وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

لبنان، وضعٌ بائس يُفاقمه جائحة كورونا

كورونا لبنان متظاهرون طرابلس
متظاهرون لبنانيون مناهضون للحكومة يواجهون قوات الأمن أثناء تجولهم حول منازل النواب والمسؤولين الحكوميين في مدينة طرابلس الساحلية الشمالية احتجاجاً على الوضع الاقتصادي ودورهم في التسبب بالأزمة الحالية للبلاد، في 28 يناير 2021. Photo: JOSEPH EID / AFP

فلورنس ماسينا

منذ السادس من فبراير2021، تجاوز عدد حالات الإصابات بفيروس كورونا المستجد في لبنان 300 ألف حالة فضلاً عن أكثر من 3 آلاف وفاة، إذ من الجليّ عدم قدرة البلاد على التعامل مع الارتفاع الكبير في أعداد حالات الإصابة الذي بدأ منذ رأس السنة. وفي خضم كل هذا، فالنظام الصحي منهك، ويعاني الشعب من فقرٍ مدقع دون مد الحكومة يد العون لهم، فضلاً عن تزايد حالات الاكتئاب بعد أكثر من عامٍ من الكوارث.

واليوم، يواجه لبنان أزمةً اقتصادية مستمرة دفعت الآلاف من الناس إلى فقرٍ مدقع، في حين صادف الرابع من فبراير 2021 ذكرى مرور ستة أشهر على انفجار المرفأ الضخم الذي دمر بعض أشهر أحياء بيروت، والذي لم تتم إدانة أي طرفٍ بالتسبب به حتى الآن. ومع ذلك، ما يزال الناس، ولا سيما عائلات ضحايا الانفجار، يكافحون من أجل الاستماع إليهم ويواصلون بحثهم عن إجابات؛ الوضع الذي يفاقم الشعور باليأس المتأصل بالفعل بين صفوف السكان.

وعلاوةً على ذلك، ظهرت أزمة اجتماعية واقتصادية أكثر خطورة في نفس الوقت الذي شهدت فيه البلاد ارتفاعاً في حالات الإصابة بفيروس كورونا، حيث قررت الحكومة فرض إغلاقٍ تام في يناير 2021 من أجل تخفيف الضغط على المستشفيات غير القادرة على التكيف. ونظراً لأن العديد من الأشخاص يعتمدون على السيولة النقدية اليومية والوظائف غير الرسمية التي تتطلب وجودهم خارج منازلهم، فقد أصبح الوضع مزرياً بالنسبة للبعض الذين لم يعد بإمكانهم شراء أي سلعةٍ بعد اليوم، حيث أدى هذا اليأس إلى اندلاع الاحتجاجات على مدار أسبوعٍ في ثاني أفقر مدن البلاد، طرابلس، التي قوبلت بالعنف من قبل قوات الأمن.

وفي هذا الصدد، قالت آية مجذوب، باحثة لبنان والبحرين في قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش لنا في فَنَك: “هناك نقصٌ كبير في المساعدات الاجتماعية والمالية للأسر المحتاجة.” وأضافت، “لا يوجد اعتبار للاحتياجات المالية للأشخاص أثناء الإغلاق لأسابيع متتالية. وعلى الرغم من الوعود المتكررة بالمساعدات الحكومية، لم يتحقق شيء سوى جزءٌ بسيط مما تم ذكره ودون أي شفافية حول كيفية اختيار العائلات. ففي طرابلس، قوبلت المجتمعات المهمشة والفقيرة بالقوة والآن تقول الحكومة إنها ستساعد، لكن بعد انتهاء الإغلاق فحسب. يُشكل نقص الدعم الاقتصادي مشكلةً كبيرة، لأنه بدون أي مساعدة لا يستطيع الناس الالتزام بإجراءات السلامة.”

ومن المتوقع أن ينتهي الإغلاق في 8 فبراير 2021، يرافقه تخفيفٌ تدريجي للقيود. ومع ذلك، لم تسفر ثلاثة أسابيعٍ من الإغلاق الكامل عن النتيجة المتوقعة، حيث بلغت معدلات إشغال العناية المركزة 90% تقريباً في جميع أنحاء البلاد و100% في بيروت، وفقاً للأرقام التي نشرتها منظمة الصحة العالمية في 5 فبراير 2021. وعلى الرغم من الجهود الوطنية لتوفير مساحةٍ أكبر، وجد أن مستشفى رفيق الحريري الجامعي في بيروت يمتلك أكبر سعة استيعابية لحالات الإصابة بالفيروس، مع 50 سريراً فقط في وحدة العناية المركزة للبالغين وأربعة للأطفال، إذ تم في بداية الوباء، فصل المستشفى إلى كيانين مع اثنين من غرف الطوارئ من أجل التمكن من استقبال المرضى غير المصابين بالفيروس، ومع ذلك، ما يزال الناس يترددون في القدوم إلى المستشفى بسبب الخوف من الإصابة.

“نتيجةً لذلك، يأتي عدد أقل من الأشخاص إلى المستشفى، وغالباً ما تكون حالتهم أكثر خطورة لأنهم ينتظرون إلى أن يصبح الأمر مُلّحاً للغاية،” هذا ما قالته كريستين بارتوليك، عضو فريق الصحة التابع للجنة الدولية للصليب الأحمر في مستشفى رفيق الحريري لفَنَك. ومن الجدير بالذكر أن الرعاية الصحية مكلفة للغاية في بلدٍ لا يتمتع فيه معظم الناس بتأمين خاص أو تأمين عمل محدود للغاية، حيث ينبغي على المريض إيداع المال بمجرد وصوله إلى غرفة الطوارئ لأخذ وضعه الصحي بعين الاعتبار.

تشارك اللجنة الدولية للصليب الأحمر في لبنان مع مستشفى رفيق الحريري الجامعي من أجل توفير الرعاية الطبية للفئات الأكثر ضعفاً، وفي هذا الصدد، أضافت بارتوليك: “في السابق، كنا قد ساعدنا عادةً المهاجرين وعديمي الجنسية في الغالب، ولكن الآن يشكل اللبنانيون نصف الاحتياجات التي نغطيها،” وتابعت القول “والآن، لا يستطيع حوالي 32% من الأشخاص القادمين إلى غرفة الطوارئ دفع تكاليف الرعاية، وهو ضعف العدد مقارنةً بعام 2020. بالتأكيد، استمرار الوضع الحالي يؤثر على الحياة اليومية، فالناس لم يعد لديهم المزيد من المال.” كما لاحظ الفريق زيادة في احتياجات الصحة العقلية مقارنة بالربع الأخير من عام 2020، حتى مع حدوث حالات عنف مرتبطة بالأمراض النفسية. وعليه، أرادت بارتوليك التأكيد لفَنَك على حقيقة أنه: “ينبغي على الناس اتباع قواعد [السلامة الصحية]، لأننا نحتاج إلى تخفيف الضغط عن النظام الصحي.”

علاوةً على ذلك، حددت هيومن رايتس ووتش قضايا أخرى غاية في الأهمية تتعلق بالوباء، كما وصفت مجذوب لفَنَك: “هناك نقصٌ في المدفوعات من الحكومة للمستشفيات العامة، والتي تُستخدم عادةً لدفع أجور الموظفين والمعدات والأدوية. هذا النقص في تنسيق السياسات يمنع وصول الإمدادات الضرورية إلى البلاد.” ونتيجةً لذلك، لا يمكن للأشخاص الوصول إلى أدويتهم الإلزامية في حالات المرض المزمن، وهو دواء مهم لإنقاذ الحياة مما يدفعهم إلى التساؤل عبر الإنترنت عما إذا كان بإمكان أي شخص الوصول إليه في حالة الطوارئ، أو حتى العناصر الأبسط ولكنها ضرورية مثل حليب الأطفال. كما يُعيق هذا علاج مرضى فيروس كورونا، ويؤثر على سلامة العاملين الصحيين الذين لا يستطيعون توفير الحماية المناسبة.

عندما يتعلق الأمر بالفئات المستضعفة من السكان، مثل اللاجئين، هناك القليل جداً من المعلومات المقدمة لهم عندما يتعلق الأمر بحماية أنفسهم أو ما يجب فعله إذا أصيب شخص ما، وعليه قالت مجذوب: “ذهبنا إلى عدة مخيمات للاجئين في عرسال في ديسمبر2020، وأخبرتنا العائلات أنها لم تتلق أي مساعدة أو معلومات على الإطلاق منذ بداية الوباء،” وأضافت “بل الأسوأ، خلال بداية مارس 2020، وثقنا العديد من البلديات التي استغلت حظر التجول أو لإغلاق لفرض إجراءاتٍ عنصرية الموجهة ضد اللاجئين.”

وعلى الرغم من بعض الدعوات العنصرية من السكان ليكون اللبنانيون “أول” من يحصل على اللقاح، إلا أن الحكومة ذكرت أنه سيتم إدراج اللاجئين في خطة التطعيم. وقالت مجذوب: “من المفترض أن تصل أولى الجرعات خلال أسبوعين، لكن الحكومة لم تبد أي خطة واضحة بعد… علاوةً على ذلك، لا توجد حملة توعية واضحة، بينما نرى أن الكثير من الناس قلقون بشأن التطعيم. نأمل أن تفعل الحكومة شيئاً ما لتسير الأمور على ما يرام.” وتابعت، “يجب إدراج اللاجئين، لكن لم يتم ذكر أي كلمة عن العمال الوافدين، إذ أن هناك أعداد كبيرة منهم غير موثقين. وأضافت مجذوب، “همنا الأكبر هو أن يحصلوا على اللقاح. يتم تسجيل اللاجئين من خلال وكالات الأمم المتحدة مثل مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أو الأونروا، ولكن لا توجد قاعدة بيانات مماثلة عندما يتعلق الأمر بالعمالة الوافدة.”

وعلى صعيدٍ متصل، فقد فرض الإغلاق الشامل والوباء ضغوطاً إضافية على السكان اللبنانيين، المنهكين بالفعل في ظل أكثر من عامٍ من الكوارث. فقد قالت الصحفية اللبنانية ريتا غنطوس لفَنَك: “كان من الصعب للغاية التعامل مع جائحة كورونا من حيث الخطر الذي يلوح في الأفق والمسؤولية الكبيرة لحماية محيطي من الإصابة.” وأضافت، “إن الارتفاع الحاد في عدد الحالات، وتأخر اللقاح، والتغير الشديد في نوعية الحياة، وحقيقة أن هذا الوباء مستمر منذ أكثر من عام، بدأ يثقل كاهلنا كل يوم. أعتقد أن اليأس دبّ في قلوب الناس. وبغض النظر عن كورونا، تعرّض لبنان للكثير من المآسي، إلا أن الجائحة جعلت الأمور أسوأ. فقد بات كثيرٌ من الناس غير قادرين على التعامل مع الفقر والخوف والوحدة والقلق. يشعر معظم الناس بالاكتئاب واليأس، خاصة في لبنان.”

واليوم، تتمحور حياة غنطوس حول تدابير السلامة، وعلى الرغم من عدم قدرتها على تغطية الأحداث وإجراء المقابلات، إلا أنها تشعر أنه كان ينبغي استمرار الإغلاق لفترةٍ أطول، أو على الأقل كان ينبغي تطبيقه بشكلٍ أفضل، إذ قالت: “يمكن لبعض الصناعات أن تدير أشغالها بشكلٍ ممتاز عن بُعد، وقد يكون من الجيد مطالبة أولئك الذين يمكنهم العمل بهذه الطريقة أن يفعلوا ذلك، بينما أولئك الذين لا يستطيعون ذلك على الإطلاق، يعملون بالحد الأدنى من الموظفين والمناوبات.”

وعلى الرغم من الأمثلة الدولية حول كيفية التعامل مع الوباء، يبدو أن الحكومة اللبنانية تستخدم طريقتها المعتادة في إطلاق العنان لنفسها، دون الاهتمام برفاهية سكانها وبقائهم على قيد الحياة.