وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

لبنان والحرب في سوريا

بعد إنفجار سيارة في منطقة حارة حريك, بيروت 21 كانون الثاني / Photo HH
بعد إنفجار سيارة في منطقة حارة حريك, بيروت 21 كانون الثاني / Photo HH

المقدمة

عائلة تسجل في مركز التسجيل UNHCR في طرابلس / Photo World Bank
عائلة تسجل في مركز التسجيل UNHCR في طرابلس / Photo World Bank

تأثر لبنان تأثراً بالغاً، وعلى غير صعيد، بتصاعد حدة الصراع الطائفي في سوريا. فقد عبر مئات آلاف السوريين الحدود إلى لبنان كنتيجة مباشرة للعنف في بلادهم. وشهد عدد اللاجئين المسجلين لدى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في لبنان ارتفاعاً كبيراً، من أكثر من 130,000 لاجئ في كانون الثاني/يناير من العام 2013 إلى حوالى 900,000 في آذار/مارس من العام 2014، وبات لبنان بذلك، يحوي أكبر عدد من اللاجئين السوريين بين بلدان المنطقة. وبالإضافة إلى اللاجئين المسجلين لدى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، يُذكر أن عدداً كبيراً من اللاجئين الذين يتخللهم عمال سوريون مهاجرون لا يستطيعون العودة إلى سوريا، ليس مسجلاً لدى المفوضية. وبحسب آخر تقديرات الحكومة اللبنانية في شهر آذار/مارس من العام 2013، بلغ عدد اللاجئين السوريين في لبنان مليون لاجئ، من بينهم عمال سوريون وأشخاص لم يسجلوا أسماءهم لدى المفوضية. ويواجه اللاجئون السوريون الهاربون من العنف المستمر في بلادهم بعبورهم الحدود، خطر الملاحقة من قبل الأجهزة الأمنية اللبنانية حتى إنهم يعرضون حياتهم للخطر. ويُزعم أن عدداً من المهاجرين والمنشقين السوريين الذين فروا من بلادهم أُوقفوا من قبل الجيش اللبناني وأُعيدوا إلى سوريا.

كان لتدفق اللاجئين السوريين إلى لبنان بأعداد غفيرة نتائج ضربت استقرار البلاد. ومن المتوقع أن تبلغ التكلفة الإجمالية للأزمة على لبنان بحلول نهاية العام 2014، 7.5 مليار دولار أميركي؛ فقد ارتفع الإنفاق على التعليم والصحة بشكل هائل وأدت المنافسة في سوق العمل إلى تدني الأجور فيما ارتفعت أسعار المواد الأساسية. يعيش اللاجئون بغالبيتهم في أفقر مناطق لبنان مثل الشمال والبقاع ما أدى إلى مزيد من التوتر بينهم وبين اللبنانيين في هذه المناطق. وتسبب ارتفاع الطلب على المياه والكهرباء بنقص حاد في هذين الموردَين، كما انعكست الأزمة السورية في صعوبة إدارة النفايات وفي ازدحام المدارس الرسمية اللبنانية. والجدير بالذكر أيضاً، تعرّضت المناطق المحاذية للحدود اللبنانية-السورية للقصف والغارات من الجانب السوري ناهيك عن عمليات الخطف والمتاجرة بالأسلحة. وسُجّلت في 18 آذار/مارس 2013 المرة الأولى التي أطلق فيها النظام السوري غارات جوية على لبنان استهدفت مراكز مشبوهة للثوار السوريين في قرية عرسال، شرقي البلاد.1

منذ اندلاع الأزمة السورية، حاولت الحكومة اللبنانية تفادي امتداد أعمال العنف إلى لبنان. وفي مقابلة مع صحيفة The National الإماراتية، في كانون الثاني/يناير من العام 2012، أكد رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي رفض بلاده التدخل في الشؤون الداخلية السورية. غير أن النقاد رأوا في إعلان الحكومة الحيادي دعماً ضمنياً للنظام السوري بما أن لبنان امتنع، في جلسة طارئة للجامعة العربية في 12 تشرين الثاني/نوفمبر من العام 2011، عن التصويت على تعليق عضوية سوريا في الجامعة وعلى فرض عقوبات اقتصادية عليها. كذلك، كان لبنان العضو الوحيد الذي امتنع عن دعوة الرئيس الأسد إلى التنحي في 22 كانون الأول/يناير من العام 2012 وكان قد اختار سياسة النأي بالنفس في وقت سابق (في 3 آب/أغسطس من العام 2011) عن بيان صادر عن مجلس الأمن يدين “انتهاكات [السلطات السورية] الواسعة النطاق لحقوق الإنسان [و] [ارتكابها] فظائع ضد المدنيين” (إشارة إلى أن لبنان كان في العام 2010/2011 عضواً غير دائم في مجلس الأمن). في شباط/فبراير من العام 2012، امتنع لبنان عن التصويت على قرار للأمم المتحدة يدين النظام السوري ويدعم خطة لإبعاد الرئيس الأسد عن السلطة. كذلك، امتنع لبنان عن التصويت على أي قرار صادر عن الأمم المتحدة، كالقرار الصادر في 3 آب/أغسطس من العام 2012 (الذي يدعو إلى إطلاق عملية انتقالية سياسية)، وفي 15 أيار/مايو من العام 2013 (القرار الذي يدين العنف الذي تمارسه الحكومة ضد المدنيين) وفي 19 تشرين الثاني/نوفمبر من العام 2013 (القرار الذي يدين انتهاكات حقوق الإنسان).

دور حزب الله

يُعزى ما بلغه الوضع في لبنان إلى هيمنة حزب الله على السياسة اللبنانية. فمنذ النصف الثاني من الثمانينيات، حافظ الحزب على تحالفه التكتيكي مع النظام السوري؛ فسوريا هي قناة أساسية لتمرير المساعدات العسكرية الآتية من إيران كما أنها حليف مهم في تحالف غير رسمي-يُعرف بمحور الممانعة ويضم أيضاً إيران وحماس-ضد الهيمنة المزعومة الأميركية-الإسرائيلية في المنطقة.

ولم يقتصر دعم حزب الله للنظام السوري على الخطاب السياسي؛ بل تخطاه إلى قيام الحزب بإرسال مقاتليه لمحاربة الثوار السوريين في القصير وفي القرى الشيعية المحيطة بها والقريبة من الحدود اللبنانية بشكل خاص، ما أدى إلى تعرض المناطق اللبنانية إلى المزيد من القصف والغارات من الجانب السوري. وفي حين أنكر حزب الله بدايةً مشاركة أعضائه في القتال في سوريا، إلا أن أمين العام للحزب، السيد حسن نصر الله، أعلن رسمياً في 25 أيار/مايو من العام 2013 التزامه بمحاربة المعارضة السورية. فبحسب ما يزعمه الحزب، هو يساعد الحكومة السورية الشرعية في حربها على من يدعوهم بـ”الإرهابيين”، المجاهدين السنة المتطرفين المدعومين، برأيه، من الولايات المتحدة وإسرائيل.

بالإضافة إلى ذلك، يدعي حزب الله أن هؤلاء المجاهدين المدعومين من القوى الخارجية لا يهددون شيعة لبنان فحسب بل الطوائف اللبنانية كلها. بهذا الخطاب يحاول الحزب كسب الدعم محلياً. وفي حين يحافظ الحزب على دعم شيعة لبنان، إلا أن دوره في دعم نظام الأسد أدى إلى ارتفاع الأصوات الناقدة بين صفوفه، فقد تراجعت شعبية الحزب برفض بعض محاربيه القتال في سوريا. بدعمه نظام الأسد ومؤيديه العلويين، أقحم حزب الله نفسه في صراع بعيد كل البعد عن الهدف الذي أُسس لأجله، ألا وهو مقاومة الاحتلال الإسرائيلي. مع ذلك، ليس التدخل العسكري للحزب في الحرب السورية بالحدث المفاجئ، نظراً إلى أنه يدافع، وكطرف في محور الممانعة، عن خطوط إمداده الرئيسية في سوريا.

Advertisement
Fanack Water Palestine