اندلعت أكبر احتجاجاتٍ منذ سنواتٍ في الأردن حول مشروع قانون ضريبة الدخل، مما دفع بالآلاف للخروج إلى الشوارع في العاصمة عمان وأماكن أخرى.
وبموجب مشروع القانون، الذي أقره مجلس الوزراء الأردني في 22 مايو 2018، سيتم فرض ضريبة على المواطنين الأفراد ممن يبلغ دخلهم السنوي 8 آلاف دينار أردني، عوضاً عن فرضها في السابق على من يبلغ دخلهم 12 ألف دينار أردني سنوياً (أي خفضت من حوالي 17 ألف دولار إلى 11 ألف دولار)، ومن 24 ألف دينار إلى 16 ألف دينار على الأسر (أي من حوالي 34 ألف دولار إلى 23 ألف دولار).
كما سيلغي القانون المقترح بعض الإعفاءات الأخرى المتاحة للنفقات، بما في ذلك العلاج الطبي والتعليم والإيجار، بالإضافة إلى زيادة معدل الضريبة لجميع فئات الدخل والشركات.
فقد أدت الزيادات المقترحة، إلى جانب خططٍ برفع أسعار المحروقات والكهرباء بنسبة 5,5% و19% على التوالي، إلى إغضاب قطاعاتٍ كبيرة من السكان.
وكانت الإجراءات المثيرة للجدل جزءاً من حزمة الإصلاحات الاقتصادية المدعومة من صندوق النقد الدولي للحد من العجز. فقد وافق صندوق النقد الدولي على قرضٍ قيمته 723 مليون دولار للأردن في عام 2016، وفي المقابل، طلب البنك اتخاذ تدابير مالية مختلفة، بما في ذلك فرض قانون جديد لضريبة الدخل.
كما نصح صندوق النقد الدولي “السلطات الأردنية بإلغاء الإعفاءات الضريبية والإعانات الضخمة بشكلٍ تدريجي، بما في ذلك الإعانات الخاصة بالوقود والغاز.”
وقال المسؤولون إن الزيادة المقترحة في الضرائب ستزيد الإيرادات بنحو 300 مليون دينار أردني في السنة (423 مليون دولار). ومع ذلك، تزعم نقابات العمال ومجموعات الشباب وغيرهم أن المكاسب التي ستحققها الحكومة ستأتِ على حساب بعض أكثر أعضاء المجتمع احتياجاً، الذين يكافحون بالفعل مع ارتفاع تكاليف المعيشة وارتفاع مستويات البطالة.
فقد دعت النقابات إلى إضرابٍ عام في 30 مايو، حيث شاركت 33 نقابة تمثل قطاعاً عريضاً من الصناعات. أعقب الإضراب أيام من الاحتجاجات الجماهيرية في المدن في جميع أنحاء البلاد، وبحسب وكالة الأنباء الأردنية (بترا) التي تديرها الدولة، قام المتظاهرون بإغلاق الطرق وإحراق الإطارات وحاويات القمامة.
كما أطلقت الشرطة الغاز المسيل للدموع لمنع المتظاهرين من الوصول إلى مبنى رئاسة الوزراء في عمان، واندلعت اشتباكات طفيفة بين المتظاهرين والشرطة في بعض المناطق. وطالب المتظاهرون باستقالة رئيس الوزراء هاني الملقي، إلا أنهم أيضاً “يلقون باللوم على عاتق الملك،” كما تقول لميس أندوني، الصحفية الفلسطينية- الأردنية، التي حضرت الاحتجاحات.
وكما قالت أندوني “تسببوا بنفور العديد من حلفاء الملك [بقانون الضريبة المقترح]، العديد من الحلفاء بما في ذلك الموالون المخلصون.” وأضافت “لقد استفادوا من تراكم الإحباط والشعور بالخيانة لدى العديد من الأردنيين، لا سيما خارج عمّان وفي المناطق الأكثر فقراً في عمّان… بأن الدولة قد تخلت عنهم تماماً.” ومع ذلك، قالت أندوني أنه من غير المرجح في هذه المرحلة أن تلغي الحكومة قانون الضريبة.
ومع ذلك، يبدو أن الملك عبد الله مستعدٌ لإقالة الملقي في محالةٍ لاسترضاء المتظاهرين، بحسب رويترز، وذلك نقلاً عن مصادر سياسية لم تسمها. وقالت أندوني أنها غير متأكدة ما إذا كان هذا كافياً لقمع غضب المحتجين.
كما يبدو أن الملك قدم تنازلاتٍ للمتظاهرين في الأول من يونيو بعد أن أمر الحكومة بتجميد الزيادات المقترحة في أسعار الكهرباء والوقود. وبحسب وكالة الأنباء الأردنية (بترا)، دعا الملك أيضاً “الحكومة ومجلس الأمة إلى أن يقودا حواراً وطنياً شاملاً وعقلانياً للوصول إلى صيغة توافقية حول مشروع قانون الضريبة، بحيث لا يرهق الناس ويحارب التهرب ويحسّن كفاءة التحصيل،” مضيفاً ” أنه ليس من العدل أن يتحمل المواطن وحده تداعيات الإصلاحات المالية.”
وبشكلٍ منفصل، التقى الملقي بممثلي مجلس النقباء وتم التوافق خلال الاجتماع على تشكيل لجنة “من الوزراء المعنيين والنقابات المعنية… لدراسة نظام الخدمة المدنية والتعديلات التي طرات عليه، وإزالة اي اثر سلبي على من طالهم النظام بشيء من الغبن.”
ومن المقرر أن تنهي اللجنة عملها لتًقدم تقريرها قبل عطلة عيد الفطر في 15 يونيو. وقال رئيس مجلس النواب عاطف الطراونة للصحفيين ان غالبية النواب يريدون أيضاً من الحكومة سحب مشروع قانون الضريبة. وواصلت النقابات وغيرهم من المعارضين لمشروع القانون الدعوة إلى الاحتجاجات وإضرابٍ عام آخر.
وتعدّ هذه الإحتجاجات آخر الدلائل على أن المشاكل الاقتصادية في الأردن بدأت تُلقي بظلالها. وعلى الرغم من أن المملكة حافظة في غالبية المناطق على استقرارٍ سياسي، إلا أنها شهدت تراجعاً في القطاع السياحي في السنوات الأخيرة نتيجة الحرب في سوريا المجاورة، فضلاَ عن القضايا الداخلية، بما في ذلك التجنيد من قِبل الجماعات المتطرفة. ففي ديسمبر 2016، تحصنّ مسلحون في قلعة الكرك التاريخية، حيث قُتل عشرة أشخاص، من بينهم سائحة كندية، في تبادلٍ لإطلاق النار بينهم وبين قوات الأمن.
كما يستضيف الأردن أيضاً أكثر من 740 ألف لاجىء، معظمهم سوريون، مما يجعله البلد صاحب ثاني أعلى نسبة من اللاجئين مقارنة بسكانه في العالم، مما يضيف مزيداً من الضغوط على الاقتصاد والبنية التحتية. وعلى الرغم من أن الجهات المانحة الدولية قد ساهمت بكميات كبيرة من المساعدات، إلا أنها لم تكن كافية. واعتباراً من مايو 2018، أفادت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، أنها لم تتلق سوى 216 مليون دولار من المليار دولار المطلوبة لتقديم المساعدات للاجئين السوريين والمجتمعات المضيفة سريعة التأثر في الأردن لعام 2018.
وعلاوة على ذلك، فقد ارتفعت نسب البطالة لتصل إلى 18,5% مع نهاية عام 2017. كما نمت نسبة إجمالي الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي بشكلٍ كبير خلال العقد الماضي، ليصل الآن إلى أكثر من 95%.
قانون الضرائب المقترح هو الاختبار الأخير الذي تواجهه الحكومة التي تجد نفسها في كثير من الأحيان عالقةً بين مصالح الداعمين الخارجيين ومطالب سكانها. وإلى جانب الغضب الذي يحيط بالتدابير الاقتصادية، كانت علاقة المملكة بإسرائيل هدفاً لغضبٍ شعبي كبير، وبخاصة أن غالبية سكان الأردن من أصلٍ فلسطيني.
فقد اشتعل الغضب في يوليو 2017 بعد أن أقدم حارس أمنٍ في السفارة الإسرائيلية على إطلاق النار على رجلين أردنيين مما تسبب في مقتلهما. وونتيجةً لذلك، تم إغلاق السفارة لعدة أشهر وأعيد أفتتاحها في يناير 2018.