وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

بعد تحرير الرقة من تنظيم الدولة، من سيدفع ثمن إعادة الإعمار؟

الرقة
أحد أفراد قوات سوريا الديمقراطية يسير عبر أحد الشوارع التي شهدت دماراً كبيراً. Photo AFP

في 17 أكتوبر 2017، أعلنت قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة الأمريكية والتي يُسيطر عليها الأكراد، إلى جانب المرصد السوري لحقوق الإنسان، تحرير مدينة الرقة من وجود تنظيم الدولة الإسلامية. وفي اليوم التالي، كانت القوات المدعومة من الولايات المتحدة قد شرعت بالفعل بعملية تطهيرٍ للطرق الرئيسية ونزع الألغام الأرضية من المدينة المدمرة.

فقد أظهرت الصور الأولى مدى الدمار الذي لحق بالمدينة. وفي مقابلةٍ أذاعتها بابليك راديو إنترناشونال الأمريكية قال أحد السكان: “لا أعتقد أن المدينة حررت اليوم. هذا مجرد محتل جديد يسيطر على المدينة… فقد قتل [التحالف المدعوم من الولايات المتحدة] آلاف المدنيين بالمدفعية والغارات الجوية. دمروا حوالي 80% من المدينة. يريدون الاستيلاء على المدينة أياً كان الثمن.”

ومن جهتها، فقد اتهمت روسيا، بالفعل، التحالف بالقصف “الوحشي” للمدينة، وذلك بمقارنتها بقصف مدينة درسدن في عام 1945، المدينة الألمانية التي دمرتها غارات الحلفاء مباشرةً قبل نهاية الحرب العالمية الثانية.

في الواقع، استغرق الأمر أربعة أشهرٍ من القتال وأكثر من عامين من القصف العنيف على تنظيم الدولة لتتم هزيمته في الرقة، التي استولت عليها الجماعة الإرهابية في يناير 2014 وأقامت عاصمتها. ومع ذلك، لا تشكل هذه المعركة نهاية الحرب ولا نهاية تنظيم الدولة. ففي محافظة دير الزور شرق سوريا، تقوم قوات سوريا الديمقراطية بإعادة نشر المقاتلين وخوض معارك مختلفة عن الحكومة السورية، إلا أنهما يسعيان خلف نفس الهدف: طرد تنظيم الدولة من معقلهم الأخير القريب من الحدود العراقية.

فقد كتب هارون زيلين، وهو زميل في معهد واشنطن على موقع Syria Deeply الإخباري: “بخلاف وجهة النظر المتعلقة بالحكم… تواصل الجماعة القيام بعملياتٍ عسكرية… وعلاوة على ذلك، فإن تنظيم الدولة اليوم أقوى من أي تجسيدٍ سابق للجماعة في الفترة ما بين 2009-2012، حيث أن العنف في العراق حالياً أكثر فتكاً بثلاث مرات مما كان عليه خلال ما يقرب من أربع سنوات بعد صعود التنظيم. قد يكون الجهاز البيروقراطي في طور السكون، إلا أن قدرات المتمردين لا تزال هائلة.”

وفي الطفرة العسكرية في عام 2007، أرسِلت قوات أمريكية إضافية إلى العراق لمساعدة الميليشيات القبلية السنية في مكافحة القاعدة في العراق. وقد هزم تنظيم القاعدة في البداية، إلا أنه أعاد تنظيم صفوفه وعاد باسم تنظيم الدولة “داعش.”

بيد أن الأهم من طرح مسألة هزيمة تنظيم داعش هو أن مستقبل مدينة الرقة على المحك. فقد قال الناشط والمستشار الأميركي الموريتاني ناصر ودادي في مقابلة مع فَنَك Fanack Chronicle “أشعر بالإحباط من الزاوية التي يُنظر إليها دوماً حول ما إذا تم القضاء على داعش. هل هذا يعني أن الشعوب الغربية، التي تبعد أميالاً، باتت في مأمن؟ إنها قضية ثانوية،” وأضاف “بالنسبة لي، ما يُثير الاهتمام هو كيفية إعادة توحيد المكان مرةً أخرى ليصبح عملياً مجدداً. وهنا، أنا لا أرى أي خطة قائمة تبدو ذات مصداقية، بدعمٍ سياسي وتمويلٍ مناسب. ما أراه هو أن قوات سوريا الديمقراطية ووحدات حماية الشعب [الميليشيات السورية الكردية] ستحاول السيطرة على المكان وستفشل، إذ سيثور السكان المحليون. لا يوجد نهاية سعيدة هنا. عرضت وسائل الإعلام نساء يرقصنّ، هذا رائع، ولكن من سيوفر لهنّ المياه الجارية، والمساعدات والأدوية غداً؟ يمكن أن يتغير [الوضع] باتفاقٍ سياسي، ولكن من دونه، سينتهي الأمر مثل لعبة كرة الطاولة، مجرد مضيعة للوقت.”

وفي الأيام التي تلت التحرير، نسبت وحدات حماية الشعب النصر إلى زعيمها الكردي عبدالله أوجلان. من جانبها قالت قوات سوريا الديمقراطية إنّ سكان المدينة والمحافظة سيقررون مستقبلهم “في إطار سوريا الديمقراطية الاتحادية اللامركزية،” مما يُشير إلى خطتهم بربط مستقبل الرقة بخطط الحكم الذاتي الذي يقوده الأكراد في سوريا. وقال رشاد القطان، وهو زميل غير مقيم في مركز رفيق الحريري للشرق الأوسط “يبدو أن قوات سوريا الديمقراطية، وخاصة مكونها الرئيسي، وحدات حماية الشعب، تنظر لما حدث شرق الحدود السورية بين إربيل وبغداد، وكيف أن [حكومة إقليم كردستان]، الحليفة للولايات المتحدة الأمريكية، تُركت لوحدها دون أي دعم عندما بدأت سيطرة قوات الأمن العراقية والميليشيات الشيعية المدعومة من إيران، على الأراضي، بالتراجع عن ما كانت عليها عام 2003.”

إن السيطرة على الرقة ومستقبلها في سوريا على المحك اليوم، مع عدم وجود رؤية واضحة لما سيحدث. وفي الوقت نفسه، نزح أكثر من 200 ألف من سكان المدينة، وذلك وفقاً لمنظمة ميرسي كور الدولية، التي قالت في بيانٍ صحفي صدر في 19 أكتوبر 2017 “خلال القتال، رأينا مئات الأشخاص يفرون من منازلهم كل يوم. تقوم فرق وشركاء مرسي كور بتقديم الغذاء والإمدادات الأساسية، لكننا قلقون جداً إزاء الاحتياجات الإنسانية الضخمة… قد تنتهي العملية العسكرية، ولكن هذا لا يعني أن العائلات باتت آمنة الآن أو تمتلك منزلاً للعودة إليه.” وقد أثارت منظمات أخرى مثل هيومن رايتس ووتش ولجنة الإنقاذ الدولية مخاوف منذ يونيو بشأن المدنيين المحاصرين في المدينة ومعاملة المحتجزين والنازحين.

ويبدو أن مصير المدنيين قد أهمل في النقاشات السياسية والأمنية. وقال ودادي “تعرضت الرقة للدمار.” وتابع القول “لا توجد مياه أو كهرباء، وهو أمرٌ غريب عندما تعلم أن المحافظة هي المزود الرئيسي للكهرباء لباقي سوريا. تبدو مثل برلين في عام 1945، ولكن لا تتوقع تطبيق خطة مارشال في الرقة. تمثل الهدف في تدمير [داعش]، وليس إنقاذ السكان. واليوم، باتوا لوحدهم.” وبالنسبة له، يشكل “الإفراط في التفاؤل” الذي يظهر في غالبية وسائل الإعلام وبين السياسيين مصدر قلق: “يرغب الناس في رؤية بعض الإنتصارات، ولكن أنظروا إلى العراق، أنظروا إلى ما حصل في الفلوجة عام 2011. علينا إيقاف الحلقة. ولكن اليوم، الرقة مجرد كومة من الرماد المحترق.”

وفي 23 أكتوبر 2017، قال جيمس دينسيلو، المحلل في شؤون الشرق الأوسط لقناة الجزيرة، “في مارس 2017، حذر وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون من أنه في الوقت الذي قادت فيه بلاده عملياتٍ ضد داعش، فإن الاستقرار وإعادة الإعمار “يتطلبان جهوداً منكم جميعاً.”. ولربما توجد هنا حجة صغيرة، فيما يخص هذه الجزئية المتعلقة بسوريا بالذات، إذ سيتم تطبيق عقيدة كولن باول: “اكسرها، تملكها.”

وفي غضون ذلك، قام مجلسٌ مدني تم تشكيله مؤخراً بتقسيم المدينة إلى 16 حي من أجل تنسيق عملية التنظيف بمساعدة منظمات مختلفة. وفي حين أن الأمر يعتمد في الغالب على الجمعيات المدنية وسكان المدينة، فإن مسألة من سيدفع ثمنها ومن سيكون مسؤولاً عن إعادة الإعمار الفعلي لا تزال دون إجابة.