظام الأسد.