وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

تراجع إنتاج النفط والغاز يدفع عُمان إلى بناء اقتصادٍ للمستقبل

Oman- Sultanate Oman
سمك التونة جاهز للبيع في سوق السمك على شاطئ صور في جنوب سلطنة عمان. Photo AFP

كانت تحاول عُمان، منذ اندلاع الربيع العربي في عام 2011، تنويع اقتصادها للحدّ من اعتمادها على النفط والغاز، ويعدّ هذا أمراً مُلحاً: فمن المتوقع أن تنضب احتياطيات النفط والغاز في غضون 20 عاماً. كما كان تقليل نسب البطالة، التي وصلت إلى ارتفاعٍ ملحوظ بمعدل 24% في عام 2012، حافزاً قوياً آخر لتعزيز القطاع الخاص الذي يمكن الاعتماد عليه.

ويُشّكل تعزيز الصناعات الجديدة في الوقت الذي يتم فيه الاستثمار في مشاريع البنية التحتية الضخمة حجر أساسٍ في خطة السلطان قابوس بن سعيد الاقتصادية، التي قد لا يراها تتجسد أمام عينيه (إذ سيبلغ الـ78 في نوفمبر). وعليه، تفهم قابوس الحاجة إلى تنويع الاقتصاد في عام 2011، عندما بدأ إنتاج الغاز بالتراجع بعد ازدهاره لأكثر من عقدٍ من الزمان.

وفي عام 2015، انخفضت أسعار النفط في الخليج بشكلٍ كبير (بنسبة 35% في عامٍ واحد)، مما شكل تحدياً كبيراً لاقتصاد عُمان. أجبر هذا الانخفاض في أسعار النفط شركات التنقيب على التوقف عن حفر الآبار، في حين واجه عمّال منصات النفط القائمة على الآبار خطر خسارة وظائفهم. وقال سعود السالمي، رئيس نقابة شركة تنمية نفط عُمان، أكبر شركة نفط في البلاد، للموقع الإخباري الألماني دويتشه فيله في عام 2015 أن عقود النفط القديمة، التي جرت العادة بتجديدها تلقائياً، كانت على وشك الإنتهاء ولم يكن هناك أي احتمال بتوقيع عقودٍ جديدة.

أدى الإنخفاض السريع في إنتاج النفط إلى بحث عُمان عن مصادر جديدة في احتياطاتها المالية، بينما خفضت الإنفاق على الدفاع بمقدار الربع والإنفاق على الرفاه الاجتماعي بمقدار النصف. أدت الخطوة الأخيرة إلى إثارة غضب الفقراء وفئة الطبقة المتوسطة من العُمانيين بشكلٍ كبير، حيث احتج الكثير منهم في عام 2011 ضد الفساد والبطالة المتصاعدين في البلاد.

وعلى الرغم من التحديات، تعتقد السلطات العمانية الآن أن قطاعها الخاص مهيأ للازدهار في السنوات القادمة. ووفقاً لتنفيذ، وهو كُتيب للبرنامج الوطني لتعزيز التنويع الاقتصادي يهدف إلى استكشاف طرقٍ لتنويع الاقتصاد الذي نشرته عُمان في يوليو 2017، فمن المتوقع أن تزداد القطاعات غير المرتبطة بالنفط بنسبة 4,3% بين عامي 2016 و2020.

وفي الوقت نفسه، من المتوقع أن تنخفض مساهمة الاقتصاد النفطي في الناتج المحلي الإجمالي للبلاد من 44% – وهو الرقم الثابت بين عامي 2011 و2015 – إلى 30% في عام 2020.

ولكن كيف سيتم ذلك؟ أولاً، تحاول عُمان إعادة تعريف نفسها كدولةٍ صناعية لتتمكن من توليد عائداتٍ أكبر من تصدير السلع. كما تدعم البلاد قطاعات الصناعات التحويلية التي تشتمل على إنتاج البتروكيماويات والمعادن واللا معادن والأغذية. ولكن حتى وإن نمت هذه الصناعات بشكلٍ كبير كما تأمل عُمان، فإن جذب المستثمرين سيكون أمراً صعباً ما لم تعتمد الدولة بعض الإصلاحات.

يوصي دليل تنفيد ببذل المزيد من الجهود من قِبل السلطنة لتعزيز قطاع التصنيع للعمانيين. كما يطالب بتحسين شفافية القوانين والسياسات الحالية المنظمة لقطاع الأعمال، وتسهيل الحصول على المزيد من التصاريح والتراخيص داخلها.

فقد قال ماركوس شينيفيكس، محلل شؤون الشرق الأوسط لدى مؤسسة تي إس لومبارد لقناة الجزيرة في ديسمبر 2017، “تمتلك عُمان قدراً كبيراً من الإمكانات لتنويع مواردها، ولربما أكثر من جيرانها بالعديد من الطرق، خاصة فيما يتعلق بالسياحة ومن حيث الموارد الطبيعية المتوفرة في عُمان – مثل الثروة السمكية الهائلة.”

يتمثل التحدي الذي يواجه العمانيين بالحصول على وظائف في قطاعي التصنيع والسياحة. وأشار صالح الشيباني، الصحفي الذي يكتب لصحيفة ذا ناشيونال، ومقرها أبو ظبي، إلى أن معظم الشركات الخاصة تفضل العمال المهاجرين، لأنهم كأجانب، لا يتمتعون إلا بالقليل من السلطة للتفاوض على راتبٍ عادل. يترك هذا الاتجاه العمانيين من خريجي الجامعات دون أي فرص عملٍ في القطاع الخاص في البلاد.

في الواقع، التفاوت كبيرٌ جداً لدرجة أن 10% فقط من العاملين في القطاع الخاص من العُمانيين، وذلك وفقاً لوزارة القوى العاملة في البلاد. ووفقاً للتقارير، يتألف القطاع الخاص من 1,85 مليون موظف من المغتربين، مقارنةً بـ223 ألفاً من العُمانيين.

ولأرقام أكثر دلالة: منذ أن بدأت عُمان خطتها لتنويع الاقتصاد في عام 2012، تم إنشاء 650 ألف وظيفة في القطاع الخاص، ومع ذلك تم توظيف 16 ألف عماني فقط. وقال توفيق اللواتي، أحد المشاركين في برنامج تنفيد لصحيفة تايمز أوف عمان، إنه يجب معاقبة الشركات الخاصة لعدم توظيفها المواطنين الشباب. ووصف الوضع الحالي بأنه “غير عادل وغير مقبول،” واقترح أن يلعب القطاع الخاص دوراً أكثر ديناميكية في الاقتصاد المحلي في عُمان.

وبالفعل، توفر الحكومة الكثير من الحوافز للشركات الخاصة لتوظيف العمانيين، فلا تحصل الشركات الخاصة التي توظف العمانيين على أراضٍ تجارية وتدريبٍ مجاني فحسب، بل يتم منحهم أيضاً قروضاً منخفضة الفائدة. وعلاوة على ذلك، يتم تنظيم معارض الوظائف بشكلٍ منتظم من قبل الحكومة. ولكن في فبراير 2017، هدد وزير التجارة والصناعة العماني علي بن مسعود السنيدي بوقف هذه المزايا للشركات التي لا يتألف طاقم موظفيها من 35% من المواطنين العمانيين على الأقل.

وفي الوقت نفسه، يتهم أرباب العمل الحكومة بمنح عقودٍ أقل للشركات الخاصة بسبب هبوط أسعار النفط. ونتيجةً لذلك يزعمون أنهم لا يملكون موارد مالية لتوظيف العمانيين. كما يُقال إن الشباب العماني من خريجي الجامعات الجدد لديهم توقعات غير واقعية حول الوظائف التي سيحظون بها، وأن العمانيين يركزون فقط على بعض الصناعات: تلك التي تقدم وظائف ذات أجور عالية وآمنة.

أياً كان الحال، لا تزال البطالة إحدى القضايا الرئيسية. ولكن على الأقل، لا يعتبر العُمانيون الأقل ثراءً الفئة الأكثر استهدافاً لإجراءات التقشف. في الواقع، وخلافاً للإتجاه العالمي، أعلنت عُمان العام الماضي رفع الضرائب على مواطنيها الأكثر ثراءً لضمان تمتع جميع العمانيين بالازدهار في المستقبل.

وحتى الآن، يبدو أن عُمان تتعافى بشكلٍ تدريجي، ويرجع الفضل في ذلك إلى حدٍ كبير إلى ارتفاع أسعار النفط والغاز هذا العام. وباعتبارها أكبر مُصدّرٍ للنفط والغاز في الشرق الأوسط خارج منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك)، كان من المتوقع أن تستفيد عُمان من النمو الاقتصادي في عامي 2018 و2019، وفقا لبحث أجرته مؤسسة بيزنس مونيتور الدولية (BMI).

بيد أن الجميع لا يملكون ذات نبرة التفاؤل، ففي شهر أبريل الماضي، أرسل صندوق النقد الدولي رسالةً واضحة إلى عُمان بعد زيارة المستشار ستيفان روديه وفريقه لمسقط لمدة 13 يوماً. وخلص الفريق إلى أن عُمان بعيدة كل البعد عن التفاخر باقتصادٍ يمكن أن يكون مستداماً ذاتياً يوماً ما دون ترف النفط والغاز، وسيحتاج تحقيق ذلك إلى إجراء إصلاحات “جوهرية.”

ويعدّ أحد أسباب انخفاض مرتبة عُمان إلى أن البلاد وافقت على الإنضام إلى اتفاقٍ بقيادة أوبك وروسيا لتقليص صادرات النفط على أمل زيادة قيمتها. وأشار دومينيك دادلي، الصحفي في مجلة فوربس، إلى أنه على الرغم من ارتفاع أسعار النفط، إلا أنها لم ترتفع بما يكفي لتعويض انخفاض إنتاج سلطنة عُمان.

ومع ذلك، يبدو أن ملوك المال العُمانيين على أتم الاستعداد للانضمام إلى خطة السلطان قابوس. فقد قال رجل الأعمال سالم سعيد بن ﺍﻟﻤﺸﺎﻳﺨﻲ، الذي يمتلك مصالح في العديد من الصناعات في البلاد بما في ذلك قطاع الإنشاءات والطاقة، لقناة الجزيرة أنه متفائلٌ بمستقبل البلاد بغض النظر عن قيود الميزانية الحالية، إذ قال “من المهم للغاية أن تحاول البلاد إيجاد مصدرٍ آخر للدخل، وألا تعتمد فقط على النفط والغاز.” وأضاف “إن ما يحدث من أزمة انخفاض أسعار النفط يجب أن يكون بمثابة تحذيرٍ لإيجاد حلولٍ أخرى.”