وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

الثوابت والمتغيرات المصرية في أزمة أوكرانيا

الثوابت والمتغيرات المصرية
صورة تم التقاطها يوم ٢٤ أكتوبر ٢٠١٩ للرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره المصري عبد الفتاح السيسي أثناء وصولهما لعقد مؤتمر صحفي على هامش القمة الروسية الإفريقية التي تم عقدها في حديقة سيريوس للعلوم والفنون بمدينة سوتشي الروسية. المصدر: Sergei CHIRIKOV / POOL / AFP.

خالد محمود

مع تصاعد الأزمة الراهنة بين روسيا وأوكرانيا، وجد صانع القرار المصري نفسه في مأزق كبير، كغيره من حلفاء روسيا والولايات المتحدة العتيدين في المنطقة العربية والشرق الأوسط، بينما سعى تجار الأزمة في مصر إلى استغلالها لرفع الأسعار بشكل مبالغ فيه.

كانت النكتة القديمة المتداولة في مصر تعزو ارتفاع سعر أي شيء في الأسواق إلى ارتفاع سعر الدولار. والآن، يقول البائعون بسخرية باهتة إن السبب في أسعارهم المرتفعة هي أوكرانيا.

ومع دخول الحرب الروسية على أوكرانيا، أسبوعها الخامس على التوالي، دون توقف، زادت حدة ووتيرة الضغوط الأمريكية والغربية لدفع القاهرة لاتخاذ موقف مقارب لمواقفهم المتشددة تجاه روسيا، الحليف الاستراتيجي المهم لمصر، على خلفية هذه الأزمة.

ضغوط غربية

مثّل بيان أصدره عدد من سفراء دول غربية في القاهرة، أحدث محاولة للضغط الغربي على القاهرة بمطالبتها باتخاذ موقف مساند لأوكرانيا.

البيان الذي أصدره سفراء كندا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا واليابان والمملكة المتحدة والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بالقاهرة، اعتبر أن محاولة روسيا زعزعة استقرار النظام الدولي سوف يكون لها صدى أيضا على منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا بما في ذلك مصر.

البيان لفت إلى معاناة مصر بالفعل من جراء الاعتداء الروسي، على اعتبار أنها أكبر مستورد للقمح في العالم، وأوكرانيا هي من أكبر مصدري القمح، موضحا أن هذه التجارة الحيوية أصبحت الآن مهددة بفعل حرب عبثية، تشنها روسيا على أوكرانيا.

وخلص البيان إلى أن” العدوان الروسي يعني ارتفاع أسعار القمح والسلع الغذائية في مصر وأفريقيا”. كما غمز من قناة الملايين من السائحين الأوكرانيين الذين سيتعذر عليهم القدوم إلى مصر، الأمر الذي سوف يتسبب في ضرر مباشر لقطاع صناعة السياحة في مصر.

ودعا ضمنيا الحكومة المصرية إلى التمسك بالمبادئ المتعلقة بالسلم والأمن والاستقرار والسيادة القائمة على القواعد الدولية، مذكرا بأن مصر دعمت منذ عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية كأساس للنظام الدولي الحديث، كما تؤمن بشدة بأهمية الأمم المتحدة وتعتبر مناصرا قويا لمبادئ ميثاقها.

العلاقات الوطيدة سياسياً وعسكرياً مع روسيا لم تمنع مصر من الانضمام إلى المجتمع الدولي في التنديد بالعملية العسكرية الروسية ضد أوكرانيا.

ومع ذلك، فقد سعت القاهرة لتجنب توتر العلاقات مع موسكو، والابتعاد بملف الأزمة على مستقبل هذه العلاقات وواقعها.

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي استغل أحدث اتصال هاتفي مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين للتأكيد على ضرورة تغليب لغة الحوار مع دعم مصر لكافة المساعي الدبلوماسية التي من شأنها سرعة تسوية الأزمة سياسيًا من أجل الحد من تدهور الموقف، والحفاظ على الأمن والاستقرار الدوليين. كما أكد استعداد مصر لدعم هذا التوجه من خلال تحركاتها الحثيثة في هذا الصدد سواء ثنائيًا، أو على الصعيد المتعدد الأطراف.

وحرص البيان الرئاسي المصري على الإشارة إلى تأكيد الطرفين على ما وصفه بـ “متانة علاقات التعاون التاريخية والراسخة التي تجمع بين مصر وروسيا في مختلف المجالات، إلى جانب علاقات الصداقة بين البلدين على المستويين الرسمي والشعبي”.

في المقابل، سعت روسيا عبر وزارة الخارجية إلى الابتعاد بالمحادثة الهاتفية بين بوتين والسيسي عن ملف أوكرانيا، الذي تجاهلته تماما. واكتفت بالإشارة إلى بحث الرئيسين في محادثتهما مسائل تطوير الشراكة الاستراتيجية بين روسيا ومصر، بما في ذلك مسار تنفيذ المشروعات المشتركة الكبرى في مجال الطاقة النووية. ولفتت وزارة الخارجية الروسية إلى شكر الرئيس المصري للجانب الروسي على الجهود الجارية لإجلاء المواطنين المصريين من منطقة الصراع.

لكن الكرملين كان واضحا، عندما قال في بيان “بطلب من السيسي، شرح بوتين أسباب وأهداف العملية العسكرية الخاصة الروسية لحماية دونباس، كما أبلغه بالعمل الذي تقوم به روسيا في إطار المفاوضات مع ممثلي أوكرانيا”.

معضلة السلاح الأمريكي

وبحسب محللين، فقد دفعت الأزمة الروسية الأوكرانية العديد من قدامى الشركاء الأمنيين للولايات المتحدة في الشرق الأوسط إلى تنويع علاقاتهم، واستشهدوا بمصر التي قد تكون أبرز مثال على هذه الظاهرة. فالقاهرة تستعد لاستلام مقاتلات روسية الصنع من طراز “سو-35” – وهي عملية شراء قد تؤدي إلى فرض عقوبات عليها من قبل الكونغرس الأمريكي.

بيد أن ذلك لم يؤثر على استمرار حصول مصر على أسلحة أمريكية، حيث مرر مجلس الشيوخ الأمريكي صفقة لبيع طائرات من طراز سي-130 سوبر هيركليز لمصر بقيمة 2.2 مليار دولار. ووافق المجلس بأغلبية 81 صوتا مقابل 18 حاولوا منع الصفقة لمخاوف مرتبطة بحقوق الإنسان.

ورغم مساعي بعض أعضاء مجلس الشيوخ لوقف الصفقة، التي يرى معارضوها أنه “يتعين على الشركات الأمريكية عدم بيع أسلحة إلى بلدان لها سجل سيء في حقوق الإنسان”، فقد أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) إتمام الصفقة التي تشمل معدات دعم وقطع غيار ودعما فنيا، علما بأن شركة لوكهيد مارتن هي المتعاقد الرئيسي في هذه الصفقة.

وإلى جانب المسار الأمريكي، تصطدم مواقف مصر في الأزمة الأوكرانية، بمواقف الاتحاد الأوروبي، الذي غمز من قناة سد النهضة الأثيوبي على نهر النيل، أحد أخطر وأكثر الملفات حساسية بالنسبة للمصريين.

الرسالة الأوروبية التي حرصت أنيت وايبر، الممثل الخاص للاتحاد الأوروبي للقرن الأفريقي والبحر الأحمر، على تمريرها في لقاء بالقاهرة مع صحافيين مصريين كانت واضحة. وفي أول زيارة لها منذ توليها مهام منصبها على هامش جولة افريقية، لفتت وايبر إلى “تزايد اهتمام الاتحاد الأوروبي على خلفية الحرب الروسية ضد أوكرانيا باحتياجات الطاقة ومحاولة تنويع مصادرها”. كما أكدت على الاهتمام بـ ” أمن منطقة البحر الأحمر، التي تمر 20% من تجارة الاتحاد الأوروبي عبرها”.

يأتي ذلك على الرغم من تحذيرات البعض من احتمال فقدان مصر الدعم الغربي حيال العديد من القضايا الاقتصادية والسياسية، إذا لم تكف عن انتهاج ما وصفوه بـ ” المواقف الضبابية المتخاذلة”، تجاه “العدوان الروسي على أوكرانيا”.

أولويات مصرية

الثوابت والمتغيرات المصرية
صورة تم التقاطها يوم ١ مايو ٢٠١٩ لفلاح مصري أثناء حصاد القمح في قرية ساقية المنقدي شمال دلتا النيل بمحافظة المنوفية المصرية. المصدر: Mohamed el-Shahed / AFP.

لكن ما يشغل بال المصريين، وفقا للتصريحات الرسمية لكبار مسؤولي الدولة المصرية، هو القمح والسياحة.

رئيس الحكومة المصرية مصطفى مدبولي رفع شعار عدم السماح بتخزين أي سلع أو أي نوع من الاحتكار في محاولة لتقليل المخاوف المطردة للرأي العام المحلي من ارتفاع الأسعار.

وبحسب مدبولي، من الطبيعي أن تتأثر الدولة المصرية بكل هذه الارتفاعات وتلك الموجات التضخمية المتلاحقة التي يمر بها العالم منذ اندلاع الأزمة الروسية الأوكرانية. ولفت مدبولي إلى استباق حكومته وقوع الأزمة بالعمل لامتصاص أكبر قدر ممكن من التأثيرات السلبية لموجات التضخم، وتحميل المواطن جزء يسير منها فقط.

وفي الوقت الذي أعلن مدبولي فيه إلى العمل على توفير رصيد احتياطي دائم لا يقل عن 3 إلى 6 أشهر من السلع الأساسية، فقد أكد أن احتياطي القمح يكفي حاجة الاستهلاك المحلي لمدة أربعة أشهر، وهو ما يجعلنا لا نحتاج إلى شراء أي شحنات إضافية كدولة. وفي هذا السياق، سيبدأ في منتصف شهر أبريل المقبل موسم حصاد محصول القمح المحلي، وهو ما دفع رئيس الوزراء ليطمئن الشعب المصري بعدم وجود أي أزمة أو احتياج للسوق العالمي لاستيراد القمح المطلوب لإنتاج الخبز المدعم، وذلك حتى نهاية العام الحالي 2022.

ومن خلال التوسع في المنافذ الخاصة ببيع السلع للمواطنين بأسعار منخفضة نسبيًا، تسعى الحكومة المصرية لضمان مرور الأزمة خلال شهر رمضان، بأقل الخسائر. وفي اجتماع عقده مع مجلس المحافظين، تعهد مدبولي بالتصدي لأية ممارسات غير مقبولة تتعلق باحتكار أو إخفاء أي سلع، أو فرض زيادة غير مبررة على أسعار بعض السلع في ظل هذه الأزمة.

وأكد محمد معيط وزير المالية المصري أن الأزمة الأوكرانية سيكون لها تبعات على البلاد، مشيرا إلى أن “بند (توفير) القمح في موازنة الدولة سيرتفع بمقدار 15 مليار جنيه (حوالي ٨٢٠ مليون دولار)”. وبحسب معيط، فإن مصر كانت تشتري طن القمح قبل الأزمة الأوكرانية بسعر 250 دولارا للطن، قبل أن يسجل أكثر من 400 دولار حاليا.

لكن ذلك، لم يمنع من ارتفاع معدل التضخم السنوي في مصر ليبلغ 10% لشهر فبراير الماضي، مسجلا النسبة الأعلى منذ منتصف عام 2019. وأرجع بيان للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء الزيادة في معدل التضخم إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية والمشروبات بنسبة 20،1% وعلى رأسها الخضروات والفاكهة والخبز والحبوب.

وشهدت مصر موجة تضخم غير مسبوقة بعد قرار البنك المركزي تعويم الجنيه المصري في إطار برنامج إصلاح اقتصادي بدأته الحكومة المصرية في نوفمبر 2016. وبلغ التضخم ذروته في يوليو 2017 حين سجّل المؤشر السنوي لأسعار المستهلكين 34،2%، إلا أنه أخذ بعد ذلك في الانخفاض وصولا للمعدل الحالي.

وشمل برنامج الأصلاح الاقتصادي أيضا إزالة الدعم عن المحروقات وفرض ضريبة القيمة المضافة. وحصلت مصر بموجبه على قرض قيمته 12 مليار دولار من صندوق النقد الدولي في 2016.

تراجع السياحة

الثوابت والمتغيرات المصرية
صورة تم التقاها يوم ٢٩ سبتمبر ٢٠٢١ ويظهر فيها السياح الروس في منتجع شرم الشيخ المصري المطل على البحر الأحمر. المصدر: Khaled DESOUKI / AFP.

تراجعت حجوزات السياح الروس والأوكرانيين إلى مصر مؤخرا بنسبة 30%، مما أثر بالسلب على إشغالات الفنادق خاصة في منتجعي شرم الشيخ والغردقة. كما تم إلغاء مئات الحجوزات الوافدة لمصر من أوكرانيا أو روسيا، حيث بلغ متوسط رحلات السياحة الأوكرانية في جنوب سيناء في يناير ٢٠٢٢ نحو ٢٦٤ طائرة، وفي شهر فبراير ١٨٨ طائرة حتى الآن. أما متوسط رحلات السياحة الروسية في يناير ٢٠٢٢ فقد بلغ نحو ٤٦٣ طائرة، وفي شهر فبراير لم يزد عن ٢٢٥ طائرة.

وقال سفير أوكرانيا في القاهرة إن نحو 20 ألف سائح أوكراني تقطعت بهم السبل في مصر بسبب الصراع، معظمهم في منتجعات تطل على البحر الأحمر.

وبينما يحاول قطاع السياحة المصري التعافي من سلسلة من الانتكاسات في السنوات القليلة الماضية، تضيف أزمة أوكرانيا بعدا إضافيا لمتاعبه، بالنظر إلى أن نحو ثلث السياح الوافدين إلى مصر يأتون من روسيا وأوكرانيا.

وثمة توقعات بأن تعود الحرب بآثار مدمرة على هذا القطاع، ما يستدعي من الحكومة البحث عن أسواق بديلة، بما في ذلك إنكلترا وألمانيا، حيث تعول عليهما شركات السياحة المصرية لتعويض هذا النقص.

وفى هذا السياق، كشفت غادة شلبي نائبة وزير السياحة المصري عن دراسة وسائل جديدة لجذب السياح. وأبلغت شلبي وكالة رويترز أن مصر تعمل على زيادة السياح من غرب أوروبا، بما في ذلك بريطانيا وألمانيا وإسبانيا وفرنسا وإيطاليا، وكذلك المجر ودول الخليج، خاصة قبل شهر رمضان وعيد الفصح الشهر المقبل.

وفيما يتعلق بهيئة قناة السويس، فإن للأزمة تأثير إيجابي محتملا، حيث سيتعين على السفن التي تبحر عادة في طريق البحر الشمالي الروسي، تحويل مسارها للمرور عبر قناة السويس لأنها ستكون الممر الأسرع والأكثر أمانًا، مما يعني المزيد من الإيرادات.