وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

القنب في المغرب: موضوعٌ حساس

Morocco- Cannabis
سائحة تقف في حقل للقنب بالقرب من بلدة الكتامة في منطقة الريف، شمال المغرب. Photo AFP

يشتهر المغرب بأصالته ومدنه وقراه الجميلة وطعامه الشهي وشواطئه، كما يشتهر أيضاً بالقنب. ففي عام 2017، تم تصنيف البلاد كأضخم مُصدّرٍ لصمغ القنب (الحشيش) في العالم؛ وهو لقبٌ حملته البلاد مراراً وتكراراً في السنوات الأخيرة. ومع ذلك، لا تزال المخدرات محظورةً في البلاد، وتعتبر موضوعاً حساساً على الرغم من بعض المحادثات حول إضفاء الشرعية عليها.

للقنب في المغرب تاريخٌ طويل، فعلى الرغم من أن التاريخ الدقيق لإدخاله إلى البلاد لا يزال أمراً غير واضح، إلا أنه كانت تتم زراعته بالفعل في القرن السابع عشر في الحدائق والبساتين المغربية للاستخدام المحلي. تحول القنب فيما بعد إلى نشاط إنتاجي رسمي في القرن الثامن عشر، وذلك في منطقة الريف في شمال البلاد، حيث لا تزال المنطقة سوقاً مهمة حتى يومنا هذا. تم حظر القنب تدريجياً: أولاً أثناء حكم السلطان حسن الأول، الذي وضع لوائح صارمة بشأن الزراعة والتجارة في عام 1890، بينما منح امتيازات إنتاج القنب لبعض قبائل الريف. أعيد التأكيد على هذه الإمتيازات التي مُنحت لهم في الخمسينات، ولكن بعد سنواتٍ قليلة، في عام 1956، ومع استقلال المغرب، تم حظر القنب على الصعيد الوطني من قبل الملك محمد الخامس، الذي حكم من عام 1957 حتى وفاته في عام 1961. ولا يزال هذا المخدر غير قانوني اليوم، لكن السلطات المحلية تتغاضى عنه جزئياً، لا سيما في منطقة الريف حيث حصلت القبائل على امتيازات الإنتاج في القرن التاسع عشر.

فقد كان المغرب أكبر مُصدّرٍ للحشيش في العالم في عام 2015، وفقاً لدراسة أجراها مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة. وفي عاميّ 2016 و2017 أيضاً تم تهريب المخدرات خارج البلاد بشكلٍ غير قانوني، الذي كان يتم غالباُ من خلال القوارب إلى إسبانيا. ويشير التقرير إلى أن القنب المغربي يشهد طلباً كبيراً في العالم “لأصنافه الهجينة عالية الإنتاج والقوية،” وأشار التقرير أيضاً إلى أنه في عام 2015، احتلت البلاد ثالث أكبر مضبوطات من الحشيش في العالم، التي قُدرت بـ235 طناً، حيث يتم تصدير 80% من إنتاج السوق، لا سيما إلى أوروبا من خلال إسبانيا. وفي عام 2015، كان المغرب أيضاً أكبر منتجٍ بما يصل إلى 38 ألف طنٍ من القنب المنتج في الهواء الطلق و760 طن من الإنتاج الداخلي، وفقاً لتقرير مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة. تتضمن قائمة المصدرين الرئيسيين الآخرين للقنب كلاً من أفغانستان ولبنان والهند وباكستان.

ولكن، لا يقتصر إنتاج القنب المغربي على بيعه في الخارج فحسب، بل يعدّ أيضاً مكون ضخم من السياحة الأوروبية في المملكة، على الرغم من عدم عرض مثل هذه الأنشطة على كتيبات السفر. وتعتبر قريتي كتامة وشفشاون، وهما قريتان في الشمال، من المناطق التي استفادت في الستينيات والسبعينيات من تدفق الهيبيين الغربيين القادمين لزيارة المنطقة، والذين يبحثون أيضاً عن الاسترخاء باستخدام “المنتجات المحلية” مثل “الكيف،” الاسم المغربي للقنب، مما شجع على تدويل إنتاجه.

وفي سبتمبر 2017، كان هناك مهرجان يسمى “Bombola Ganja” تم تنظيمه في كتامة، حيث عرضت أوراق القنب على الملصق الدعائي للمهرجان على موقع فيسبوك، وأسماء منسقي الموسيقي والأغاني على القائمة، فضلاً عن دعوةٍ لتشريع القنب لأغراض طبية. ومن الجدير بالذكر أنه يتم التسامح إلى حدٍ كبير بتعاطي الحشيش هناك، وغالباً ما يقترب التجار والمرشدون غير المرخص لهم من السياح ليعرضوا عليها شراء الحشيش أو القيام بجولةٍ في المزارع للقاء منتجي القنب المحليين.

يجلب هذا الإنتاج من القنب دعماً تبرز الحاجة إليه بشدة لصناعة السياحة في المنطقة، فقد قال أحد السكان المحليين ويدعى حسن لوكالة الأنباء الفرنسية إن القنّب كان “المصدر الرئيسي للثروة” وأن “المناخ هنا مميز للغاية ولا شيء ينمو هنا إلا الكيف.”

في يوليو 2017، نشر الموقع المعني بالسياحية، Tripsavvy، مقالًا يزعم فيه أن السياح يعرض عليهم شراء الحشيش عدة مرات يومياً في الشارع.

Morocco- Cannabis
امرأة مغربية تزرع القنب في اساكن، في المنطقة الشمالية في المغرب، المعروفة بتمردها. Photo AFP

ونصح القرّاء بشراء الحشيش من السكان المحليين الجديرين بالثقة وتدخينها في “المقاهي الصغيرة حيث يدخن الرجال المحليون نرجيلتهم بينما يلعبون الورق ويشربون الشاي بالنعناع،” (معظمهم من السياح الذكور ذلك أن وجود النساء غير مألوفٍ في مثل هذه المقاهي)، بحسب المقال. كما نصح الموقع أيضاً إلى تجنب التدخين علناً قرب المساجد، وفي الساحات العامة وأثناء تواجد أي من الشرطة، أو حتى التجول بالقنب.

غير أن استهلاك القنب وإنتاجه غير مشرّع به رسمياً في المغرب، رغم أن الدولة لا تستطيع التدخل على نطاقٍ واسع بسبب الأموال التي تجلبها للشعب. وليس من المستغرب أن مبادرة الحكومة لإضفاء الشرعية على القنب أثارت جدلاً كبيراً في البلاد في عام 2014، مع حملة “الحرية الآن” التي أطلقها الناشط في مجال حقوق الإنسان شكيب الخياري من جبال الريف، والذي انتهى به المطاف في السجن عام 2009 لاستخدامه القنّب. اكتسبت حملته لإضفاء الشرعية على القنب في جبال الريف بعض الدعم السياسي في ذلك الوقت، بل وصل الأمر إلى إصدار مشروع قانونٍ وصل إلى البرلمان المغربي، دون الموافقة عليه. وفي عام 2017، تحدث رئيس الوزراء المعين حديثاً سعد الدين العثماني لصالح ضبت إنتاجه.

في الواقع، يمكن أن يساعد هذا على بناء سوقٍ منظمة في بلدٍ وصلت فيها معدلات بطالة الشباب إلى 17,96% في عام 2017. فالبنية التحتية موجودة بالفعل، والبيئة مثمرة، ومهارات زراعة وإنتاج القنب موجودة بالفعل، مما يجعلها المكان الأمثل للبدء بتشريعٍ محتمل. يمكن أن يكون القنب سوقاً شرعية من شأنها جلب الوظائف والاستقرار المالي للمغرب، إلا أن هذه القضية لا تزال من القضايا الحساسة في البلاد وقد لا يُسنّ القرار في السنوات القليلة المقبلة. ولربما سيتم ذلك في النهاية- عندما يكون المجتمع المغربي مستعداً.