2017تهدف شركة حلوان للأجهزة المعدنية، وهي كيان مملوك للجيش، إلى مضاعفة إنتاجها من الأجهزة المنزلية في عام 2017، وفقاً لما صرح به رئيس مجلس الإدارة، درويش مصطفى الجندي، لصحيفة ديلي نيوز إيجيبت في يناير الماضي. وأضاف أنّ الشركة تستخدم مصادر عناصر محلية، للحدّ من الواردات وتخفيف الضغط على العملة الأجنبية في مصر.
ويعتبر خفض الاعتماد على الواردات ركيزةً أساسية لبرنامج الإصلاح الاقتصادي في مصر، وهو جزءٌ من اتفاقية قرض بقيمة 12 مليار دولار قدمه صندوق النقد الدولي لمصر في نوفمبر الماضي. فقد كان تعويم العملة في الشهر نفسه إحدى الخطوات الرئيسية في البرنامج، ففي ليلةٍ وضحاها، تقريباً، فقد الجنيه المصري نصف قيمته. وبات اليوم يعادل الدولار الواحد حوالي 18 جنيه مصري، مقارنةً بسعر الدولار الثابت قبل تعويمه والبالغ 8,7 جنيه. ومن بين الأهداف الأخرى، يهدف خفض قيمة العملة إلى تشجيع الشركات على تصنيع وتصدير المواد الخام محلياً بدلاً من استيرادها، لتصبح مصر أكثر جاذبيةً للمستثمرين الأجانب.
وتظهر أحدث المؤشرات أن الإصلاحات حققت بعض النتائج الإيجابية. فقد شهدت الصادرات ارتفاعاً، بينما انخفضت الواردات وتحولت كبرى الشركات المصنعة إلى السوق المحلية للحصول على المواد. وفي بعض الأحيان، كانت نتائج الإصلاحات جيدة جداً، فقد أجبر الرئيس عبد الفتاح السيسي على وقف تصدير الأسماك في أبريل 2017، ذلك أن التصدير أصبح مربحاً جداً مما دفع الصيادين إلى التوقف عن تزويد السوق المحلية، مما أدى إلى ارتفاعٍ حاد في الأسعار للمشترين المحليين.
للوهلة الأولى تبدو الصورة مشرقة، ولكن هناك خدعة. فشركة حلوان للأجهزة المعدنية ليست الشركة الوحيدة تحت مظلة وزارة الإنتاج الحربي التي تهدف إلى زيادة التصنيع المحلي. ففي مايو 2017، أعلنت الوزارة عن توقيع بروتوكول مع شركة صينية لتصنيع محولات الطاقة الكهربائية، والتي تعتبر أحدث الاتفاقيات ضمن قائمة تطول.
ففي مارس 2017، كشفت الوزارة النقاب عن خططٍ لإنشاء وحدة تصنيع للألواح الشمسية بالتعاون مع شركة سامسونج. وفي يناير التقى وزير الإنتاج الحربي، محمد العصار، مسؤولين من جمهورية بيلاروسيا لمناقشة إنشاء خطوط إنتاجٍ في مصر من الجرارات ومضخات المياه ومعدات الحفر.
وتشارك الوزارة أيضاً في تنفيذ نظامٍ جديد لدعم الغذاء، يهدف إلى تحقيق هدف صندوق النقد الدولي المتمثل في دعم أكثر الفئات ضعفاً. وعلاوة على ذلك، أعلنت الوزارة عن مشاريع الرعاية الصحية، بما في ذلك إنشاء منطقة صيدلانية صناعية؛ وخطط لتصنيع قطع السيارات والثلاجات والغسالات، وتطوير وتصدير المنتجات الكيميائية.
فبالنسبة للكثير من المصريين، لا تعتبر المشاركة الاقتصادية المتنامية للجيش مدعاةً للقلق، بل على العكس من ذلك، فقد شارك الجيش منذ فترة طويلة في الاقتصاد ويتمتع بسمعة تقديم منتجاتٍ رخيصة وعالية الجودة. كما وتُعرف محطات الوقود التابعة له بالمراحيض النظيفة والسندويشات الجيدة، وتعتبر الطرق والجسور التي أنشأها أكثر صلابة من المعايير في مصر.
وقال الصحفي المصري المختص بالأعمال، حسام منير لـFanack أن الحكومة تتوجه إلى الجيش لتنفيذ المشاريع ذلك أن الجيش “قادر على تنفيذ مشاريع عالية الجودة بسرعة كبيرة أكثر من المقاولين من القطاع الخاص.” واستشهد بالتعاقد مع الهيئة الهندسية للجيش للإشراف على مشروع توسعة قناة السويس بقيمة 8 مليارات دولار، والتي تم الانتهاء منها في سنة واحدة بدلاً من ثلاث سنوات.
كما يشارك الجيش في مشاريع كبرى أخرى، مثل استصلاح 1,5 مليون فدان (630 ألف هكتار) من الأراضي للزراعة، وبناء مليون منزل لذوي الدخل المنخفض، وإنشاء عاصمة إدارية جديدة على بعد 45 كم شرق القاهرة. ومع ذلك، جذبت هذه المشاريع انتقاداتٍ لكونها باهظة التكلفة جداً وفشلها في تلبية الاحتياجات الفعلية، في حين أن معظمها يخدم أجندة الدعاية القومية.
وقال منير أن زيادة نشاط وزارة الإنتاج الحربي يتعلق بخفض قيمة العملة المصرية، حيث أن لها “دوراً هاماً في الحد من الاستيراد وسد الفجوة في السوق المحلية. “فالجيش يبرع في تصوير نفسه كحامي حمى الشعب. ففي أكتوبر 2016، على سبيل المثال، احتجت الأمهات على نقص حليب الأطفال، وسرعان ما تدخل الجيش ليعلن أنه سيبدأ باستيراد المنتج لمكافحة “التجار الجشعين” الذي أضروا السوق.
والسؤال المطروح هنا هو ما إذا كانت المشاركة العسكرية الأكبر في الاقتصاد تتماشى مع برنامج إصلاح صندوق النقد الدولي الذي يهدف إلى “معالجة العوائق الهيكلية العميقة الجذور التي تعوق النمو وخلق فرص العمل، وتهيئة بيئة مواتية لتنمية القطاع الخاص.” وقال الجندي في مقابلة مع ديلي نيوز مصر، أن “شركات الإنتاج الحربي لا تزاحم القطاع الخاص، بل تهدف إلى تقديم منتجات عالية الجودة بأسعار منخفضة من أجل تخفيف العبء على المواطنين.”
وقال منير أن المشروعات العسكرية تتماشى مع اصلاحات صندوق النقد الدولي. وأشار إلى خطاب أدلى به السيسي في ديسمبر الماضي، والذي قال فيه الرئيس أن الشركات العسكرية لا تشكل سوى 1,5- 2% من الناتج المحلي الإجمالي. ومع ذلك، يرى المراقبون المستقلون أن النسبة ترتفع إلى 40%. ويعتقد بعض المعلقين أن انشطة الاعمال العسكرية تعطّل بالفعل القطاع الخاص. فقد أخبرنا تيموثي كالداس، الزميل غير المقيم بمعهد التحرير لسياسات الشرق الأوسط، أنه “بالنسبة للمستثمرين الأجانب، فإن احتمال التنافس مع شركات قريبة من الأجهزة الأمنية أمر يشكل عقبة.”
وفي تحليل مطول لمجلة Foreign Policy، كتبت زينب أبو المجد، أستاذ مشارك في تاريخ الشرق الأوسط في كلية أوبيرلين، أوهايو: “نفذت المؤسسة العسكرية، التي تسيطر تماماً على خطة الإصلاح الاقتصادي، بشكلٍ انتقائي شروط القرض. وفي حين أنها تقلل بحماسة الإعانات المقدمة للمدنيين الفقراء، إلا أنها وسعت سيطرتها على العديد من القطاعات الاقتصادية وجنت أرباحاً ضخمة على حساب القطاع الخاص.”
إن أحد المزايا التنافسية التي يتمتع بها الجيش على القطاع الخاص هي مصدره الكبير للعمالة الرخيصة في شكل مجندين. ويتراوح التجنيد الإلزامي في مصر بين سنة وثلاث سنوات. ووفقاً لطالب الهندسة الصناعية، محمد، يخشى هو وزملاؤه من الطلاب التجنيد لمدة ثلاث سنوات كاملة. وقال “نحن عمالة رخيصة،” موضحاً أن الجيش يحتاج خريجي الهندسة لتشغيل الآلات التي غالباً ما عفا عليها الزمن في مصانعها. وقال “أنت لا تكتسب خبرة ملائمة في الجيش.” وأضاف “لذا بعد فترة التجنيد، فمن الصعب أن تجد عملاً [في القطاع الخاص].”
ولم يذكر صندوق النقد الدولي حتى الآن المشاركة العسكرية فى الاقتصاد فى اتصالاته حول برنامج الاصلاح. ووفقاً لأبو المجد، “فشلت اتفاقية القرض مع صندوق النقد الدولي في تقدير، بشكلٍ كامل، سيطرة الجيش على الاقتصاد.” ورفض صندوق النقد الدولي الرد على أسئلة Fanack، مبرراً أن بعثة صندوق النقد الدولي كانت في القاهرة في وقتٍ سابق من هذا الشهر لمراجعة الجزء الأول من البرنامج. هذا وردت رندا النجار، المتحدثة الرسمية باسم صندوق النقد الدولي، عبر البريد الالكتروني “سنتواصل بعد انتهاء الزيارة.”