إمتد تأثير الهجوم على منشأةٍ نفطية سعودية رئيسية في 14 سبتمبر 2019 إلى ما وراء الدولة النفطية القوية. فقد قرّب الحادث شبكةً من الدول والحلفاء من المواجهة العسكرية المباشرة، بينما اهتزت أسواق الأسهم والطاقة.
فقد استهدفت غارة جوية بطائراتٍ مُسيّرة منشآتٍ نفطية تابعة لشركة الطاقة السعودية الوطنية أرامكو في بقيق، وهي عبارة عن مجتمعٍ مغلق في المنطقة الشرقية. أصاب هجوم السرب الذي شمل 25 طائرة مُسيرّة وقذيفة أكبر محطة لمعالجة النفط الخام في العالم وحقل خريص النفطي على بعد حوالي 110 أميال جنوب غرب بقيق، والذي ينتج حوالي 1,5 مليون برميل من النفط الخام يومياً. أظهرت صور الأقمار الصناعية تعرض الموقع لـ18 غارة على الأقل.
ومن الجدير بالذكر أن هجماتٍ أخرى وقعت في السابق، إلا أن أياً منها سببت أضراراً جسيمة، بينما أدى الهجوم الأخير إلى توقف حوالي 50% من إنتاج المملكة من النفط.
سرعان ما أعلن المتمردون الحوثيون مسؤوليتهم عن الهجوم، إذ يعدّ الحوثيون هدف التحالف الذي تقوده السعودية في الحرب الأهلية اليمنية التي تعارض الحكومة بقيادة عبد ربه منصور هادي.
فقد وصفت الأمم المتحدة الوضع في اليمن بأنه أسوأ أزمة إنسانية في العالم، والتي في حال انتهت في عام 2019، ستكون مسؤولة عن 233 ألف حالة وفاة (القتلى والوفيات غير المباشر على حد سواء). وعليه، هدد الحوثيون بتصعيد أنشطتهم العسكرية إذا استمرت الحرب.
يأتي الهجوم الأخير في وقتٍ حرج بالنسبة لشركة أرامكو، حيث تسعى الشركة إلى طرح أسهمها للإكتتاب العام لأول مرة، كما تعدّ محطة بقيق أهم منشآتها. ومنذ ذلك الحين، اصطحبت أرامكو الصحفيين في جولةٍ في جميع أنحاء الموقع، بيد أنها قالت إن الأمر قد يستغرق عدة أشهر لاستئناف الإنتاج المعهود.
وعلى الرغم من إعلان الحوثيين مسؤوليتهم، إلا أنه تم إلقاء اللوم على إيران على نطاقٍ واسع في الهجوم، حيث استشهدت الولايات المتحدة بالمخابرات لدعم مزاعمها. وبحسب ما ورد تُظهر صور الأقمار الصناعية أن نقاط التأثير جاءت من الغرب إلى الشمال الغربي، مما قد يورط إيران أو العراق، وليس من اليمن التي يسيطر عليها الحوثيون في الجنوب الغربي.
ووفقاً لمركز الأبحاث المستقل، مجموعة الأزمات الدولية، فإن أي دليل دامغ يُظهر تورط إيران من شأنه أن يمثل “خروجاً صارخاً عن استراتيجية طهران للرد من خلال الوكلاء والإنكار المعقول.”
من جهتها، اتهمت إيران وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، الذي وجه الاتهام لإيران، بممارسة الخداع بينما أشار الرئيس دونالد ترمب في تغريدةٍ إلى أن الخيار العسكري كان وارداً بمجرد معرفة مقترف الجريمة.
وقال المحلل الإيراني ماهان عابدين “تتمتع إيران بهدوءٍ كبير، على عكس الأمريكيين الذين يشعرون بالارتباك ويرسلون رسائل غير مترابطة.” وفي مواجهة الحملة الأمريكية بممارسة “أقصى قدرٍ من الضغط،” من المتوقع أن ترد إيران بـ “المقاومة القصوى.”
وقال عابدين إن هذا يمكن أن يحدث بعدة طرق سواء في الخليج العربي، حيث تدافع إيران عن مصالحها كما فعلت في وقتٍ سابق من هذا العام عندما أسقطت طائرة أمريكية بدون طيار تنتهك مجالها الجوي، أو على الجبهة النووية من خلال مواصلة تقليصها التدريجي للعمل بخطة العمل الشاملة المشتركة لعام 2015، والمعروفة أيضاً باسم الصفقة النووية الإيرانية، التي انسحبت منها الولايات المتحدة في مايو 2018.
وقال عابدين، “سأكون مندهشاً للغاية إذا ما اختارت [الولايات المتحدة] العمل العسكري الحركي لأن ذلك سينتج عنه العديد من العواقب غير المقصودة،” مضيفاُ أن الخيار الوحيد المتبقي أمام الولايات المتحدة هو بتغيير سياسة ممارسة أكبر قدرٍ من الضغط والعودة إلى الإتفاق النووي.
بينما يعتقد نيسان رافاتي، المحلل الإيراني في مجموعات الأزمات الدولية، أنه في حال كانت إيران وراء الهجوم، فمن المحتمل أن يكون الدافع وراء ذلك هو تصور أن الرياض متواطئة في حملة ممارسة أكبر قدرٍ من الضغط التي أضرت بالاقتصاد الإيراني.
“من خلال ضرب المصافي، تأمل [إيران] في إجبار الولايات المتحدة على التراجع عن هذه الحملة خشية أن تؤدي الفوضى المستمرة إلى ارتفاعٍ كبير في أسعار النفط، مع تداعياتٍ اقتصادية في الولايات المتحدة مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية 2020،” كتب في إحاطةٍ للمؤسسة الفكرية.
يتمثل مصدر القلق الرئيسي في أن مثل هذا الهجوم قد يؤدي إلى نشوب صراع إقليمي بين إيران والولايات المتحدة واليمن والسعودية وإسرائيل والعراق. كما قد ترد إيران أيضاً بمساعدة الحوثيين على تصعيد العمل العسكري في اليمن.
فقد أشارت تقارير سرية إلى أن إسرائيل، التي التزمت الصمت علناً حتى الآن بشأن الحادث، تعتقد “أن الإيرانيين المتشددين شعروا بحاجة إلى تغيير الحقائق على أرض الواقع من أجل تجنب إمكانية تجدد المفاوضات بموجب عقوباتٍ صارمة، والتي يمكن أن تؤدي إلى قبول إيران باتفاقٍ غير مرغوبٍ فيه.”
علاوةً على ذلك، تشعر إسرائيل بالإحباط بسبب ما تعتبره سياسة ضبط النفس التي تلتزم بها الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية تجاه إيران. كما أنها لا تستخف باستعمال الأسلحة الدقيقة مثل تلك التي شوهدت في الهجوم على المواقع النفطية والتي تعتقد أن إيران تحاول إدخالها إلى لبنان وسوريا، حيث تمتلك إسرائيل مصالح عسكرية مستمرة.
من جانبه، نفى العراق بقوة أي تورطٍ له في الهجوم، لتفادي أن يصبح ساحة معركةٍ في حربٍ محتملة بالوكالة. وعلى الرغم من التأكيد على أن العراق كان نقطة انطلاق الهجوم، إلا أن ممارسة الضغوط على بغداد لا تزال مستمرة لتتماشى مع العقوبات ضد طهران والسيطرة على قواتها شبه العسكرية، وفقاً لماريا فانتابيه، كبيرة الباحثين في شؤون العراق في مجموعة الأزمات الدولية.
كما انضمت دولٌ أخرى، مثل الصين، إلى إدانة الهجوم، فقد قالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية في البلاد، هوا تشون يينغ، إنه يتعين على الأطراف المعنية “تجنب اتخاذ إجراءات تؤدي إلى تصاعد التوترات الإقليمية.”
انعكس القلق في الأسواق في ارتفاع أسعار النفط حيث انخفضت إمدادات النفط العالمية بنسبة 5%. كما تراجعت أسواق الأسهم في الشرق الأوسط بسبب الوضع السياسي و”الخوف من تعطيل الإنتاج،” وفقاً لما قاله ديفيد مادن، محلل الأسواق لدى سي إم سي ماركتس.
بينما خففت الولايات المتحدة من حدة هذا الإنخفاض بالاعتماد على احتياطي الطوارىء الذي تحتفظ به منذ سبعينيات القرن الماضي عندما تسبب الحصار الذي فرضته دول الشرق الأوسط في ارتفاع أسعار النفط العالمية.
وإلى جانب ذلك، أثرت حالة عدم اليقين أيضاً على الشركات، لكن ليس بقدر تأثيرها على شركة أرامكو السعودية نفسها مع توقف برنامج سوق الأسهم. كما تأثرت الشركات غير النفطية أيضاً، مثل شركة كرنفال لتشغيل الرحلات البحرية، التي انخفض سعر سهمها بنسبة 3% في التعاملات المبكرة بسبب ارتفاع أسعار النفط مما أدى إلى انخفاض الأرباح.
ووفقاً لروب سوبارامان، رئيس قسم الأبحاث العالمية الكبرى في Nomura Holdings، “إن صدمات العرض السلبية كهذه، عندما يكون النمو العالمي في تباطؤ متزامن مع العديد من النقاط الساخنة الجغرافية السياسية، ليس ما نحتاج إليه.”
فأسعار النفط كانت تتعرض بالفعل لضغوطٍ بسبب النزاع التجاري بين الولايات المتحدة والصين، وتباطؤ الاقتصاد العالمي والعقوبات الإيرانية. فقد شهد العالم أكبر انخفاضٍ في أسعار النفط الخام في أغسطس، عندما أعلن الرئيس ترمب فرض المزيد من الرسوم الجمركية على الصين. كما تربعت منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) على عرش المعروض أيضاً، في حين تواجه تجارة النفط المعتادة من إيران عوائق في ظل التدابير العقابية الأمريكية.
كان للتأثير على االنفط تداعياتٍ على الإنفاق في أسواقٍ أخرى مثل الذهب، الذي ارتفع بأكثر من 1% ليصل سعر الأونصة إلى 1,503,69 دولار، بينما قفزت الفضة بنسبة 2,8% ليصل سعر الأونصة إلى 17,92 دولار.
مع خطر نشوب صراعٍ إقليمي، قد يساعد التدخل الدبلوماسي والتدخلات من اللاعبين الخارجيين على تخفيف حدة التوترات، على الرغم من موقف أصحاب المصلحة المتشددين. يمكن استيعاب الآثار الاقتصادية الناجمة عن انخفاض تجارة النفط في غضون أشهر، ولكن احتمال وقوع هجمات في المستقبل يمكن أن يؤدي إلى عواقب أطول أمداً.